الأحد 2014/11/23

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

حتى أربيل لم تعد آمنة

حتى أربيل لم تعد آمنة
سيتعين على البيشمركة أن تتراجع عن المناطق المعروفة بـ"المتنازع عليها" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
مؤخراً، بدا واضحاً حجم التحديات المتراكمة في إقليم كردستان العراق، منذ انسحاب القوات الأميركية عام 2011؛ قد تعدى ركائز الأمان التي كان قد أتاحها مؤقتاً، مسلك المناورة، واللعب على التناقضات، بدل اعتماد سياسة متزنة تؤمن موقعاً ملائماً، يستجيب للمتغيرات المستجدة والمتنامية دولياً، في الإقليم، وقبله في العراق. فالإنفجار الذي استهدف الأسبوع الماضي، مبنى محافظة أربيل بسيارة مفخخة قادها انتحاري، ونجم عنه مقتل وجرح 27 شخصاً، ترافق مع انطلاق حزمة من المقولات المتضاربة، كشفت حجم المخاوف مما هو قادم.

ومنذ انسحاب الأميركيين، لاح في سماء كردستان، قلق، تُحفزه غلبة قوانين التوازنات الداخلية العراقية المضطربة، غير المستقرة، في ظل "عملية سياسية طائفية"، قامت على مرتكزات هشة، ولا يمكن أن تكون نهائية، بقدر ماهي انتقالية وخاضعة للتغير المستمر.

ظل الأكراد يتمتعون لأكثر من عقدين، 1991-2011، بحماية أميركية كاملة، جعلتهم يعيشون فسحة استقلال "الأمر الواقع"، بما رافقه من دعم شركات عالمية، جعلت أربيل إحدى مناطق الاستثمار والبناء في الشرق الأوسط، يميل البعض لتشبيهها بدول الخليج. رغم أن المنطقة بحد ذاتها تفتقر لرؤوس المال، ما جعل مشروعها مرهوناً كلياً لرؤوس أموال الشركات الأجنبية واستثمارتها، وحصر مهمة الأكراد الرئيسية، لا بل الحاسمة، في توفير السلامة القصوى للرساميل المعروفة بحساسيتها المفرطة للسلامة والأمن.

وبما أن القيادة الكردية لا تمتلك خبرة التعاطي مع حالة "شبه الاستقلال" هذه، ناهيك عن بنيتها وتكوينها القبلي الإقطاعي، وتسارع المتغيرات حولها، فقد غلب على سلوكها نوع من الارتجال والبدائية، يكاد لا يخلو من قصر النظر. فالقيادة الكردية، مثلاً، أضمرت سراً اتفاقات خطيرة، ومنها اتفاق كردي-إسرائيلي، ينتقل بمقتضاه 150 ألف يهودي كردي إسرائيلي، إلى كردستان. الأمر الذي يوطد العلاقة بين الكيانين ويُغير طبيعتها، على أن تعمل إسرائيل على ترويج استقلال الإقليم، دولياً. ويضيف آخرون، بأن القيادة الكردية تعرُض على الغرب لعب دور قاعدة تنصت متقدمة، على إيران وروسيا، ما يفسر الاستنفار الإستثنائي الذي بادرت له الولايات المتحدة، بمجرد اقتراب "داعش" من أربيل. وهنالك من يذهب إلى أن كردستان كانت أحد أسباب استعجال الولايات المتحدة للتدخل ضد "داعش"، بينما الأنباء تتردد عن نية إقامة قاعدة عسكرية أميركية فيها، أو حتى نقل قاعدة أنجرليك من تركيا إليها.

والمعلوم أن كردستان تلقت منذ اقترب خطر "داعش" من حدودها، آلاف الأطنان من الأسلحة الثقيلة من دول أوروبية، ومن استراليا. ومع أن "داعش" بدأت تتراجع عسكرياً، إلا أن انتصار بغداد في هذه المعركة، لا تنظر له كردستان ولا الولايات المتحدة الأميركية بعين الارتياح؛ فإذا تمكّن الجيش العراقي، مدعوماً بالحشد الشعبي والمليشيات من تحرير الموصل، كما صرّح وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، الأسبوع الماضي، معلناً رفضه أية خطط أو تدخلات أجنبية، فهذا سيعني حتماً، طرد البيشمركة من كركوك التي احتلتها بعد سقوط الموصل. لا بل سيتعين على البيشمركة أن تتراجع عن المناطق المعروفة بـ"المتنازع عليها"، ما يفترض حصوله في ظل تغيّر كبير في التوازنات الداخلية، تُعزّز من خلاله سلطة المركز. في حين أن الجيش العراقي مدعوماً بالمليشيات، ستتغير بنيته، ليصبح أكثر تماسكاً وخبرة. ما يضع كردستان أمام تهديد خطير.

مع هذا، أو بسببه، وانسجاماً مع نهج المناورة غير المجدي، صرّح رئيس الإقليم مسعود البارزاني، الأسبوع الفائت، أن "الإستفتاء على الاستقلال حتمي ولا رجعة عنه". جاء ذلك، رغم أن الأميركيين نصحوا البارزاني قبل أكثر من شهر، بضرورة عدم اطلاق تصريحات من هذا القبيل، خاصة في الظروف الحالية. إلا أن رئيس الإقليم الكردي، يتهيأ حالياً لارسال وفد إلى بغداد، لاستكمال المفاوضات على القضايا التي ما تزال عالقة بينه وبين المركز، وهو يحتاج للتصعيد الكلامي، وإن لم يفته الاستدراك في التصريح نفسه قائلاً بإن الاستفتاء "قد يؤجل قليلاً".

مع الانفجار الأخير في أربيل، اهتز وضع كردستان بعنف، وإذا تكرّر، فإن كارثة ستكون قد حلت هناك، ما يتوقع أن يدفع الإستثمارات الأجنبية للتقلص السريع، مع ما يتبعه من توقف المشاريع وازدياد البطالة. علماً بأن بعض تلك المشاريع متوقف منذ اقتراب "داعش" من أربيل قبل بضعة أشهر. وإذا بحثنا عن عوامل الاختناق الآخذه بالتجمع في الأفق، فلابد أن نقرأ تصريح نجل رئيس الجمهورية السابق، ونائب رئيس حكومة كردستان قوباد طالباني، حين علّق على الاتفاق النفطي الأخير، قائلاً بإن مبلغ الـ500 مليون دولار، التي اتفق على دفعها لكردستان من قبل المركز، لن تكفي لتسديد رواتب الموظفين، وإن العجز سيُسدد من مبيعات النفط. وهذا مخالفة صريحة للاتفاق الذي وصفته نائبته في البرلمان بأنه "نكبة وطنية"، وأنه مخالف للدستور. الأمر الذي يوافقها عليه الكثيرون.

لم تعد أربيل ولا كردستان أمنة، والأغلب أن أفقها يزدحم بالأسباب والتقاطعات الحادة متعددة المصادر، ما أصبح يتجاوز مقومات وطاقة الإقليم الضعيف على الصمود. بينما قيادته تواصل الإصرار على اقحامه وسط أتون متلاطم من التحديات الخطرة والمدمرة، وكلها مرشحة للارتداد عليه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها