الإثنين 2014/09/01

آخر تحديث: 17:45 (بيروت)

فلسطين.. امتحان المصالحة بعد الحرب

الإثنين 2014/09/01
فلسطين.. امتحان المصالحة بعد الحرب
امتحانان قريبان بانتظار المصالحة، سيحددان مدى جدية الطرفين في المضي قدماً نحو الوفاق (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease

منذ الحملة التي شنتها قوات الاحتلال عقب اختفاء المستوطنين الثلاثة في الخليل، لم يخف الساسة الإسرائيليون نواياهم في انتهاز الحدث لشق الصف الفلسطيني. كل التصريحات الإسرائيلية كانت تصب في هذا الاتجاه. الشرارة التي امتدت لتشعل حرباً استمرت 51 يوماً في غزة، كان أحد أهم أهدافها تقويض المصالحة التي تم إنجازها بين فتح وحماس قبل فترة قصيرة، لكن في المحصلة، جاءت النتائج عكسية تماماً، فقد أظهرت الفصائل الفلسطينية لُحمة كبيرة خلال الحرب، وهو ما أكد عليه قادة حماس وفتح في تصريحاتهم، حتى إن الخطاب الفتحاوي تغير بشكل ملحوظ، ليعزز وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، على عكس ما كان عليه الحال في الحربين السابقتين. كل الإشكاليات العالقة بين طرفي الانقسام تم تلافيها خلال الحرب، لكن ما إن انتهى القتال، حتى عادت تلك الخلافات لتطفو على السطح من جديد، لتكشف عن تباينات جذرية وكامنة بين أفراد "الوفد الموحد"، وتعطي صورة عن ملامح فترة ما بعد الحرب.

لا شك أن ملف المصالحة هو أحد أعقد الاستحقاقات التي تنتظر السلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، وتكمن أهميته في أنه مرتبط بشكل مباشر مع كل الاستحقاقات الثانية، وهي فتح معبر رفح، وإعادة إعمار غزة، والبرنامج السياسي لمنظمة التحرير. الملفات الثلاثة تلك تعد مصيرية وحاسمة، لكن أيا منها قد يتعثر في أية لحظة إذا حدث تعثر في مسار المصالحة، غير أن تصريحات عباس الأخيرة تشي بأن الأمور لن تسير على ما يرام.


الرئيس أفرغ كل ما في جعبته في لقائه الأخير عبر فضائية فلسطين، وتحدث بنبرة حادة وصريحة مفصحاً عن كل ما كانت تتكتم عليه قيادات السلطة خلال الحرب، ربما لحساسية الظرف، اتهم حماس بأنها تقيم "حكومة ظل في غزة"، قائلاً إن حكومة الوفاق غير قادرة على الاضطلاع بمهامها في القطاع، كذلك اتهم الحركة بتلقي الأوامر من الخارج، وإدخال القضية الفلسطينية ضمن دائرة التجاذبات الإقليمية، والسعي لاتخاذ "قرار السلم والحرب"، ونفيها القيام بعملية أسر الجنود الثلاثة في الخليل، ثم إقرارها بها، وهو يقصد بذلك تصريحات مشعل الأخيرة، التي تم توضيحها لاحقاً من المكتب السياسي للحركة، وإثبات أن كلام مشعل لم يتضمن إقراراً بمسؤولية حماس عن تلك العملية.


إضافة إلى ذلك، أبدى عباس استياءه من معظم ما كانت تقوم به حماس في غزة، مستنكراً إعدام العملاء في الشوارع، وفرض الإقامة الجبرية على عناصر من حركة فتح، وإطلاق النار على الأرجل، ملمحاً كذلك إلى سرقة حماس للمساعدات التي كانت تصل القطاع، مع الإشارة إلى أن معظم تلك الاتهامات كانت تكال للحركة عبر الصفحات الصفراء، ومواقع التواصل الاجتماعي، وليست ثمة أدلة واضحة على ضلوع الحركة بها.

لكن أخطر ما صرح به الرئيس هو اتهامه حماس بالمسؤولية عن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا خلال الحرب، عندما قال: كان بإمكان حماس القبول بالورقة المصرية منذ البداية، حيث لم يتغير منها شيء بعد خمسين يوماً من القتال، على حد زعمه، وهي الرواية ذاتها التي يتم الترويج لها إسرائيلياً، فقبل يومين فقط، أطلق المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، مارك ريغيف، تصريحات مماثلة في السياق ذاته، ناهيك عن أن كلامه يبرئ بشكل أو بآخر إسرائيل من جرائمها، ومن كونها المسؤول الأول والأخير عما جرى.


كلام الرئيس، وإن كان حاداً وهجومياً ولا يعطي انطباعاً إيجابياً عن ملامح المرحلة القادمة، إلا أنه لا يعدو كونه مجرد تصريحات ومناكفات إعلامية. أما على الصعيد العملي والتنفيذي، فهناك امتحانان قريبان بانتظار المصالحة، سيحددان مدى جدية الطرفين في المضي قدماً نحو الوفاق، ومرونتهما في تجاوز الخلافات.


الامتحان الأول الذي ستشهده الأيام القليلة المقبلة، هو قضية رواتب موظفي حكومة حماس المقالة في غزة، فقبل الحرب كاد هذا الملف يفجر المصالحة، عندما رفضت السلطة دفع رواتب حكومة حماس السابقة في غزة، لأربعين ألف موظف، في حين قامت بدفع رواتب المستنكفين عن العمل، وهم الموظفون المعينون قبل سيطرة حماس على القطاع، والذين انقطعوا عن أعمالهم لاحقاً. السلطة بدورها كانت تقول إن حماس هي المسؤولة عن دفع رواتب موظفيها للشهر الماضي، وإن حكومة الوفاق مسؤولة عما بعد ذلك، وستعمل على تشكيل لجنة تبت في أمرهم خلال شهرين. فتدخلت قطر لحل الأزمة، لكن الأموال القطرية التي كان من المفترض أن تسلم عبر الأمم المتحدة لم تصل أيضاً، واندلاع الحرب دفع بحكومة الوفاق إلى التفكير بمعاناة هؤلاء الموظفين، فاكتفت بتقديم سلفة مالية بقيمة 1000 شيكل (280 دولار أميركي) فقط، وهي تعادل ثلث الراتب الكامل تقريباً.

أما الامتحان الثاني فهو يتعلق بأموال المساعدات، ومواد إعادة الإعمار، وهو ما غمز به الرئيس خلال لقائه الأخير، قائلاً إن "حكومة الظل" في غزة تسعى للتحكم بتلك الأموال، وإن حكومة الوفاق لن تتمكن من الاضطلاع بعملها في هذين الملفين إذا ما استمر الوضع على هذا الحال. ما تريده السلطة هو التحكم بأموال المساعدات وإعادة الإعمار بشكل كامل، وربما هو الشرط المطروح عليها دولياً لذلك، لكن حماس تصر على أن يكون لها دور أيضاً في ما يتعلق بهذين الملفين.

increase حجم الخط decrease