الإثنين 2018/02/12

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

خلافات التيار الجهادي تكشف بنود الاتفاق الروسي-التركي

الإثنين 2018/02/12
خلافات التيار الجهادي تكشف بنود الاتفاق الروسي-التركي
"تحرير الشام" كانت قد حرّمت التعامل مع الجيش التركي (AFP)
increase حجم الخط decrease
منذ مطلع شباط/فبراير، تبنّت "تحرير الشام" خطاباً جديداً بعد سلسلة من المتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي والعسكري في إدلب ومحيطها؛ من سيطرة مليشيات النظام على كامل شرقي سكة الحجاز، والتفاهمات الروسية–التركية بخصوص منطقة "خفض التصعيد" التي بدأت تطبق فعلياً على الأرض، وتجميد بعض جبهات القتال مع مليشيات النظام، والسخط الشعبي المتصاعد ضد "تحرير الشام"، والانقسام في صفوفها على خلفية المواقف المتناقضة لقيادتها.

وعلى الرغم من تأخر تعليق "هيئة تحرير الشام" على دخول الجيش التركي إلى إدلب وريف حلب، وإنشائه نقاط مراقبة في أكثر من موقع، إلا أنها باتت تتحدث بشكل رسمي، ولأول مرة، عن الاتفاق مع تركيا. الإشارة الأولى ظهرت قبل أسابيع قليلة، في تسجيل صوتي لـ"أبو محمد الجولاني"، تحدّث فيها بشكل مقتضب، عن مشروعية ادخال الجيش التركي، وفق ما "اقتضته مصلحة المسلمين".

وحمّل الجولاني فصائل المعارضة المشاركة في اجتماعات أستانة مسؤولية خسارة شرقي سكة الحجاز لحساب المليشيات، وقلل من أهمية انسحابات "تحرير الشام"، وبرر مسألة السماح لتركيا بدخول إدلب وانشاء نقاط مراقبة، وظهر كمدافع عن مكتسبات الثورة والمتحدث باسمها، مؤكداً على قوة وبقاء "تحرير الشام" واستعدادها للتعاطي مع المتغيرات الجديدة.

لكن "تحرير الشام" كانت قد حرّمت التعامل مع الجيش التركي و"الحكومة العلمانية" في أنقرة، وقاتلت "حركة أحرار الشام الإسلامية" وفق فتاوى أصدرها عدد من منظّريها منتصف العام 2017، وسبق ذلك فتاوى حرّمت المشاركة في اجتماعات "أستانة" والتي نتج عنها تفاهمات دولية على دخول القوات التركية إلى إدلب. وكان ضحية تلك الفتاوى فصائل معارضة قضت عليها "تحرير الشام"، وأبرزها "جيش المجاهدين".

عضو مجلس شورى "تحرير الشام" المصري أبو الفتح الفرغلي، أفرد مؤخراً محاضرة كاملة أمام عناصر "تحرير الشام" للحديث عن تفاصيل الاتفاق مع تركيا، بخصوص دخول إدلب، ونشر نقاط المراقبة، فقال: "كان لدى تحرير الشام ثلاثة خيارات في تعاملها مع تركيا؛ الأول: أن تدخل تحرير الشام في قتال مع  الجيش العلماني التركي، والذي سيدخل بالقوة ليحقق مصالحه، وفق اتفاقات دولية مبرمة، أما الخيار الثاني: أن تدخل تركيا بالطريقة التي تريدها وتفعل ما تريد، وهذا الخيار اختارته فصائل المعارضة. أما الخيار الثالث، الذي اختارته تحرير الشام، فهو السماح للجيش التركي بأن يأخذ بعض النقاط بشروط معينة، وخطوط حمراء معينة". والخطوط الحمراء، بحسب الفرغلي هي: ألا تتدخل تركيا في حكم المناطق المحررة، أي إدلب ومحيطها حيث تنتشر "تحرير الشام"، وألا يتحكم الجيش التركي بوقف القتال ولا بسير المعارك. بالإضافة لـ"الظهور عليه"، أي أن تكون القوة التركية أصغر من القوة التي لدى "تحرير الشام". والبند الأخير هو الأهم، بحسب الفرغلي، لأنه يحفظ تطبيق البندين الأول والثاني.

وأثارت فتاوى "تحرير الشام" الأخيرة، التي أسمتها بـ"السياسة الشرعية" سخط معارضيها، خاصة فيما يتعلق بالسماح للجيش التركي بدخول إدلب. وبالمقارنة بين فتاوى منظري "تحرير الشام"، السابقة والحالية، يظهر التبدل الجذري في المواقف. وتواجه "تحرير الشام" سخطاً شعبياً متزايداً، بسبب تقدم مليشيات النظام في المنطقة وانسحابها بشكل سريع، وعلى خلفية الانتهاكات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية التابعة لـ"الهئية" في مختلف المناطق المحررة. وخرجت مظاهرات منددة بممارسات "تحرير الشام"، في حزانو والأبزمو وسرجة وبنش، وطالبتها بالخروج من تلك المدن والبلدات.

منظرو التيار الجهادي المناهض لـ"تحرير الشام"، كـ"مزمجر الشام" وماجد الراشد وأبو حسن الكويتي وحسام سلامة، اتهموا "تحرير الشام" بتطويع الشريعة لتناسب مصالحها، ولتحلل ما حرمته على فصائل المعارضة في وقت سابق، في إشارة إلى "حركة أحرار الشام" التي قاتلتها "تحرير الشام" بتهمة محاولة ادخال الجيش التركي إلى ادلب.

الداعية السلفي المعروف في ادلب، الشيخ عبدالرزاق المهدي، كشف في "تلغرام"، عن بنود التفاهم الروسي–التركي حول ادلب ومحيطها، متجاوزاً توضيحات "تحرير الشام" التي بدت متأخرة ومثالية، فقال إن بنود الاتفاق الروسي التركي حول إدلب وما حولها، تتضمن ما يلي: انتشار روسيا شرقي سكة القطار، وتكون تحت الوصاية الروسية، ودخول شركات روسيا للتنقيب عن النفط في الخط الواصل بين ريف حماة الشرقي إلى ريف إدلب الشرقي، على أن  لا تتحاوز غربي سكة القطار. وانتشار قوات للجيش التركي غربي السكة وريف إدلب الشرقي، وانتشار الجيش التركي في ريف حماة الشمالي، ودخول مدينة إدلب وأريافها تحت الوصاية التركية. وتتعهد تركيا بإعادة أعمار مدينة إدلب بالكامل وتطويرها. كما تتعهد بخروج من يرغب من أهالي كفريا والفوعة إلى مناطق سيطرة النظام وإعطاء الأمان لمن يرغب في البقاء فيها، وانتشار شرطة عسكرية شيشانية وحصراً سنية على طول الخط شرقي سكة القطار، وفتح مطار أبو ضهور العسكري أمام المواطنين في مناطق المحررة للراغبين في تسوية اوضاعهم عند النظام، وإعطائهم الحرية في الإقامة في أي منطقة يريدون. وتتعهد تركيا بإخراج "جبهة النصرة" خارج البلاد أو انخراطها في جيش وطني، وفتح طريق الدولي من حلب إلى معبر نصيب على الحدود الأردنية.

وأوضح المهدي، وفق مصادر وصفها بالمطلعة، أن مطار تفتناز العسكري سيصبح مطاراً للحوامات التركية، والإذاعة في مدينة سراقب ستصبح نقطة عسكرية، وتل السلطان وسنجار مخفرين للشرطة الشيشانية من طرف الروس، ووادي الضيف وخزانات خان شيخون نقاط عسكرية تركية. على أن توجد نقطتين عسكريتين في اللطامنة وكفرزيتا للجيش التركي، وسوف تكون أكبر نقاط وتجمعات للجيش التركي في العيس جنوبي حلب ومطار تفتناز العسكري والإذاعة في مدينة سراقب.

والفرغلي، عضو شورى "تحرير الشام"، رد في "تلغرام" على ما قاله الشيخ المهدي، بالنفي، وقال: "كل ما يقال عن اعطاء مطار للحوامات التركيا في تفتناز، أو نقطة للأتراك في سراقب أو وادي الضيف أو في خان شيخون أو اللطامنة أو كفر زيتا، أو مخفر في الشيخ منصور، تسليم تل سلطان للروس عار عن الصحة، وأهيب بمشايخنا الكرام عدم نشر الإشاعات التي تفت في عضد المجاهدين دون التثبت من مصدرها".

الفرغلي، رد على منتقدي تبدل مواقف وفتاوى "تحرير الشام" إزاء حرمة التدخل التركي في ادلب، فقال: "كل من يسمع الكلام يجد أني قد بيّنت جيداً الفارق الكبير المؤثر بين طريقة التدخل قبل وطريقة التدخل الآن، لكن لاشك أن هذا لا يرضي من يعمل عنده اصحاب هذه الحسابات، ورغم أنه لا يضر أبدا أن يغير الرجل ما يفتي به إن تبين له الحق في غيره، بل هذا مما يُحمد ولا يذم، لكن هذا لم يحدث في مسألتنا أصلاً، كما أنه مما يحمد كذلك أن تتغير الفتوى بتغير الواقع، ورغم تغير الواقع فعلا تغيّراً كبيرا من فتح جبهات كثيرة واستنزاف كبير، إلا أني لم أجد أن هذا يغير شيئا في حكم الفتوى الأصلي وأكدت عليه في المقطع، لكن كلامي كان على واقع جديد وضحته جدا وبباسطة يفهمها كل ذي لب في نفس المقطع، لكنها لا تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور".

فصائل المعارضة المسلحة والمنشقين عن "تحرير الشام"، باتوا يتهمونها باستثمارها السياسي للنصوص الشرعية وتطويعها بحسب مصلحتها، لتتحول إلى فتاوى حسب الطلب يسخرها  شرعيوها في خدمة مشروعهم، وما كان حراماً على غيرها أصبح حلالاً لها. ولدى "تحرير الشام الكثير" مما تخفيه، ولعل التوضيح الأخير يأتي في سياق طمأنة عناصرها الذين عاينوا عن قرب تبدل مواقف "تحرير الشام" خلال الفترة الأخيرة إزاء مختلف القضايا التي تم اسنادها إلى أسس شرعية وضعتها "تحرير الشام" بنفسها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها