الأربعاء 2014/08/20

آخر تحديث: 15:26 (بيروت)

بيئات موالية للنظام.. تتململ

الأربعاء 2014/08/20
بيئات موالية للنظام.. تتململ
مقاتلو النظام على الجبهات الساخنة فمعنوياتهم منهارة تماماً، ويريدون الخلاص بأي ثمن (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
اعتصم بعضٌ أهالي مخطوفي مدينة "عدرا العمالية"، وأهالي جنود النظام المخطوفين في الغوطة الشرقية، في ساحة الأمويين الأسبوع الماضي؛ لحثّ الحكومة السورية على التفاوض من أجلهم. وكانت الجبهة الإسلامية في الغوطة الشرقية، قد أعلنت الاستعداد للتفاوض والإفراج عن المخطوفين، مقابل خروج معتقلين لدى النظام.

صفحات موالية للنظام على مواقع التواصل الإجتماعي، نشرت الدعوة للاعتصام، لكن السلطات السورية احتوت المشهد، فسمحت بالتجمع، وأوفدت وسائل إعلامها، ولكنها لم تغطي أخبار الاعتصام على محطاتها. واكتفت الأجهزة الأمنية بمراقبة الوضع، دون استفزاز المعتصمين، حيث تشهد البيئات الموالية تململاً واضحاً ضد النظام وقياداته، نتيجة استهتارهم بأرواح الجنود. يأتي ذلك بخاصة بعد مقتل المئات منهم في الفترة الأخيرة في حقل الشاعر وفي الفرقة 17 وغيرها.

إعلام النظام ظل مثابراً على تقديم محلليه "الاستراتيجيين"، الذين يتحدثون عن انتصارات النظام على المؤامرة، وينكرون ما يخسره من مواقع عسكرية وأراضٍ وجنود. وتتابع وسائل الإعلام الرسمي أخبارها العاجلة، عن حالة الهلع بين الإسرائيليين بسبب صواريخ المقاومة الفلسطينية، متناسين حالة الهلع بين أهالي مقاتلي قوات النظام، بسبب فقدان أبنائهم في معارك "غير مجدية"، حسب ما تقوله بعض صفحات مواقع التواصل الإجتماعي المؤيدة. بل أن صفحات موالية رفعت سقف انتقاداتها، وتناولت مواضيع محرمة ككرسي الرئاسة، وفساد ابن خال الرئيس رامي مخلوف، وجشعه في استثماراته. صفحة "شبكة أخبار حمص" الموالية على موقع "فايسبوك"، تفرغت منذ مدة للتنديد بفساد النظام وتخليه عن جنوده، لتقوم السلطات الأمنية لاحقاً باعتقال أحد المسؤولين عنها.

يقول شاب من مؤيدي النظام في حمص: "إن الإعلام السوري كذب علينا طوال سنوات الأزمة، لم نعد نصدقه. نذكر يوم ضربت طائرة الميغ بالخطأ حي الأرمن، كيف أخرج الإعلام المتضررين على شاشاته، وأجبرهم على القول إن الإرهابيين من حي ديربعلبة هم من ألقى عليهم القذائف". وتقول أم خُطف ابنها: "الإعلام السوري لم يعرض المقابلة التي أجريت معي أثناء الانتخابات الرئاسية، لأني طلبت من الرئيس إعادة ولدي المخطوف، واكتفوا بعرض مقابلات مع من يمجّدون الرئيس وحسب".

الأهالي توقفوا عن ارسال أبنائهم إلى الخدمة الإلزامية، يشمل ذلك أكثر المتهمين منهم بالولاء للنظام، أي العلويين وبقية الأقليات الدينية. وبات الأمر يُتداول علناً في تلك البيئات، بل بات الذهاب إلى الخدمة أمراً غير مستحسن. البعض يؤخر "التبليغ الرسمي" للخدمة العسكرية، عبر دفع الرشاوى إلى شعب التجنيد الإلزامي. والبعض يتطوع في قوات "الدفاع الوطني" هرباً من التجنيد الإجباري، مقابل التنازل عن مستحقاته المالية لقيادات تلك الميليشيات. وآخرون لا يمانعون من الوقوف على حواجز الدفاع الوطني المنصوبة في أحيائهم، لكنهم يتضايقون من سوء معاملة زملائهم القدامى لبقية السكان، وكثيراً ما يتم إرسالهم إلى الجبهات الساخنة. قلة قليلة من المطلوبين للخدمة الإلزامية أو خدمة الاحتياط قادرة على السفر خارج البلاد، فمعظم تلك البيئات فقيرة ولا تتحمل عبء مصاريف الإقامة في الخارج، ولا تملك جوازات سفر أصلاً؛ فالحاجة إلى السفر لم تكن في حسبانهم من قبل.

أما مقاتلو النظام على الجبهات الساخنة فمعنوياتهم منهارة تماماً، ويريدون الخلاص بأي ثمن. وهم عاجزون كلياً عن الانشقاق، مع تصاعد الخطاب الأصولي والمد الإسلامي والتكفيري بين صفوف الكتائب المقاتلة، وجلهم لا يملكون الحيلة لفعل شيء.

ضابط كبير في جيش النظام السوري منع شقيقه الأصغر، الذي لا يملك عملاً، من التطوع في الدفاع الوطني. أما أحمد ذو العشرين عاماً، الذي ترك دراسته منذ عامين وتطوع في الأمن العسكري في دمشق، وينصح أقرانه الآن بمتابعة دراستهم وعدم التطوع في السلك العسكري، لأنهم "سيرون الموت يومياً".

إحدى الروايات التي هزت الأحياء الموالية في حمص، تحدثت عن تصفية مجند يدعى طارق قلّيح في سجون النظام منذ أشهر، بعد أن سلّم نفسه للسلطات الأمنية، مصدّقاً الدعاية الرسمية حول العفو عن الفارين من الخدمة العسكرية. وكان طارق قد امتنع عن الالتحاق بقطعته العسكرية بعد مقتل شقيقه شرق البلاد.

ما يزيد الطين بلة لدى مؤيدي النظام، غير المستفيدين من الفساد والسرقات، هو سلوك "الشبيحة" في قراهم وأحيائهم، حيث بات هؤلاء يملكون الملايين بعد أن كانوا مُعدمين تماماً، بفعل سرقة ونهب المناطق التي يحتلها النظام. وقد بلغ فساد الشبيحة أشدّه في حمص، حيث تنتشر دور الدعارة التي تخصهم، ويتسلطون على حياة الناس، ويقومون باختطاف المدنيين لطلب الفدية أو للاتجار بالأعضاء. المدنيون غير المنتفعين مما يحصل في تلك البيئات، صاروا سلبيين يلتزمون الحياد، ويحمّلون النظام مسؤولية انفلات الشبيحة، في الوقت الذي يقتل فيه أبناؤهم في الجيش دون أن يكترث أحد لذلك. يقول شاب من قرية المخرم، ذات الغالبية العلوية شرق حمص، إن رجال الدفاع الوطني في القرية، وفي حمص كذلك، باتوا يملكون ثروات ومنازل في طرطوس وقرى الساحل، وهم "مستعدون للتخلي عن القرية والانسحاب، إذا ما هاجمتها داعش المرابطة في مناطق قريبة".

النظام بات يعتمد كلياً على مقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية الطائفية؛ فالكتلة الموالية له، ومنها العلويون، تتفكك، وتتخلى عنه. وما يزال خطاب المعارضة الممثلة بالائتلاف وحكومته المؤقتة خشبياً، كما كان منذ تشكلها. فهم يرون جنودَ النظام الذين لم ينشقوا بعد جزءاً منه، وليسوا ملزمين بالخدمة أو لا يمكن التملص منها. مؤسسات المعارضة لا تندد أيضاً كما يجب بالخطاب الأصولي والطائفي لجبهة النصرة والجبهة الإسلامية، بل أن بعض قيادات المعارضة تتبنى ذلك الخطاب، بدلاً من الخطاب الوطني الذي سيجذب المؤيدين للنظام. الأمر الذي لو تم سيسهل تفكيك النظام من الداخل، دون الحاجة لانتحاريي النصرة، وطائفيي الجبهة الإسلامية، ودون الحاجة إلى طلب تسليح المعارضة المعتدلة؛
increase حجم الخط decrease