الإثنين 2015/03/30

آخر تحديث: 20:58 (بيروت)

مثيرو المتاعب في درعا.. تحدي الثوار في الجنوب

الإثنين 2015/03/30
مثيرو المتاعب في درعا.. تحدي الثوار في الجنوب
أعلنت فصائل الجبهة الجنوبية، فور سيطرتها على المدينة، تأمين قلعة بصرى التاريخية والمدرج الشهير (المدن)
increase حجم الخط decrease

أمام الجيش الحر في درعا، بعد سيطرته على مدينة بصرى الشام، الواقعة في الريف الشرقي، المتاخم لريف محافظة السويداء الجنوبي الغربي، تحدٍ جديد، قد يكون الأصعب في هذه المرحلة، نظراً لحساسية ديموغرافيا المنطقة التي جرت فيها المعركة، إذ يقطن بصرى الشام قرابة 5000 شخص ينتمون إلى الطائفة الشيعية، حصروا تواجدهم مع بداية العمل العسكري المعارض في سوريا، في الحي الغربي من المدينة، وحصلوا على أسلحة وتحصينات كبيرة من قبل النظام، وعلى الحد الشرقي للمدينة تنتشر قرى السويداء. كما أن المدينة تحتوي على آثار لحضارات عديدة، بالإضافة إلى آثار مسيحية وإسلامية فريدة، دفعت منظمة "اليونسكو" إلى إدراجها على لائحة التراث العالمي.

أمام هذا التحدي، أعلنت فصائل الجبهة الجنوبية، فور سيطرتها على المدينة، تأمين الآثار الموجودة فيها، لاسيما قلعة بصرى والمدرج الشهير، ووثّقت ذلك بمقاطع مصوّرة تظهر الآثار سليمة. كما أنها لم تتعرض للمدنيين الذين غادروا الحي الغربي، وأفسحت لهم الطريق باتجاه السويداء، فاستقبلهم أهالي القرى الدرزية المتاخمة لبصرى، وقام النظام لاحقاً بتجميعهم في مكان واحد ونقلهم إلى "معسكر الطلائع".


أواخر العام الماضي، أصدرت فصائل الجبهة الجنوبية تعهداً "بحماية جميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن الانتماء الديني أو الثقافي أو العرقي أو السياسي، وفق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان". قد يبدو هذا الكلام الذي صدر عن الجبهة في بيان حمل الرقم اثنين، غير قابل للتطبيق مع هذا التمزق الحاصل في النسيج الاجتماعي السوري، لكن جاءت معركة بصرى لتثبت أن الجبهة قادرة على الالتزام بما تعهدت به فعلاً، لكن وجود بعض الجماعات التي تعمل وفق رؤية، أو مرجعية مغايرة للجبهة الجنوبية، قد يعكّر هذا الانتصار الأخلاقي النادر على الصورة المهشّمة لبندقية الثورة في مناطق أخرى.


لحسن حظ منطقة حوران، أن الفصائل المنضوية تحت جناح الجبهة الجنوبية نجحت في تحجيم المتشددين في درعا، ولم تترك لهم فرصة أن يصبحوا قوة ضاربة هناك، وذلك ليس بفعل القوة وإنما بسبب طبيعة أهل المنطقة، التي يشكّل المتشددون بالنسبة لها أصواتاً شاذّة لم تعرفها من قبل، لكن مع ذلك هم يثيرون المتاعب باستمرار.


عقب انتهاء معركة بصرى الشام، شذّت "حركة المثنى الإسلامية" عن الاتفاقات والتعهدات التي حُددت قبل المعركة، فراحت تطالب ببيوت ومواقع لها في المدينة، وتفجير حسينية للشيعة والتقدم نحو السويداء ورفض تعيين إدارة مدنية لتسيير أمور السكان والمرافق العامة في المدينة، لكن وقوف قائد فرقة شباب السنة، أبو حمزة، في وجههم منعهم من تحقيق ذلك؛ وأمام حالة الرفض الواسعة لسلوك الحركة وتمنّع معظم الفصائل، التي ارتضت قيادة فرقة "شباب السنة" للمعركة، الوقوف مع "المثنى" في هوَجِها ونَزقِها، حاولت الحركة أن تصعّد، فاستقدمت رتلاً عسكرياً بعتاد ضخم، عبَرَ من بلدة غصم وتم إيقافه على مشارف بلدة معربة، شمال غربي بصرى الشام قبل وصوله إليها. لكن سبق ذلك أن انحدرت المواجهة إلى درجة محاولة أمير قاطع عسكري للحركة، يدعى أبو جعفر إنخل، قتل أبو حمزة، فأصابه في قدمه قبل أن يتمكن الأخير من قتله، وأعقبت ذلك حوادث خطف واعتداء على مقاتلي "شباب السنة"، بالإضافة إلى قيام الحركة بمداهمة مستشفى بلدة معربة الميداني بحجّة البحث عن جريح، ما دفع عدداً من الأطباء والممرضين إلى وقفة تضامنية للتنديد بالاعتداء الذي قامت به الحركة.


هذه الخضّة التي افتعلتها حركة "المثنى" ستفصل فيها محكمة "دار العدل في حوران". لكن أمام هذه الحال، ربما أصبح الوضع في درعا ملحاً أكثر من أي وقت مضى من أجل إيجاد حلّ نهائي لهذه الفرق، التي ترفض اتهامات التشدد الموجهة إليها بحجّة أنها لا تعمل مع "داعش" لكنها في الوقت نفسه تعمل بمبدأ الإمارة! وتسمي المعارك غزوات! والأمثلة على المتشابهين في هذا النهج كثيرة، وهم يتكشّفون يوماً بعد يوم، وقد يكون المثال الأقرب الآن هو "لواء شهداء اليرموك" الذي بايع قائده، أبوعلي البريدي، تنظيم "الدولة الإسلامية".


هذا الخطر الذي يسير مع النظام خطوة بخطوة وتربطه معه علاقة نفعية، هو تهديد كبير ستواجهه درعا بالدرجة الأولى قبل المناطق القلقة في الجوار مثل السويداء، أو الأردن أيضاً، إذ يمكن لهذه القوى إذا استمرت في نهجها أن تذهب بكل الجهد المضني الذي حققه ثوار الجبهة الجنوبية، الموصفون بأنهم الأمل الأخير في سوريا، إلى المجهول. ولذلك ستكون مرحلة ما بعد السيطرة على بصرى الشام اختباراً قاسياً للثوار في درعا لمنع أي مغامرة باتجاه السويداء، التي لم تكن سنداً للنظام في معركته هذه، لاسيما مع تصاعد أحاديث المتشددين مؤخراً حول هذا الأمر، وهؤلاء لهم اليد الطولى في هتك العلاقة بين السهل والجبل، من خلال عمليات خطف وقتل واعتداء على مدنيين، مستندين على منطق يهدم ماضٍ وحاضر منطقة يعرف قاطنوها جيداً أنهم عُزوة بعضهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها