الخميس 2015/03/26

آخر تحديث: 12:36 (بيروت)

عاصفة الحزم.."خنادق متشابكة" في اليمن

الخميس 2015/03/26
عاصفة الحزم.."خنادق متشابكة" في اليمن
يحتاج تحالف الحوثي-صالح إلى "الإخوان"، كي لا يعلقوا مع راعيهم الإقليمي في شباك حرب أهلية-مذهبيّة مسدودة الأفق (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تثبت العملية العسكرية "عاصفة الحزم" التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد جماعة الحوثي، مدى التشابك في المعادلة اليمنية. حتى الآن، ما لم يحصل تغيير دراماتيكي في الموقف الأميركي الاستراتيجي في الخليج، تبدو إيران عالقة في شباك يمنيّة تصنعها "الخنادق المتشابكة" في اليمن. واستطراداً، بات على دول الجزيرة العربيّة أن تتخذ قرارات حاسمة وصعبة بشأن اليمن، وليس المقصود بالقول هو تدخّلها عسكريّاً، الجاري حالياً بعملية "عاصفة الحزم"، بل اتّخاذ مقاربة استراتيجيّة مناسبة. والأرجح أن "الإخوان المسلمين" يمثلون أحد أبرز التقاطعات في شبكة الخنادق اليمنيّة.


البداية من عدن

على رغم توالي انتصارات تحالف الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أن معادلة القوى في اليمن أشد تعقيداً مما يبدو على السطح.

لنبدأ من عدن. إذ يتحصّن فيها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، المعترف بشرعيته دوليّاً وخليجيّاً، لكن ما هي علاقته بالجغرافيا السياسيّة للمحميّة البريطانيّة السابقة، والعاصمة لـ"جمهورية اليمن الاشتراكية الشعبيّة" في زمن الحرب الباردة؟

أولاً، ينتمي هادي إلى محافظة إبين التي جاء منها الرئيس السابق علي ناصر محمد. وشهدت عدن سقوط التحالف القبائلي المضمر الذي قاده علي ناصر، عبر حرب أهلية دامية في العام 1986. عقب تلك الحرب التي انتصر فيها تحالف قبائلي شبه معلن بين لحج ويافع والضالع وشماليي الجنوب و... حضرموت. وعلى الرغم من الحضور الكثيف لحضرموت في سلطة علي ناصر، عبر المتموّل المالي ورئيس الوزراء حينها أبو بكر العطّاس، تبقى حضرموت دوماً "وادي السر" في المعادلة اليمنيّة الشائكة، لأسباب تحتاج مقالات كثيرة أخرى.

عقب الاقتتال الأهلي في 1986، فرّت مجموعة من قيادات الحزب الاشتراكي اليمني إلى الشمال، ضمنها عبد ربه منصور هادي الذي عمد إلى تأليف "ألوية الوحدة اليمنيّة" التي شاركت في "حرب الوحدة" في العام 1994. انتصر الشمال بقيادة علي صالح، مع وجود رغبة قوية حينها (تلاشت لاحقاً) للوحدة في الجنوب.

ودخل هادي عدن على دبابات الشمال، وهو أمر يذكر به دوماً أنصار استقلال الجنوب، مع ملاحظة أن الحزب السابق لهادي يمثّل مُكوّناً أساسيّاً (لكن موقفه شديد الالتباس من الحوثيّين) في "الحراك الجنوبي" الداعي لانفصال الجنوب. يصح التذكير أيضاً بأن هادي احتلّ مناصب عدّة في الجيش الجنوبي، خصوصاً أنه تخصص بسلاح الدبابات في مصر والاتحاد السوفياتي، بالترافق مع الصعود التدريجي لوزن محافظة إبين في التحالفات المتصارعة في اليمن الجنوبي.


اللااستقرار القبائلي

من المهم التذكير بأن الجنوب شهد صراعات دامية منذ استقلاله في ستينات القرن الماضي، بل أن كل تغيير للسلطة فيه لم يحدث إلا بالقوة العارية، على غرار إقصاء تحالف قبائلي مضمر للرئيس سالم ربيع علي (اشتهر بإسم سالمين)، ليحل بدله عبد الفتاح إسماعيل (وهو شمالي)، ثم انقلاب بعض أطراف ذلك التحالف على إسماعيل، ليأتي بعلي ناصر فتقود إبين السلطة، قبل أن ينقلب الأمر بإتجاه الإطاحة بالأخير في حرب الـ1986 الوحشيّة.

لا تعبّر تلك التقلّبات عن جنوب مستقر، على رغم شبه انسجامه مذهبيّاً في إطار المذهبين السنيين الشافعي والمالكي، كما توضح الدور المذهل للقبائليّة في المعادلة اليمنيّة.

ومع استمرار "الحزب الاشتراكي اليمني" في الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة مع تحالف الحوثيّين- صالح، يزداد التشابك في المعادلة الجنوبيّة، خصوصاً أن قيادة الحزب منعقدة حاضراً لآخر رئيس يمني جنوبي: علي سالم البيض.

ولا يعين الانسجام الزيدي في الشمال، حيث غلبة زيديّة لكنها متداخلة مع ولاءات لقبائل سنيّة من حلفي باكيل وحاشد، في تماسك القوى المتّجهة إلى الجنوب. فمع إمساك تحالف الحوثي- صالح بباب المندب، بعد السيطرة على ميناء المخا وجزر حنيش وكمران ثم ميناء "البريم" وقاعد "العند" الجويّة، صار مقدار ما يتوجّب إدارته من نفوذ شديد الثقل من جهة، وفائق الإغراء في التوازنات الدقيقة للصراعات المحليّة، المتشابكة مع أبعادها الاقليمية والدولية.

إذ يبدو التحالف مع إيران واضحاً بالنسبة للحوثي، وهو تحالف بالسلاح المال والنفوذ، لا يمتد إلى المذهب، بمعنى أن أنصار الزيديّة بقوا على مذهبهم العشري الشيعي، ولم يتبنّوا مذهب إيران الإثني عشري.

هل التحالف مع إيران هو خيار الرئيس السابق علي عبد الله صالح أيضاً؟ لا تبدو الإجابة واضحة. لم تؤيّد إيران كثيراً انتفاضة "ثورة 11 فبراير" 2011، لكن صالح يملك تاريخاً يربو على ثلاثة عقود من التحالف الوثيق مع السعودية ودول الخليج. وعندما أصيب بانفجار في مسجد الرئاسة، عولج في السعودية. وقَبِل صالح المبادرة الخليجيّة التي قضت بإقصائه عن السلطة لمصلحة نائبه عبد ربه منصور هادي، في 25 شباط 2012.


عقدة "الإخوان" الخفيّة

تصل تلك المبادرة تحديداً إلى العنصر "الخفي" في المعادلة اليمنيّة، المتمثّل بـ"الإخوان المسلمين". إذ جاء إقصاء صالح والتصويت على هادي رئيساً، عقب انتفاضة شارك "الإخوان" في قيادتها (تحديداً، حزب "التجمع اليمني للإصلاح")، وكذلك وافق "الإخوان"، مع أحزاب مُعارضِة لعلي صالح انضوت ضمن "اللقاء المشترك"، على المبادرة الخلجيّة التي يفترض أن الأمم المتحدة ما زالت ترعاها في اليمن، والتي جاءت بهادي رئيساً.

هناك تشابك حول "الإخوان". من ناحية، هناك الصدام الكبير بينهم وبين السعودية، بعد عقود من الرعاية والاحتضان. هناك علاقتهم الوثيقة مع قطر، ما يجعل الموقف الخليجي "متشابكاً" حيالهم، بل حيال اليمن. ولم يعرف عن "إخوان" اليمن حسن العلاقة مع إيران، لا عكس ذلك أيضاً! يحول الموقف السعودي المؤيّد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دون تحالف واسع مع "الإخوان"، لكن لا يلغيه أيضاً. وهناك أيضاً تقاطع غير مباشر بين "الاخوان" والسعودية في سوريا مثلاً.

في المقابل، يحتاج تحالف الحوثي-صالح إلى "الإخوان"، كي لا يعلقوا مع راعيهم الإقليمي في شباك حرب أهلية-مذهبيّة مسدودة الأفق في اليمن. ولأن اليمن يمثّل مقتلاً في الأمن الخليجي (والعربي)، ربما يكون خيار الحرب الأهلية، بما فيه انفصال الجنوب أو حتى دولة حضرموت، خياراً في مواجهة النفوذ الإيراني الذي يصعب تماماً على السعودية ودول الخليج، استساغته في اليمن.

وتحتاج تلك الحرب إلى "الإخوان" أيضاً. ويبدو "الإخوان" مرغوبين بصورة ما على جانبي الصراع، لكن الجانبين لم يحسما الأمر مع "الإخوان"... ليس بعد.

في الخلفية الاستراتيجية الدوليّة، يظهر الموقف الأميركي متشابكاً أيضاً. تخطئ إيران كثيراً في الحساب إذا ظنّت أن معادلة الاتفاق النووي بالإضافة إلى الحرب على "القاعدة" و"داعش" في اليمن، تعني تفويضاً أميركيّاً للنفوذ الإقليمي الإيراني في الجزيرة العربيّة. حيث تثبت عمليات "عاصفة الحزم" مدى الرفض الخليجي لتمدد النفوذ الإيراني. كذلك يجدر تذكّر أن تلك المنطقة هي "الظهر الاستراتيجي" للمقاربة الأميركيّة لصعود قوة الصين وسياسة "التوازن" في آسيا- المحيط الهادي. يضاف إلى تلك المعادلة عناصر معروفة، مثل مضيقي هرمز وباب المندب وأهميتهما الحاسمة في إمدادات النفط، وخريطة النفوذ الأميركي في الخليح والعراق، الوضع الزئبقي في الصومال، تطوّر وضع القاعدة وداعش في ليبيا وغيرها.

الأرجح أن تميل أميركا إلى وضع قيود على النفوذ الإقليمي لإيران، حتى لو أبرمت ما هو أوسع من مجرد اتفاق نووي معها. ومع تذكر الموقف في العراق وتركيا، فالأرجح أن "الأخوان المسلمين" ما زالوا في أفق التصرف الأميركي بمعناه الاستراتيجي الواسع. وربما ينقلب التصرّف إذا تصرفت أميركا انطلاقاً من رؤية فراغ استراتيجي- إقليمي في الخليج. وللحديث بقيّة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها