الأربعاء 2015/07/29

آخر تحديث: 15:50 (بيروت)

"العمال الكردستاني" والحكومة التركية: على نار الحرب

الأربعاء 2015/07/29
"العمال الكردستاني" والحكومة التركية: على نار الحرب
برزاني، ألقى باللائمة على "العمال الكردستاني"، واتهمه "بالغرور" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
لكل حرب، صغيرة كانت أم كبيرة، أسباب مباشرة وغير مباشرة. ولعل مقتل شرطيين تركيين في شقة سكنية وهما نائمين على يد حزب "العمال الكردستاني" كانت القطرة التي طفح بها الكيل، وأنهت، أو رفعت على الرف، ما اصطلح على تسميته في الأدبيات السياسية التركية "مرحلة الحل"، والمقصود به حل القضية الكردية في تركيا سياسياً.

بدأت طائرات "F 16" التركية بقصف مواقع حزب "العمال الكردستاني" شمالي العراق وداخل تركيا، ونفذت قوات الأمن التركية حملة مداهمات شملت 22 محافظة تركية، ضد "داعش" و"العمال الكردستاني" وجبهة وحزب "التحرر الشعبي الثوري"، وهي قابلة للتوسع والاستمرار. وعاد حزب "العمال الكردستاني" إلى العمليات العسكرية ضد أهداف عسكرية وحزبية تركية.

لا يُنكر الطرفان التركي والكردي، أن "مرحلة الحل" هي مصلحة للطرفين. وفي الحقيقة فقد حصد الطرفان كثيراً من ثمار هذه المرحلة، حتى قبل أن تصل إلى نتيجة نهائية. فقد أُعلن ما تسميه الأوساط التركية "وقف إطلاق نار" أو "هدنة" بينما تستخدم الأوساط القريبة من حزب "العمال الكردستاني" اصطلاحاً فيزيائياً للحالة هو "العطالة". وعلى الرغم من عدم وجود فرق جوهري بين الاصطلاحين، فهما بمعنى من المعاني يقران بمحافظة "العمال" على قوته.

ولكن العطالة أو الهدنة حققت استقراراً في المنطقة الكردية، وازدهاراً ملحوظاً، وجذبت كثيراً من الاستثمارات. ومثلما السلام "المؤقت" أثمر ازدهاراً اقتصادياً، أثمر أيضاً تراجعاً في حدة الخطاب السياسي. ولكن في السنة الأخيرة عادت الأمور إلى الانفجار؛ وعلى الرغم من أن أولى الأحداث لم تكن تلك التي حدثت في ديار بكر في تشرين الأول/اوكتوبر 2014، وراح ضحيتها حوالي خمسين شخصاً، فقد كانت تتم بين حين وحين بعض العمليات التي كان "العمال الكردستاني" ينكرها، ويعتبر أن الدولة التركية العميقة هي التي تقف وراءها. ولكن عملية مقتل الشرطيين تبناها الحزب، واعتبرها رداً طبيعياً على مواقف الحكومة التركية.

ومثلما أفرزت الانتخابات التركية الأخيرة وضعاً حرجاً لحزب "العدالة والتنمية"، منحت هذه الانتخابات قوة إضافية للحركة الكردية المتمثلة في حزب "الشعوب الديموقراطي". ولعل هذا ما جعله يتخذ موقفاً أكثر تشدداً على صعيد مشاركته في الحكومة، واتخاذ الجناح العسكري في "العمال الكردستاني" موقفاً متشدداً أيضاً حتى من نداء عبد الله أوجلان، بعقد مؤتمر يعلن فيه إلقاء السلاح.

التصعيد متبادل، وقد تحرك البعض من أجل محاولة حظر حزب "الشعوب الديموقراطي"، ولكن "العدالة والتنمية" عندما وصل إلى الحكم، وضع عوائق كبرى أمام حظر الأحزاب. والقانون يسمح بحظر الحزب عندما تثبت علاقته بالإرهاب، ومازال "العمال الكردستاني" مدرجاً على قوائم الإرهاب، ولكن من المستبعد أن تتخذ إجراءات فعلية على صعيد حظر "الشعوب الديموقراطي"، لأنه لو حُظر، سيعاد تأسيسه باسم آخر، وشخصيات جديدة، ولن تؤدي هذه الخطوة إلا إلى مزيد من التعقيد.

"قتل شرطيين" لا يجعل الحكومة التركية تقدم تنازلات بحسب وصف رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني. والملفت أن برزاني، ألقى باللائمة على "العمال الكردستاني"، واتهمه "بالغرور"، واحتفت الصحف التركية، المعارضة والموالية، بتصريح البرزاني، وإن استخدمت في ترجمة الكلمة "شطط" بدلاً من غرور.

من جهته، رأى الكاتب الصحفي، مستشار رئيس الحكومة التركية، إتيان محجوبيان، بأن حزب "العمال الكردستاني" قرأ الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة وإيران بشكل خاطئ، معتقداً أن الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن تتخلى عن حليفته تركيا. وقال محجوبيان إن الولايات المتحدة عندما ستضطر للخيار بين طرفين -الحليف الكردي الجديد وتركيا- لن تتردد باختيار تركيا. ولعل ما لم يقله محجوبيان هو الإشارة إلى تكثيف الاتصالات مؤخراً بين "العمال الكردستاني" وإيران، لأن برزاني اتخذ موقفاً معارضاً للحكومة المركزية في بغداد التي تُعتبر ممثلة لإيران. وبقدر ما هو برزاني ضد "داعش"، فهو يلقي باللائمة على حكومة بغداد بإعداد الأرضية المناسبة لظهور إرهاب التنظيم. وبالمقابل لم تقف إيران مكتوفة الأيدي، فقد أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، بأنه سيسمح بتدريس اللغة الكردية، وبهذا يقدم بادرة حسن نية لأول مرة في تاريخ إيران الحديث.

عند مقارنة تصريح برزاني، ورؤية محجوبيان نجد أنهما يصبان في المعنى نفسه. وأضاف محجوبيان في زاويته الأسبوعية في 28 تموز/يوليو، وصفاً للسياسة الكردية بأنها تمر في مرحلة البلوغ.

وإذا أردنا أن نقرأ اتهام البرزاني لحزب "العمال الكردستاني" بالغرور أو الشطط من زاوية أوسع، فيمكن أن ندرجها ضمن إطار التنافس الكردي-الكردي. ولا يخفي كثير من أنصار "العمال الكردستاني" وذراعه السورية "الاتحاد الديموقراطي"، امتعاضهم الشديد من البرزاني، ويبدو أنهم اعتقدوا بأن مرحلته قد انتهت، ويجب أن يملؤوا الفراغ الذي سيحدثه.

لقد مدّ برزاني يده من أجل الوساطة بين الطرفين التركي والكردي، ولعل هذا الدور مهم بالنسبة إلى برزاني أكثر من الجميع. نجاحه في هذه الوساطة يعيد له الزعامة المطلقة للحركة الكردية عموماً، وهنا سيبرز ما إن كانت سياسة النضج البرزانية أم السياسة التي أسماها محجوبيان "سياسة مرحلة البلوغ لحزب الشعوب الديمقراطي" ستحقق النجاح.

لقد اشتعلت الحرب مجدداً بين الحكومة التركية والأكراد، والحرب بين الطرفين على مدى عقود أثبتت أنها لن تؤدي إلى نتائج، فلا الدولة التركية قادرة على إلغاء مكون كردي كبير، ولا الأكراد استطاعوا أن يفرضوا شروطهم على الدولة التركية. هذا يفرض على الطرفين العودة إلى التفاوض، ولكن "العمال الكردستاني" يعتقد على ما يبدو أن نجاح التفاوض يقوي الوسيط أيضاً، أي البرزاني، فهل هناك وسيط آخر لم نره بعد؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها