السبت 2018/03/17

آخر تحديث: 10:23 (بيروت)

"صقور الشام": عودة مقاتل أم انتفاضة جريح؟

السبت 2018/03/17
"صقور الشام": عودة مقاتل أم انتفاضة جريح؟
"ألوية صقور الشام" تأثرت بظاهرة "أسلمة الثورة" (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أعادت المواجهات الأخيرة بين قوى المعارضة العسكرية شمالي سوريا "لواء صقور الشام" إلى واجهة الأحداث من جديد، بعد ثلاث سنوات من التراجع جعلت منه، مجرد تشكيل محلي صغير، يمثل مجموعة محدودة من قرى وبلدات جبل الزاوية في ريف إدلب، بعدما كان يُعد في المرتبة الرابعة أو الخامسة بين قوى الثورة والمعارضة العسكرية حتى العام 2014.

دخل "صقور الشام" المعركة الراهنة ضد "هيئة تحرير الشام" بقوة كبيرة، مستغلاً على ما يبدو رمي "جبهة تحرير سوريا" بكامل ثقلها في هذه المعركة ضد "تحرير الشام" التي تواجه وللمرة الأولى بالفعل، نداً قوياً يمتلك القدرة والاستعداد النفسي الكافيين لمواجهتها، بعد جولات سابقة سهلة حققت فيها "الهيئة" انتصارات سريعة ضد فصائل الجيش الحر والقوى الإسلامية الأخرى، والتي كان آخرها الهجوم الذي شنته على "حركة أحرار الشام الإسلامية" منتصف العام 2017. وهو الهجوم الذي دفع ثمنه "لواء صقور الشام" مضاعفاً، ليس فقط لأنه كان جزءاً من "الحركة" التي هُزمت في تلك المعركة، بل وأيضاً بسبب تركيز "الهيئة" الجزء الأكبر من ثقلها للقضاء على هذا التشكيل، إذ خاض "الصقور" بمفردهم تقريباً المعركة في جبل الزاوية، وظهروا كخصم عنيد جداً، في لحظة تاريخية حاسمة كانوا فيها على وشك النهاية.

أدرك "صقور الشام" هذا الهدف لدى "هيئة تحرير الشام" منذ وقت غير قصير، يمتد بالطبع إلى ما قبل خوض معركة العام 2017. ولا تنحصر الأسباب في خلافات طارئة أو تفصيلية، ولذلك فقد دخل "الصقور" تلك المعركة بكامل ثقلهم، وأظهروا عداءهم الشديد تجاه "الهيئة"، ربما بشكل متهور، في ما بدا أنه تعليق لآمال كبيرة على "حركة أحرار الشام"، لكن الأداء الضعيف لـ"الحركة" خلال المواجهات، والهزيمة السريعة التي منيت بها، وضعت "اللواء" في موقف حرج جداً، وأجبرته على التقوقع أكثر في حيز جغرافي ضيق من جبل الزاوية. فحاصرته "تحرير الشام" في القرى والبلدات الصغيرة التي يسيطر عليها هناك، ومركزها بلدة سرجة، معقل "الصقور" ومسقط رأس قائده أحمد الشيخ، المعروف باسم "أبو عيسى".

لم تكن تلك هي المواجهة الأولى بين "صقور الشام" و"تحرير الشام" بمسمياتها المختلفة، إذ سبقت ذلك سجالات فكرية وإعلامية حادة بين الجانبين، بلغت أوجها مع وقوف تكتل "الصقور" في "حركة أحرار الشام" إلى جانب التيار الثوري في "الحركة" المعادي للاندماج مع "جبهة النصرة" وقتها. وهو موقف قام على إعادة تقييم معمقة من قبل القيادة، حسب المعطيات، لمسيرة "الصقور" الذي انتقل بشكل تدريجي ولكن سريع جداً، من مجرد تشكيل محلي لا يحمل إي صبغة فكرية خاصة أو متمايزة، إلى فصيل إسلامي بصبغة سلفية كانت طارئة، ليس فقط على "اللواء" الذي أصبح يحمل لاحقاً اسم "ألوية صقور الشام"، بل وعلى كامل منطقة جبل الزاوية.

