الأحد 2018/03/04

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

الغوطة الشرقية: استراتيجية روسيا والنظام العسكرية

الأحد 2018/03/04
الغوطة الشرقية: استراتيجية روسيا والنظام العسكرية
صواريخ محملة بغاز الكلور والنابالم الحارق والفوسفور على الأحياء السكنية (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أطلق النظام السوري والمليشيات المساندة له مدعوماً بالطيران الحربي الروسي، منذ منتصف شباط/فبراير، أوسع عملية عسكرية له في الغوطة الشرقية منذ اندلاع الثورة السورية، بغرض استعادة السيطرة عليها و"تأمين" العاصمة دمشق.

وتختلف هذه الحملة عن سابقاتها، بالتكتيكات والاستراتيجية، عبر ضرب الحاضنة الشعبية للمعارضة قبل البدء بالعمليات العسكرية، ونوعية الأسلحة المستخدمة، وطريقة توظيف هذه الأسلحة، ومحاور الاقتحام.

واستبقت قوات النظام معركتها البرية، باستهداف الأحياء السكنية والأسواق والبنى التحتية من مشافٍ ومراكز دفاع مدني وأفران ومدارس وشبكات اتصالات، عبر الطيران الحربي الروسي والمروحيات، وراجمات الصواريخ والغازات السامة والنابالم الحارق، ما أدى لخروج معظم هذه المنشآت عن الخدمة وتعطيل الحياة العامة، ونزول المدنيين إلى الأقبية وانشغال عناصر المعارضة بالبحث عن عائلاتهم وتأمينها. ولجأ إعلام النظام إلى الحرب النفسية من خلال الترويج لتطبيق سيناريو حلب في الغوطة الشرقية، ورمي منشورات تدعو المقاتلين لتسليم أنفسهم، وللأهالي للخروج من معبر مخيم الوافدين. ونجح إعلام النظام إلى حد ما في زعزعة البيت الداخلي للغوطة إلى أن انطلقت العملية البرية.

بدأت المليشيات متمثلة بـ"قوات النمر" التي يقودها العميد سهيل الحسن، هجومها البري، في 24 شباط، من محاور حزرما والزريقية وحوش الظواهرة والشيفونية، وحاولت الاستيلاء على حوش الصالحية، ما سيؤدي للسيطرة على النشابية وحزرما تلقائياً. وقامت "قوات النمر" باتباع تكتيكات جديدة لم تستخدمها المليشيات سابقاً على جبهات الغوطة، إذ مهّدت لهجومها بما يسمى بـ"الاستطلاع بالنيران"، ففتحت معارك اقتحام وهمية لاستطلاع مصادر نيران المعارضة ونقاط تمركزها لتحديد محاور الهجوم عليها. كما لجأت المليشيا إلى زج مجموعات صغيرة باتجاه الأنساق الأمامية، لاختبار دفاعات المعارضة. وبعدها دفعت المليشيا قواتها من أضعف خاصرة في مزارع الزريقية، بعد دراسة الجو، واستغلال حلول الضباب، ووصلت إلى بلدة حوش الصالحية وطوقت حزرما والنشابية. ثم تموضعت دبابة جسرية فوق القطع المائي لتفسح المجال لعبور الدبابات عليها.

قوات المعارضة كانت قد جهزت ثلاثة خطوط دفاعية، تراجعت عن الأول منها، بعد تسلل المليشيات، وشنّت هجوماً معاكساً تمكنت خلاله من استعادة السيطرة على نقاطها وقتل 70 عنصراً وأسر 12 وتدمير واغتنام دبابات. وكانت هذه نقطة تحول في معنويات الأهالي الذين أدركوا قدرة مقاتلي المعارضة على صد هجوم النظام البري.

غيّرت مليشيا "قوات النمر" محاور هجومها الرئيسية شرقي الغوطة، فركّزت على محور حوش الظواهرة باتجاه "كتيبة الباتشورا"، ومحور حوش نصري باتجاه "فوج الشيفونية"، وتركت محاور الزريقية وحزرما كمحاور إشغال فقط. وعلى جبهة حرستا، حاولت المليشيات من محور المشافي نحو "إدارة المركبات" لفصل حرستا عن الغوطة ما يمهد لفتح محور لاحق لعزل دوما عن الغوطة، في حال أحرزت تقدماً إلى "فوج الشيفونية". ذلك التقدم قد يُمكّنها من بدء الهجوم على منطقة العب باتجاه بيت سوا ومسرابا، ومنها إلى "إدارة المركبات".

ويهدف العمل على هذه المحاور لتقسيم الغوطة إلى قطاعات صغيرة، لتسقط تباعاً، مع تقدم المليشيات، وتلاقيها مع بعضها البعض كما حصل في أحياء حلب الشرقية نهاية العام 2016. وأحرزت المليشيات فعلياً بعض التقدم على محور المشافي في حرستا والشيفونية وحوش الظواهرة، الذي استعادت المعارضة نقاطها فيه لاحقاً.

وتركز "قوات النمر" في عملياتها على الاقتحام من الأراضي الزراعية بعيداً عن المدن، وتلجأ إلى تدمير كامل نقاط خطوط المعارضة الأمامية والإسنادية، ومسح الأبنية في مناطق سيطرتها، باستخدام القوة النارية المفرطة، من مختلف أنواع الأسلحة، وإجبار المعارضة على الانسحاب. لكن حسن استخدام المعارضة للهندسة العسكرية، واعتمادها على الخنادق والسواتر والأنفاق، وعدم تمترسها في الأبنية، هي أمور ساعدتها على الصمود في وجه الغزارة النارية.

قوات النظام أحدثت غرفة عمليات مستقلة لكل محور، وتنسق العمليات في ما بينها مع "القيادة العليا". وتستخدم كل "غرفة عمليات" طائرات استطلاع خاصة بها، لكسب الوقت، وتقدير الموقف، واتخاذ القرار بأقصى سرعة. وهذا ما يفسر تحليق طائرات استطلاع متعددة في آن واحد. وكل غرفة عملية تحدد أهدافها للطيران، بمعزل عن الغرف الأخرى.

لم تتمكن المليشيات من التقدم في المواجهة المباشرة، فلجأت إلى توظيف مختلف أنواع الأسلحة في عملياتها العسكرية، وعلى رأسها الطيران الحربي، إذ تُشارك 6 مطارات عسكرية في دعم الهجوم؛ ضمير والتيفور والسين وحميميم وخلخلة والشعيرات. وشارك الطيران المروحي لأول مرة منذ سنوات، في العمليات فوق الغوطة، بإلقاء البراميل المتفجرة بكثافة على الخطوط الدفاعية الأمامية والخلفية. ووصل عدد الطائرات المروحية التي تشارك معاً إلى 9، حددت مهامها باستهداف الأبنية والمزارع ومصادر النيران الثقيلة. وتستخدم المروحيات تقنية GPS  لتحديد مواقع الأهداف المعطاة لها مسبقاً بدقة كبيرة واستهدافها. كما شارك الطيران الحربي الروسي خاصة المقاتلة "SU-57" بقصف الأبنية المرتفعة وتسويتها بالأرض باستخدام الصواريخ الفراغية والإرتجاجية.

وأسندت للطائرات "SU-24" إلى جانب المقاتلات الروسية الأخرى، مهمة الغارات الجوية الليلة والغارات في الظروف الجوية السيئة، لضمان استمرار الإسناد الجوي للقوات التي تحاول التقدم على الأرض ومنع المعارضة من شن هجمات معاكسة. وتمت الاستفادة من ميزاتها بالتحليق لفترات زمنية طويلة قبل العودة إلى المطار. وكان للطيران "SU-22" مهام الغارات الجوية النهارية، إلى جانب الأنواع السابقة. 

وظّف النظام الطائرة الحربية التدريبية L-39 في العمليات العسكرية، وأسندت إليها مهمة التعامل مع الأهداف الآنية، واستهداف المحاور والطرقات وتحرك الآليات، والإنارة ليلاً، لسهولة حركتها وقدرتها على التسلق والمناورة واكتشاف الأهداف اللحظية كمرابض الهاون واستهدافها مباشرة، وسرعة عودتها للمطار والرجوع لساحة المعركة. وتوجه تلك الطائرات غرف العمليات، بالتنسيق مع الطيار بشكل مباشر أثناء الهجوم، وهذا لم يستخدم سابقاً في معارك الغوطة.

وتعتمد مليشيات النظام على القوة المفرطة للطيران، فتغير الطائرات المقاتلة على الهدف الواحد مرات متتالية. كما كان الطيران المروحي يلقي البراميل على الهدف ذاته، ويتبعه الطيران L-39 باستهداف المكان ذاته بالقنابل أو بالرشاشات. الطيران الروسي هو رأس حربة الهجوم الجوي، ويتم إخلاء الأجواء مباشرة والابتعاد عن منطقة العمل عند تدخله. كما تم استخدام الطيران للإغارة على خطوط الاشتباك، وهذا ما سبب استهداف مواقع للنظام، بالخطأ، مرات متعددة.

أطلق الطيران الحربي صواريخ محملة بغاز الكلور والنابالم الحارق والفوسفور على الأحياء السكنية، كما استخدم النابالم بكثافة على خطوط الإمداد والإخلاء لشل حركة المعارضة وعزلها عن الجبهات. واستخدمت المليشيات على جبهة المشافي في حرستا البلدوزرات بشكل كبير وواضح، كما استهدفت المنطقة بصواريخ أرض أرض وبالغارات الجوية وكاسحات الألغام، قبل أن تزج بالبلدوزرات لترفع السواتر الترابية العالية وتحفر الخنادق لاستيعاب هجمات ونيران المعارضة. التقدم باتباع هذا التكتيك بطيء جداً، لكنه أكثر ضماناً للثبات خلف هذه الخطوط الدفاعية الجديدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها