السبت 2018/03/03

آخر تحديث: 16:05 (بيروت)

مواقف"المهاجرين"من الاقتتال بين "تحرير الشام" و"تحرير سوريا"

السبت 2018/03/03
مواقف"المهاجرين"من الاقتتال بين "تحرير الشام" و"تحرير سوريا"
من إحدى التظاهرات التي خرجت ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب (المدن)
increase حجم الخط decrease

كان لدخول "الحزب الإسلامي التركستاني" المعركة إلى جانب "هيئة تحرير الشام"، في صراعها الأخير مع "جبهة تحرير سوريا" في الشمال السوري، دور واضح في إعادة التوازن للكفة بين الجانبين، في الوقت الذي تباينت فيه مواقف قادة وجماعات "المهاجرين" في سوريا من هذه المواجهة.

وبدا من الواضح أن انعكاسات عديدة ستخلفها المواجهات الأخيرة بين "هيئة تحرير الشام" من جهة، و"جبهة تحرير سوريا" و"لواء صقور الشام" من جهة ثانية، والتي اندلعت في 23 شباط/فبرير، في حلقة هي الأحدث من سلسلة معارك طويلة خاضتها "الهيئة" ضد قوى الثورة والمعارضة.


ومنذ البداية، كان واضحاً أن هذه المعركة ستلقي بظلالها على قضية المقاتلين غير السوريين في صفوف الجماعات الجهادية المحسوبة على المعارضة، وأنها ستثير بانعكاساتها موجة جدل جديدة، تتعلق بدور ومستقبل هؤلاء المقاتلين وجماعاتهم في الحرب السورية، بعد أن حضرت هذه القضية في كل  مرة هاجمت فيها الجماعات الجهادية فصائل الثورة والقوى الإسلامية المحلية.


وبعد انحسار تنظيم "الدولة الإسلامية"، أصبحت في مقدمة هذه الجماعات "هيئة تحرير الشام"، التي بقيت التنظيم الجهادي الأكبر في سوريا حالياً، وتعدّ المئات من المقاتلين القادمين من خارج الحدود، برغم خسارتها، العام الماضي، جزءاً كبيراً من المهاجرين الذين انشقوا عنها لأسباب عديدة، على رأسها الخلاف مع قيادة "تنظيم القاعدة".


بناء على ذلك، وكما هو متوقع أيضاً، فقد سعت "تحرير الشام"، منذ ما قبل اندلاع المعارك بينها وبين "تحرير سوريا"، إلى تخصيص جزء مهم من دعايتها المباشرة وغير المباشرة، لإظهار المخاطر المحتملة التي تتهدد المقاتلين المهاجرين في حال انتصار الفصائل الأخرى عليها، والتأكيد على اعتبارها الكيان الوحيد القادر على حمايتهم والتعبير عنهم، في سعي من الواضح أنه يستهدف، بالدرجة الأولى، استمالة القوى الجهادية الأخرى إلى جانبها في هذه المواجهة، وكذلك أيضاً استعادة من انشق عنها من المقاتلين غير السوريين، ومواجهة الدعوات المعاكسة التي اطلقها خصومها مبكراً كذلك، من أجل تحريض من تبقى من هؤلاء المقاتلين على الانشقاق عن "الهيئة"، أو تجنب الانخراط في هذه المواجهات.


وعليه، فقد اختلفت مواقف المهاجرين من هذه المعركة  بشكل عام، ومن "هيئة تحرير الشام" بشكل خاص، حيث يمكن ملاحظة ثلاثة مواقف أساسية انقسمت إليها جماعات وقيادات هذه الفئة، تندرج بينها، بطبيعة الحال، مواقف أقل وضوحاً أو أكثر تحفظاً، لكنها لا تخرج عن الإطار العام لهذه الاصطفافات الرئيسية.


الطرف الأول وهم خصوم "الهيئة"، ممن أكدوا اصطفافهم إلى جانب "جبهة تحرير سوريا" و"لواء صقور الشام" ضد "تحرير الشام"، لكن ليس في هذا الفريق أي جماعة أو تنظيم، بل اقتصر الأمر على مجموعة من الشخصيات الجهادية، من عسكريين وشرعيين متواجدين على الأراضي السورية منذ سنوات، وأغلبهم كان جزءاً من "جبهة النصرة" قبل الانشقاق عنها على فترات متباعدة.


أبرز رجالات هذا الفريق، الكويتي علي العرجاني، والسعودي ماجد الراشد، والمصري محمد شريف هزاع، بالإضافة للعديد من الوجوه الأخرى الأقل أهمية، والقادمة من التيار الجهادي أو المدارس السلفية الأخرى، ممن دأبوا منذ سنوات على انتقاد أبي محمد الجولاني وقيادة "هيئة تحرير الشام" بشدة، والتركيز على الانتهاكات التي يقولون إن "الهيئة" تمارسها بحق مخالفيها من المهاجرين، الذين تدعي حمايتهم، حيث أكدوا بقوة روايات الطرف الآخر حول مقتل شرعيين من جنسيات عربية على يد "تحرير الشام" خلال الأسبوع الماضي فقط، أحدهما مصري والآخر مغربي، معروفان بخصومتهما لـ"الهيئة".


الطرف الثاني هم المحايدون من المهاجرين، الذين أعلنوا عدم الدخول في هذه المشكلة إلى جانب أي من طرفي القتال، ومن بين هؤلاء قادة ومجموعات عسكرية، أبرزهم السعودي عبدالله المحيسني وتياره، والأردني سامي العريدي وتياره. ومن الجماعات التي أعلنت هذا الموقف رسمياً "كتيبة الإمام البخاري" القوقازية، بالإضافة الى عدد من المجموعات التي انشقت مؤخراً عن "هيئة تحرير الشام" ولم تعلن انضمامها لأي جهة بعد.


ولكل من هذه الجهات التي أعلنت الحياد في هذه المعركة دافع يختلف عن الآخر. فبالنسبة لـ"كتيبة الإمام البخاري" التي تضم من بقي من المقاتلين الشيشان والقوقاز والاوزباكيين مستقلين عن الجماعات والتنظيمات الجهادية الأخرى، فالموقف الحالي يمثل امتداداً مستمراً للموقف المستقل الذي حافظت عليه "الكتيبة" منذ عام 2014، وليس فيه ما هو مفاجئ.


أما بالنسبة للجماعات المنشقة حديثاً عن "هيئة تحرير الشام"، فهي جماعات عديدة ومختلفة في التوجهات أيضاً، كاختلاف الأسباب التي دفعتها للانشقاق، كما أنها متفاوتة من ناحية الحجم والقوة والعدد، إلا أن أهمها بالطبع هو التيار "القاعدي" الذي يقوده الأردني سامي العريدي وبقية الشخصيات التي عارضت انفصال "جبهة النصرة" عن تنظيم "القاعدة" عام 2016، ودخلت في صدامات إعلامية عنيفة مع "تحرير الشام"، إلى الحد الذي اعتقلت فيه "الهيئة" العريدي وبقية قادة هذا التيار، في تشرين الثاني نوفمبر 2017 لبضعة أيام، ما أثار موجة سخط عارمة داخل "الهيئة" نفسها، وفي الأوساط الجهادية بشكل عام، ودفع معظم المقاتلين من غير السوريين للانشقاق عن "تحرير الشام" بعد انشقاق جزء أخر قبل ذلك بسبب خلاف "الهيئة" مع تيار المحيسني؛ والمنشقون الأحدث أسسوا فصيلاً باسم "حرّاس الدين"، يعتقد أنه يمثل اليوم الفرع غير المعلن لتنظيم "القاعدة" في سوريا، وأهم هذه المجموعات "جند الملاحم" و"جيش البادية" و"جيش الساحل" وغيرها.


بالنسبة لهذا الطرف، وبرغم إظهاره الأسف رسمياً بسبب اندلاع المواجهات الأخيرة بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل الأخرى، ودعوته إلى الصلح بين الفصائل، إلا أن ما يعبّر عنه أفراد هذا الفريق، بل وحتى مرجعياته الداعمة داخل التيار السلفي الجهادي في حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتهم الأردني أبومحمد المقدسي وأتباعه، يكشف عن رغبة جامحة لديهم في إضعاف "هيئة تحرير الشام"، على الأقل إلى الحد الذي يجبرها على العودة إلى أحضانهم والتحالف معهم مجدداً.


بل إن هذا الفريق الذي لم يتوانَ جزء غير قليل من رموزه وأفراده عن التعبير عن التشفي بـ"هيئة تحرير الشام"، التي يرون "أنها تدفع ثمن التخلي عنهم لصالح من يحاربونها اليوم"، لا يخفي أيضاً خشيته من خروج "الهيئة" منتصرة من هذه المواجهة، الأمر الذي قد يمنحها دافعاً حاسماً للقضاء على خصومها والتخلص منهم بشكل نهائي، وهذا التخوف عبر عنه بوضوح أهم رموز هذا التيار، الأردني سامي العريدي في أحد منشوراتها على قناته في تطبيق "تيلغرام".


أما الفريق الثالث من "المهاجرين" الذين أعلنوا تأييدهم لـ"هيئة تحرير الشام" ووقوفهم إلى جانبها في المواجهة بينها وبين "جبهة تحرير سوريا" ومن يقاتل معها، فقد كان أبرزهم على الإطلاق "الحزب الإسلامي التركستاني"، الذي وإن لم يشكل موقفه مفاجأة في النهاية، بالنظر إلى تاريخ وطبيعة العلاقة المتينة التي تجمع "الحزب" بـ"الهيئة"، إلا أن المفاجأة كانت في اللهجة الحادة التي عبر فيها "التركستاني" عن هذا الموقف تجاه الفصائل الأخرى.


ورغم نشر الشيخ أبوذر التركستاني المقيم على الحدود الأفغانية-الباكستانية فتوى صريحة باللغة التركية، موجهة للمقاتلين التركستان والأوزبك بشكل خاص، والمقاتلين المهاجرين بشكل عام، تقضي بتحريم القتال بين الفصائل في سوريا، ودعوة واضحة للمهاجرين إلى عدم التورط فيها، إلا أن "الحزب الإسلامي التركستاني" اعتمد على ما يبدو موقف الشيخ أبوقتادة الفلسطيني، الداعم القوي والوحيد تقريباً في الفترة الأخيرة لـ"هيئة تحرير الشام" داخل التيار الجهادي، حيث أثنى أبوقتادة بشدة، وإن كان بشكل غير مباشر، على قرار "الحزب" بدعم "الهيئة"، وذلك عقب صدور بيان "التركستاني" بهذا الخصوص في 23 شباط/فبراير.


ورغم موجة الانتقاد الواسعة التي طالت "الحزب الإسلامي التركستاني"، وتحميله مسؤولية انعكاسات هذا الموقف على قضية "المهاجرين" بشكل عام، ورغم انتشار معلومات عن انخراط مجموعات عدة من المقاتلين غير السوريين، ممن لم يصدر عن قياداتهم أي موقف رسمي بهذا الخصوص، في المعارك الدائرة إلى جانب "تحرير الشام"، إلا أن الطرف الأخر ثابر طيلة الأيام الستة الماضية على توجيه رسائل تطمئن قادة وأفراد الجماعات غير السورية ممن اعتزلوا القتال، والتأكيد على حمايتهم وتهديد كل من يعتدي عليهم بالمحاسبة.


في هذا السياق، اعتبر قائد "لواء صقور الشام" أبوعيسى الشيخ، الذي حضر بقوة في هذه المواجهة رغم الحصار الذي كان مفروضاً على مناطق سيطرته في جبل الزاوية بريف إدلب من قبل "هيئة تحرير الشام"، أن قيادة "الهيئة" تحاول استغلال قضية المهاجرين بهدف الامعان في توريطهم، من خلال إدعاء تمثيلهم وحمايتهم، مؤكداً على حسن معاملة من يعتزل القتال منهم.


رسائل كثيرة مشابهة عبر عنها قادة في حركتي "نور الدين زنكي" و"أحرار الشام" كذلك، يبدو أنها نجحت في تحقيق بعض النتائج المرجوة منها، حيث أكدت "جبهة تحرير سوريا" في بيان لها في في 25 شباط/فبراير، أنها حيدت بالفعل أعداداً لا بأس بها من المقاتلين المهاجرين عن هذه المواجهة، مؤكدة على حمايتهم من أجل إفشال ما أسمته "الافتراءات التي يروجها إعلام الجولاني، بغرض الزج بالمهاجرين وغيرهم من الجماعات المحيَدة في مركبه المحترق، ومن ذلك بث شائعات عن تصفية مجموعات من المهاجرين..".


قضية حساسة بكل الأحوال، يدرك مختلف الأطراف مدى الفوائد، أو المخاطر التي يمكن أن تترتب على إدارته لها. وقد زاد من حساسية "قضية المهاجرين" التجارب المريرة بين الفصائل والجماعات الجهادية، خاصة منذ الإعلان عن تنظيم "الدولة الإسلامية" عام 2013، ودخوله في مواجهة مفتوحة ضد قوى الثورة والمعارضة، وكذلك المواجهات التي خاضتها باستمرار "هيئة تحرير الشام" ضد معظم هذه القوى، ناهيك عن تجربة "لواء جند الأقصى" أيضاً، وهي جماعات اعتمدت بشكل أساسي على المقاتلين غير السوريين، وعملت باستمرار على استخدام قضيتهم للتجييش ضد الفصائل التي هاجمتها، الأمر الذي ضاعف، كما هو واضح، من حذر الفصائل التي تخوض المواجهة الأخيرة ضد "هيئة تحرير الشام" تجاه هذه القضية، وأدى كذلك، وهو الأمر الأكثر إثارة للانتباه، إلى انقسام كبير في صفوف هذه الفئة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها