السبت 2018/03/10

آخر تحديث: 13:05 (بيروت)

روسيا تقسّم الغوطة الشرقية.. والمعارضة تقاوم

السبت 2018/03/10
روسيا تقسّم الغوطة الشرقية.. والمعارضة تقاوم
تحاول المليشيات التقدم إلى بلدة حمورية (Getty)
increase حجم الخط decrease
بدأت الغارات الروسية، وبراميل مروحيات النظام، ترسم خطوطها الأخيرة على لوحة الغوطة الشرقية التي تتلاشى بقعها الخضراء، وأصبحت سلسلة خطوط حمراء سُطّرت بدم أطفال ومدنيين كانوا ضحية لمعركة استيلاء مليشيات النظام على الغوطة.

الخطة الروسية في تقسيم الغوطة، دخلت مراحلها الأخيرة، بعدما سيطرت المليشيات، وعلى رأسها "قوات النمر" على بلدة بيت سوا، وانتقلت المواجهات مع المعارضة إلى بلدة مديرا التي باتت آخر وجهة لـ"قوات النمر" قبل الوصول إلى "إدارة المركبات" لإتمام شطر الغوطة.

ثلاثة كيلومترات، هي آخر شريان يصل بين قطاعي الغوطة؛ الشمالي والأوسط، ويسلكه الأهالي لقضاء حوائجهم الأخيرة في القطاع الآخر، مع علمهم بأن عبور هذه المنطقة قد لا يكلفهم حياتهم فحسب، بل قد يحرمهم من حقهم بالدفن، حيث ستبقى جثثهم مرمية على قارعة الطريق.

توقفت نسبياً هجمات قوات النظام البرية على القطاع الشمالي، مع استمرار استهداف عمق مدينة دوما بالغارات الجوية والصواريخ. وتسعى مليشيات النظام مدعومة بالطيران الحربي الروسي، للسيطرة على مدينة مسرابا شمالي بيت سوا، لزيادة مسافة الفصل بين القطاعين، وضمان استيعاب أي هجوم معاكس قد تشنه المعارضة من القطاعين على الخط السهمي لقوات النظام الفاصل بينهما.


(المصدر: LM)

وتستمر قوات النظام، منذ صباح الجمعة، بأكبر هجوم بري على مسرابا، من محور بيت سوا، إذ شنّ الطيران الحربي عليها أكثر من 100 غارة جوية، وشاركت أربع مروحيات في آن واحد، بإلقاء عشرات البراميل المتفجرة على المدينة، مع استهدافها بمختلف الأسلحة. وقد دار الحديث مؤخراً عن وساطة التاجر محي الدين المنفوش، بين النظام والمدنيين، لتحييد مسرابا عن المعارك الدائرة في الغوطة، لكن يبدو أن هذا الأمر لم ينجح، وسط حملة عنيفة استهدفت فيها الطائرات الحربية الأقبية، ما أدى لمقتل عدد كبير من المدنيين، ونزوح الأهالي عن المدينة باتجاه دوما. ووصف ناشطون العمليات على مسرابا، بمحاولة تسويتها بالأرض، كما حصل في بيت سوا.

ارتسم مشهد القطاع الشمالي، باحتوائه على دوما والريحان، ومساحات من مزارع العب والشيفونية، ومعه، حالياً، حرستا، مع استمرار محاولات ميليشيات النظام فصل حرستا عن دوما، من جهة بساتين كرم الرصاص الواقعة بينهما.

ولا تظهر هجمات ميليشيات النظام ملامح سيطرتها النهائية على القطاع الأوسط، إذ تشنّ هجومها مدعومة بالطيران الروسي والمروحي على أكثر من محور، لتشتيت قوات المعارضة، ومحاولة السيطرة على أكبر عدد من المدن والبلدات.

وتحاول المليشيات التقدم إلى بلدة حمورية، من محوري الأشعري شرقاً وبيت سوا شمالاً، وقد شهدت حمورية أعنف حملة تصعيد، الأربعاء، بعشرات الغارات الجوية والبراميل المتفجرة وغاز الكلور السام، الذي سبب إصابة أكثر من 150 مدنياً بتسمم وحالات اختناق. وأدت الهجمة إلى نزوح جميع سكان البلدة باتجاه زملكا وعين ترما.

بالتوازي مع ذلك تحاول مليشيات النظام التقدم من محور المحمدية نحو جسرين غرباً، التي تتعرض لعشرات الغارات الجوية والبراميل المتفجرة، يومياً، لإجبار سكانها على مغادرتها. وأعلنت وسائل إعلام موالية للنظام، الخميس، عن فتح معبر جديد للغوطة من جسرين إلى المليحة جنوباً التي تسيطر عليها قوات النظام منذ العام 2014، وذلك لـ"السماح للمدنيين" بالخروج من منطقة العمليات العسكرية. وحاولت الجمعة بضع عائلات الخروج من معبر جسرين، إلا أن مليشيات النظام المتمركزة في المليحة استهدفتهم بالنيران، ما أدى لمقتل 7 مدنيين، وإصابة آخرين.

كما صعّدت مليشيات النظام هجماتها على محور الإفتريس، باتجاه سقبا غرباً، حيث تدور معارك كر وفر، خسرت فيها قوات النظام العشرات من عناصرها بسبب كمائن للمعارضة فيها. التقدم على هذه المحور لا يعني سوى السيطرة على مساحات زراعية، في الوقت الحالي.

شطر الغوطة إلى قطاعين يسهل على مليشيات النظام وحليفها الروسي فتح محاور هجومية جديدة على القطاع الأوسط لتقسيمه إلى مناطق صغيرة، وإضعاف المعارضة أكثر، وزيادة الضغط الشعبي بشكل أكبر بسبب تشتت المدنيين بين مدن القطاع. وقد يكون أبرز المحاور المتوقعة هو المنطقة الفاصلة بين حمورية وحزة، حيث لا توجد كثافة عمرانية فيها، ما يُسهّل على المليشيات اتباع سياسة الأرض المحروقة، للتوغل فيها جنوباً نحو أحياء كفربطنا الغربية.

والمحور الثاني المتوقع، قد يكون من جبهة كفربطنا جنوباً، ويعتبر من أخطر المحاور بعد خروج العشرات من المدنيين على رأسهم عدد من المشايخ بتظاهرات ترفع أعلام النظام وتدعو قوات المعارضة للخروج من المدينة. ويتخوف ناشطون من استغلال النظام لأولئك المدنيين، لتسهيل دخول قواته من جنوب المدينة، والسيطرة عليها، مستغلاً انشغال قوات المعارضة بالتصدي للنظام على المحاور الأخرى.

والمحور الهام الآخر هو من وادي عين ترما، الذي فشلت محاولات النظام سابقاً بالتقدم فيه لفصل حي جوبر الدمشقي عن الغوطة الشرقية. ويمتاز هذا المحور بتجهيزاته الهندسية المعقدة واعتماد دفاع المعارضة على الخنادق والأنفاق وتلغيم محاور الهجوم المتوقعة. لكن فتح محاور متعددة باتجاه الغوطة، قد يدفع النظام لإعادة محاولة التقدم مجدداً.

مع اشتداد الهجمة على الغوطة الشرقية، أخذت فصائل المعارضة قرارها بالتصدي، والدفاع عن مناطق سيطرتها، وسط إجماع على رفض الخروج من الغوطة. وقال قائد "فيلق الرحمن" النقيب عبدالناصر شمير، الجمعة، في تسجيل مصور، إن "الفيلق" سيستمر بالدفاع عن الغوطة ولن يتفاوض مع النظام وسيبقى فيها مهما اشتد القصف، وقال ان "الفيلق" اتخذ قراره بالصمود والثبات. وتوعد شمير بضرب بيد من حديد كل من يمد يده إلى النظام، في إشارة إلى المجموعات التي رفعت أعلام النظام في حمورية وكفربطنا، وطالبت بدخوله.

من جهته، سلك "جيش الإسلام" المسار السياسي في تصديه للحملة العسكرية، بالتوازي مع المسار العسكري، وأفرج الجمعة عن 13 من عناصر "هيئة تحرير الشام" المعتقلين لديه منذ الاقتتال الداخلي الأخير في نيسان/إبريل 2017، وسلمهم لوفد "الأمم المتحدة" التي أدخلت مساعدات انسانية، الجمعة، وتم نقلهم إلى الشمال السوري. ليعلن بعدها "جيش الإسلام" خلو قطاعه من "هيئة تحرير الشام"، سعياً لكسب تأييد الأمم المتحدة ودول العالم، وإحراج روسيا لإيقاف هجمتها على القطاع الشمالي. وكان الناطق باسم "الجيش" حمزة بيرقدار، قد نفى، الجمعة، رواية النظام عن خروج بعض عناصر "جيش الإسلام" مع عوائلهم إلى درعا، وقال إن عناصر الجيش صامدون على جبهاتهم.

وكان "جيش الإسلام" قد أفرج الأسبوع الماضي عن حوالي 45 من عناصر "هيئة تحرير الشام" المعتقلين لديه، في عملية تبادل، وهؤلاء هم من أبناء الغوطة وعوائلهم تسكن في القطاع الأوسط، وأنكر وجود غيرهم في معتقلاته.

المعارك العنيفة على محور المشافي في مدينة حرستا، تدل على موقف "حركة أحرار الشام" بالصمود والثبات، حيث تدور يومياً معارك كر وفر تكبد فيه المعارضة المليشيات خسائر كبيرة، وتمنعها من فرض طوق على مدينة حرستا. وقال الناطق باسم "أحرار الشام" منذر فارس، لـ"المدن"، إنهم صامدون على جبهاتهم، ومستعدون لكافة الخيارات، وينسقون مع جميع فصائل الغوطة للتصدي لهجمات النظام، وإنهم سيكسرون شوكة مليشيا "النمر"، كما كسروا شوكة المليشيات التي سبقتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها