الأحد 2019/08/04

آخر تحديث: 13:05 (بيروت)

ماذا وراء " تحقيق الفساد" في الأونروا؟

الأحد 2019/08/04
ماذا وراء " تحقيق الفساد" في الأونروا؟
Getty ©
increase حجم الخط decrease

تتصاعد تداعيات تقرير مكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة، الذي يشير بحسب وكالة "فرانس برس" إلى أعمال يندرج فيها "سلوك جنسي غير لائق ومحاباة وتمييز وغيرها من ممارسات استغلال السلطة"، تطال كبار المسؤولين في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وصولاً إلى المفوض العام للوكالة بيير كرينبول.

نتائج التقرير لاقت ردود فعل سريعة في أوروبا، إذ سارعت سويسرا وهولندا لوقف تمويل "الأونروا". وكأنّ توقيف الدعم من هاتين الدوليتن، كان أحد الأهداف من الكشف عن الفساد المذكور؛ خاصة في ظل الحديث عن محاولات أميركية وإسرائيلية لإنهاء الوكالة، توطئة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين نهائياً. فالوكالة الدولية تعاني أصلاً من أزمة مالية خانقة منذ أن قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف دعم واشنطن لها، الأمر الذي يعني أن تقرير الفساد يضع الوكالة على المحك.

تحقيقات في الأونروا
الواقع أن تصريحات المتحدثين بإسم الوكالة والتي أشاروا فيها إلى أن التحقيق لم ينتهِ بعد، وأن الوكالة بصدد التعامل مع نتائجه عندما تخرج، توحي أن جهات ما استبقت الموقف، كما أن الحديث الصريح للناطقين بإسم الوكالة عن ضغوط خارجية تمارس على "الأونروا"، بموازاة محاولات للتشكيك بدورها، هو عبارة عن إقرار من قلب الوكالة بأن فتح ملف الفساد يأتي في سياق إنهاء الوكالة وتصفيتها.

الحقيقة، أن الإعلان عن هذا الفساد يثير ثلاثة أسئلة رئيسية: لماذا تم الكشف عن ذلك الآن قبل شهر من تجديد ولاية الأونروا لثلاث سنوات أخرى؟ ولماذا الأونروا تحديداً، وليس باقي الجهات  الأخرى التابعة للأمم المتحدة والتي ينخرها الفساد؟ ثم من يقف وراء هذا الكشف وإثارة الموضوع؟

ما نُشر.. تضخيم!
المستشار الإعلامي لوكالة "الاونروا" عدنان ابو حسنة قال لـ"المدن"، إن كل ما نشر في الإعلام من تفاصيل حول فساد مسؤولين بالأونروا مجرد "إدعاءات"، ولم يصدر أي نتائج للتحقيق الذي يجريه مكتب الخدمات التابع للأمم المتحدة.

ووصف ابو حسنة التفاصيل الواردة في الإعلام عن هذا الفساد بأنها عبارة عن تصخيم غير مسبوق، مبيناً أن هذه الإدعاءات تم رفضها بقوة من المفوض العام للوكالة.

أطرافٌ تستفيد من إثارة الأمر
واعتبر ابو حسنة أن هناك أطرافاً لم يسمها تحاول الإستفادة من الموضوع لتحقيق أهدافها،  مستدلاً على ذلك بصدور دعوات وتصريحات وتغريدات من مسؤولين تابعين لهذه الدولة أو تلك، لإنهاء "الأونروا". وأضاف أن مفوض "الأونروا" وعد بإتخاذ "اجراءات تصحيحية" في حال أسفر التحقيق عن شيء.

وبدا أبو حسنة واثقاً- رغم كل شيء- أنه سيتم التجديد الدوري للوكالة لثلاث سنوات أخرى- كما جرت عليه العادة عند انتهاء الفترة- خلال اجتماع أيلول/ سبتمبر؛ لأن هناك دعماً سياسياً كبيراً للمنظمة. فمنظمة الأمم المتحدة لا تستطيع الإستغناء عن "الأونروا" وإلا ستحصل فوضى في المنطقة تمس استقرارها. وفق أبو حسنة، ذلك أن "الأونروا" تتولى مسؤولية خمسة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى دول الشتات.

مفارقات "العلنية" بفساد أجسام أممية
بدوره، قال مصدر يعمل في مؤسسة دولية لـ"المدن"، إن هناك العديد من أعمال الفساد التي تحدث في أجسام بالأمم المتحدة وأيضاً دولية أخرى عاملة في الأراضي الفلسطيني ومناطق أخرى في هذا العالم، لكن يتم التحقيق بها وتُتخذ الإجراءات الملائمة بعيداً عن إثارتها في الإعلام. ولهذا يعتبر هذا المصدر أن إثارة الإدعاءات بفساد أخلاقي ومالي لدى مسؤولين في "الأونروا" بهذه الطريقة، يعني أنها مرتبطة بغايات سياسية.

ولم يستبعد هذا المصدر أن تكون أجهزة إسرائيلية رسمية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وراء إختلاق العديد من هذه الحكايات، أو أن تكون قد ورطت فعلاً مسؤولين بهذه الوكالة بإقترافها، إثر مقايضات وإسقاطات ما، لأهداف سياسية معروفة.

مؤشرات سابقة من سويسرا وهولندا  لتقزيم الوكالة
مدير مركز "بديل" لحقوق اللاجئين نضال العزة قال لـ"المدن"، إن هناك ورقة موقف يعمل المركز على جمع تواقيع من جهات محلية وعالمية، بشأن واقعة "الفساد" في "الأونروا"، موضحاً أن فحوى ورقة الموقف أنه "قد يكون هناك سوء إدارة أو فساد أو إشكاليات على مستوى طاقم الأونروا، وحتى لو أكدتها التحقيقات الداخلية الأممية في وقت لاحق، لكن لا يفُترض من سويسرا وهولندا إتخاذ خطوة استباقية بوقف المساعدات عن الأونروا، لأن هذا يعني معاقبة اللاجئين الفلسطينيين التي تقدم لهم الوكالة الخدمات".

وتابع العزة "يجب ألا يتم أخذ اللاجئين الفلسطنيين بجريرة أخطاء فردية وقعت في طاقم الأونروا.. ندعم لجنة التحقيق واتخاذ اجراءات اذا ما ثبت فساد او استغلال، لكن لا يفترض ان يصل الأمر إلى وقف دعم الوكالة من اي دولة كانت".

واعتبر العزة أن إثارة الموضوع بهذه الطريقة وهذا التوقيت ينسجم مع الحملة الأميركية-الإسرائيلية لإنهاء الوكالة، لدرجة أنه قد تكون المعلومات عن هذا الفساد أو استغلال المنصب قد جاءت بها أميركا وإسرائيل، وذلك بموجب تقرير أعدته أجهزة مختصة من الدولتين، لتحقيق هدفهما بنسف عمل الوكالة.

واستذكر العزة في هذا السياق أن وزير خارجية سويسرا وهي الدولة التي سارعت قبل يومين لوقف دعم الوكالة بحجة تقرير الفساد في عملها، قد أعلن في شهر مايو/أيار الماضي أثناء وجوده في الأردن، أن استمرار دعم الأونروا يعني إدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين، داعياً إلى إنهاء الوكالة.

وكشف العزة عن مواقف أوروبية خلال اجتماع اللجنة الإستشارية للأونروا (مشكلة من الدول المانحة) قبل فترة، بدت منسجمة تماماً مع الموقف الأميركي، عندما دعت إلى تقليص خدمات الوكالة المقيدة للاجئين الفلسطينيين، وتغيير بنيتها ونقل الصلاحيات تدريجيا للدول المضيفة للاجئين.

وأوضح العزة أن هولندا التي قطعت دعمها للأونروا قبل أيام بحجة "الفساد" كانت من الدول المتشددة في ذلك الإجتماع، عبر المطالبة بتقزيم دور الوكالة وتقليص خدماتها ونقل صلاحياتها للأردن وسوريا ولبنان، والسلطة الفلسطينية.

في المحصلة، يؤكد مدير مركز "بديل" أن هناك مؤشرات سياسية سابقة اصلاً لإثارة تحقيق الفساد، ما يعني أن خلفية مواقف الدول التي قطعت المساعدات عن "الأونروا" مؤخراً بحجة "اتهامات الفساد" هي سياسية وليست إدارية. وحتى لو كانت صحيحة، فإن على جميع هذه الدول الإنتظار. ولو ثبت الفساد، لا يُفترض قطع المساعدات عن الوكالة؛ لأنها لا تذهب لهذا الطاقم، وإنما للاجئين الفلسطينيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها