الأربعاء 2014/07/30

آخر تحديث: 16:49 (بيروت)

معاذ الخطيب والحديث مع الجلّاد

الأربعاء 2014/07/30
معاذ الخطيب والحديث مع الجلّاد
عن شبه مبادرة رئيس الإئتلاف السابق وسياقها وسيئاتها
increase حجم الخط decrease
 

لا يُمكن قراءة ما قاله الشيخ معاذ الخطيب ليلة عيد الفطر، بشكل معزول عن الواقع الذي ينطلق منه. هي ليست المرّة الأولى التي يقول فيها أشياء لم يجرؤ على قولها أي معارض، خاصة أنه ليس معارضاً عادياً. فهو، مرّ على رئاسة الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة، أي أرفع موقع مواجه لنظام بشار الأسد.

 

كثيرون من المعارضين شنّوا حملات الانتقاد، وأبعد من الإنتقاد، على ما قاله الخطيب. وهو في الأساس، أعطاهم في كلامه، المجال الرحب لهذا النوع من الهجوم المضاد عليه. المشكلة تكمن بانسداد الأفق أمام المعارضة، بأشكالها المتعددة، الداعية إلى إسقاط النظام بكل الوسائل، تحت شعار لا حوار مع القاتل، أو التي هي على شاكلة الخطيب، أي تجنيب سوريا الأسوأ، والحوار من أجل إيجاد تسوية.

 

قد يكون الشيخ معاذ قد قرأ، وهو لا بد أنه فعل، هذا الإنسداد الحاصل في الأزمة السورية، ربطاً مع مُتغيرات كثيرة في المنطقة، منها "داعش" التي أعلنت خلافتها من العراق إلى سوريا، وليس آخرها حرب إسرائيل على غزة، مروراً بصراع مصالح إقليمية، ما بين المُعسكر الواحد (المعادي لإيران) وما بين هذا المعسكر وإيران بحد ذاتها. فهو بذلك، رمى حجراً في مياه راكدة. لكن هل يُمكن لما رماه أن يُحرك أو أن يُنتج الحلول؟

 

حاول الخطيب أن يتوجه إلى السوريين فقط. الخيار الثالث الذي تحدث عنه، اعتبره منفصلاً عن كُل الخارج. الخيار الثالث هذا، يُشكل جزءاً كبيراً من المُجتمع السوري. الرجل الدمشقي، أراد أن يُحفّز هذه الفئة، التي يعتبرها كبيرة وملّت من الدمار والحرب. من التجار إلى المدنيين إلى الناس العاديين، الذين ينقسمون بين لاجئ في أرضه أو خارجها، أو حتى لا يزال حيث هو يحاول الصمود، لكن الحرب أنهكته ويريد الخلاص، أي خلاص.

 

تسجيل الإعتراض على ما قاله الخطيب، لا يمكن بالطريقة التي قام بها المعارضون بغالبيتهم. هو لعب على واقع موجود ولا يُمكن تخطيه. فلا أحد يقدر على كل هذا العذاب، مهما كان الحقد على النظام الذي ثار عليه. ليس كُل السوريين في مرتبة واحدة، ولا كلهم يتعرضون للمعاناة نفسها، ولا هم مُتفقون على قراءة موحدة لما يجري، ولا جميعهم لهم القدرة على أن يبقوا خارج أماكنهم وحياتهم وعائلاتهم وما كان مُستقبلهم.

 

على هذه التناقضات، حاول الخطيب أن يلعب، لكنه سقط في أماكن كثيرة. فهو، برهانه على خيار ثالث، قد يكون موجوداً، اعتبر أن هذا الخيار يستطيع أن يحكم سوريا وينقلها من الذي تعانيه إلى مكان أفضل. أسقط الشيخ معاذ من حساباته أن الأزمة في بلاده أبعد من قرار سوري داخلي، للمعارضة أو النظام. هذا بالضبط ما اعتقده الثوار أوّل انتفاضتهم، حين قالوا إن النظام سيسقط بعد أشهر، متناسين أن هذا النظام بالذات، له ارتباطات إقليمية ومنظومة متكاملة لا يُمكن فكه عنها بهذه السهولة.

 

وهذا الخيار الثالث، الذي يتحدث عنه وباسمه الخطيب، لا يريد أن يتصدره سياسياً، أو أن يحوله إلى جبهة سياسية قادرة على أن تكون طرفاً يُغري المُجتمع الدولي بالبديل المناسب. بالتالي، يكون كمن يتحدث عن شيء غير موجود، حتى لو افترضنا أنه يُشكل غالبية من السوريين. وأيضاً، كمن يتوجه إلى العالم بما هو غير محسوس، ولن ينال من رد فعل سوى بعض ثناء، كون العالم لا يريد أن يتدخل في سوريا، هذا إذا كان فعلاً يريد حلّ الأزمة في سوريا الآن، وهو ما لم يتنبه له الخطيب.

 

عدم التنبه هذا، معطوفاً على حملة مُنظمة وعنيفة على الدول العربية ـ الخليجية بالتحديد ـ تُسقط من حسابها دور الصراع الإقليمي في الأزمة السورية، وهو ما لا يُمكن لرجل سياسي أن يفعله، حتى لو لم يكن يطرح مبادرة إنقاذية، مع العلم أنه يعيد ما كان قد قاله في وقت سابق، وما حاول الترويج له أيضاً.

 

أمّا موازاته بين المعارضة المرتهنة كما سمّاها، والنظام. فهي أتت في سياق مؤذٍ للمعارضة بشكل كبير، بغض النظر عن عُقم قيادتها والمصالح المتضاربة لمن يُشكل جزءها الأساس، من دون أن تحمل الأذى بحده الأدنى، لنظام يُمعن بالقتل، ويرتبط بسياق مصالح إقليمية أقوى بكثير، وأذكى بكثير من تلك التي تحاول المعارضة اللعب في ساحتها أو التي تحاول الدول أن تُلبسها لهذه المعارضة بحثاً عن مكاسب. هذه المعارضة التي لم تمتلك، ما يُمكن المراهنة عليه فعلياً من أجل حسم معركتها.

 

يتناسى الرئيس السابق للإئتلاف أن النظام أتقن تحويل الصراع إلى مذهبي. القليل من الواقعية، كانت لتحوّل كلامه إلى مُنطلق بحث عن مخرج، لا إلى طرح مُبهم مع نظام لن يترك سوريا قبل أن يُدمرها.

إلى الشيخ مُعاذ: هذا الجلد، لن يُثني الجلّاد.


increase حجم الخط decrease