مراجعة أدت إلى تصاعد العداء بين "صقور الشام" و"هيئة تحرير الشام" التي رأت أن "الصقور" يستهدفونها فكرياً في منطقة لطالما طمحت إلى الهيمنة عليها، ما أدى إلى وجود مناوشات عسكرية متقطعة، لكنها شبه دائمة. وسبق معركة حزيران 2017 وتلاها العديد من الاتهامات التي وجهتها "تحرير الشام" لـ"الصقور"، والتي كانت تعقبها "الهيئة" بتوجيه ضربات محدودة ضد "اللواء"، بهدف زيادة الضغط عليه واستنزافه، وآخرها اتهام "الصقور" باغتيال اثنين من عناصرها أواخر العام  2017.

لكن "اللواء"، وعلى الرغم من الضعف الكبير الذي تعرض منذ العام 2015، استطاع الصمود وقاوم بشكل لافت، مستفيداً من وعورة تضاريس معاقله الجبلية، ومن شعبية قائده ومؤسسه أبو عيسى الشيخ الذي بات قائداً محلياً أولاً لأهالي جبل الزاوية بعد القضاء على "جبهة ثوار سوريا" بقيادة جمال معروف، ما جعل منه تشكيلاً ذا خصوصية محلية بمعناها الايجابي، بعدما شهد تضخماً كبيراً وتمدداً واسعاً خارج معاقله خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الثورة.

تأسس "اللواء" ككتيبة تحمل الاسم ذاته في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، على يد 7 من أبناء جبل الزاوية، وبدأ عملياته بما لا يزيد عن مئة وخمسين مقاتلاً، حسب تأكيدات قائده أبو عيسى، الذي أشار في مقابلة مع "قناة الجزيرة" في العام 2013 إلى مقتل خمسة من المؤسسين في المعارك الرئيسية التي خاضها "صقور الشام" حتى ذلك العام، وكان باكورتها تدمير حاجز قوات النظام في قرية محمبل، ومعارك تحرير جبل الزاوية، وكذلك جبل الأربعين. لكن أهم هذه الأحداث على الإطلاق، كانت المشاركة في معركة خان السبل، التي تصدت فيها فصائل ريف إدلب للرتل الضخم لقوات النظام الذي كان متوجهاً إلى حلب عام 2012، بالإضافة طبعاً إلى معارك السيطرة الأولى على مدينة أريحا.

حضور لافت حتى تلك اللحظة، جذب الأنظار إلى "لواء صقور الشام" الذي بدأ يتلقى دعماً من مختلف القوى والتيارات الإسلامية، وعلى الرغم من أن أبو عيسى الشيخ كان مؤهلاً وبقوة ليكون من التيار الأخواني، على اعتبار أن والده والعديد من أعمامه وأقاربه من ضحايا الصراع بين "الجماعة" والنظام مطلع ثمانينيات القرن الماضي. وعرف جبل الزاوية كأحد معاقل "الأخوان المسلمين" في ذلك الوقت. وعلى الرغم من حصول "اللواء" بالفعل على بعض الدعم من "الأخوان" في مرحلة البدايات، إلا أن صعود المد السلفي بمختلف مدارسه، والحضور الطاغي في الشمال السوري لـ"حركة أحرار الشام" في تلك الفترة، بما مثلته لاحقاً من نموذج متفردٍ للسلفية الحركية، ونتيجة للعلاقة القوية التي جمعت قادة "الحركة" بقيادة "اللواء"، ما أسهم في اندفاعة "صقور الشام" مع التيار السلفي.

حصل "اللواء" معها على حصة وازنة من التمويل الذي كانت تقدمه القوى السلفية العربية للفصائل الإسلامية، وصولاً كما هو معروف إلى اندماجه الكامل في "حركة أحرار الشام" عام 2015، وهو اندماج سبقته عمليتا توحد كبرى فاشلة عرفها "لواء صقور الشام" قبل ذلك، وهي تشكيل "جبهة تحرير سوريا الإسلامية" التي كان على رأسها "الصقور" في العام 2012، وتشكيل "الجبهة الإسلامية" في العام 2013 والتي جمعته مع "الأحرار" و"لواء التوحيد" و"جيش الإسلام". والفصائل الثلاثة كما هو معروف تمثل مدارس سلفية مختلفة.

أصبح "اللواء" مجموعة ألوية، وبحكم تضخمه وانتشاره الواسع، بات جزءاً لا يمكن تجاوزه بالنسبة للفصائل الإسلامية الأساسية في المعارضة، فكان عضواً مؤسساً للهيئات الشرعية في المناطق المحررة، ما جعل الكثيرين يرون أن "صقور الشام" يمثل أحد الأركان الأربعة الأساسية للمشروع السلفي في سوريا، على الرغم من أن "اللواء" ظل أيضاً جزءاً من مؤسسات الجيش الحر التي كان أحد المشاركين في تأسيس غالبيتها كذلك، حيث انضم إلى القيادة المشتركة للجيش الحر، وأيضاً من مؤسسي "هيئة الأركان"، وقد انتخب أبو عيسى الشيخ كأحد الممثلين عن "الجبهة الشمالية" في "هيئة الأركان".

توليفة لم تكن حكراً على "صقورالشام" وحده، إذ عرفت الكثير من قوى الجيش الحر تماهياً كبيراً مع الخطاب الإسلامي بشكل أو بآخر في ذلك الوقت، وإن كان "اللواء" مع "لواء التوحيد" الأقل تحفظاً بين فصائل فصائل الجيش الحر في ذلك، لكنه بقي أيضاً شديد التحفظ تجاه تبني أي تيار إسلامي بشكل كامل وصريح. وهو الأمر الذي إن ساهم في مغادرة مجموعات وأفراد من المؤيدين للجيش الحر "اللواء"، فإنه تسبب في المقابل بانشقاق مجموعات عديدة من الإسلاميين عنه لصالح قوى اسلامية أكثر وضوحاً في هويتها، والتي وجد الملتحقون أن هذه القوى أكثر تعبيراً عنهم، إن كان لصالح "فيلق الشام" المحسوب على "الاخوان"، أو "جبهة النصرة"، أو حتى "حركة أحرار الشام" التي تبنت في وقت لاحق "التيار السروري". بينما كسب "تنظيم الدولة الإسلامية" الحصة النوعية من هذه الانشقاقات، وكان أبرزها "لواء داوود" الذي انشق عن "صقور الشام" ليعمل بشكل مستقل منذ العام 2013، قبل مبايعته لـ"تنظيم الدولة" عام 2015. وهو ما فعله أيضاً راشد طكو، مع قسم كبير من "لواء سيوف الحق" أحد تشكيلات "ألوية صقور الشام".

حراك داخلي ومسيرة تحولات حافلة لم تكن حكراً على "لواء صقور الشام" وحده، إذ يمكن اسقاط تلك الصيرورة على الكثير من قوى الثورة والمعارضة العسكرية، التي تأثرت بشكل واضح بما عرف بظاهرة "أسلمة الثورة"، بمعنى نقلها من حيز التدين الشعبي السائد، إلى الحيز المنهجي، نتيجة عوامل عديدة أصبحت معروفة، قبل أن تستعيد معظم هذه القوى خطابها الأولي، كقوى تحمل هوية الجيش الحر المرنة، إما نتيجة مراجعات فكرية، أو بسبب تطورات ميدانية وسياسية. إلا أن ما يلفت النظر أكثر في تجربة "لواء صقور الشام" أنه ظل متحفظاً على الدوام في إظهار هذه النقلات كتحولات حدية، إلى الدرجة التي قرر معها الخروج من "حركة أحرار الشام" وعدم الاندماج معها في "جبهة تحرير سوريا" والعودة مستقلاً من جديد.

لكن اللافت أكثر من كل ذلك، هو الحضور الفاعل جداً لـ"اللواء" في المواجهات الدائرة حالياً مع "هيئة تحرير الشام"، حيث سيطر بسرعة كبيرة على مناطق واسعة في محيط معاقله وخارجها في ريف إدلب، وأبدى مقاتلوه شراسة كبيرة في هذه المواجهات بشكل بدا أنه يعبر عن قتال جريح. وهو ما يفسره البعض بالشعور بالغضب الشديد لدى "صقور الشام" من "الهيئة"، بسبب تحاملها الكبير على "اللواء" خلال السنتين الأخيرتين، رغم العلاقة الودية التي كانت تجمعهما قبل ذلك. ذلك طبعاً، مع شعور بالخذلان أيضاً من بقية الفصائل، التي يرون أنها لم تقم بما يكفي لنصرتهم في هذه المرحلة. الأمر الذي يعيد وضع "اللواء" من جديد في الواجهة، على الأقل بانتظار ما ستسفر عنه هذه المعركة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها