الإثنين 2018/01/29

آخر تحديث: 06:37 (بيروت)

سوتشي ونواطير "انتصارات" روسيا

الإثنين 2018/01/29
سوتشي ونواطير "انتصارات" روسيا
جنود روس في الجزء الشرقي من مدينة حلب بعد أن دخلته قوات النظام (غيتي - أرشيف)
increase حجم الخط decrease
تصرّ روسيا على عقد مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي. المنتصر يجب أن يجيد حماية انتصاره من المتطاولين عليه، والمدعين ملكيته. وليس كالسوريين والشيشان من يعرف أن روسيا "تجيد الإنتصار"، وتجيد حماية "انتصاراتها" وتنصيب نواطير محليين لها. وليس مؤتمر سوتشي، كما تريده موسكو، سوى احتفال بـ"الإنتصار" الروسي في سوريا وتنصيب رمضان قاديروف سوري ناطوراً له.

ليس للمدعوين من السوريين إلى المؤتمر، أو الاحتفال، حق الاعتراض على مجرياته كما رسمتها روسيا، بل هم يملكون حق الحضور فقط، من دون تنغيص جوه بالحديث عما يزال يجري من قتل وتدمير في الغوطة وعفرين وإدلب وسواها. فما ذكرته المعارضة السورية من أسباب لعدم حضورها إلى سوتشي هو مجرد "هراء" على حد تعبير وكالة "نوفوستي". فقد نقلت الوكالة عن  مصدر قوله، إن روسيا ليست ملزمة بشيء أمام أحد في "هيئة التفاوض السورية". وإذا كان ممثلو هذه الهيئة لا يرغبون في التحدث إلى أحد "فمن الواضح أن ليس لديهم ما يقولونه".

وتنقل الوكالة عن السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين قوله، إن تطور الأحداث على الجبهات في سوريا لن يطيح بمؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي، فالمفاوضات سوف تجري بغض النظر عما يدور على الأرض "فمن المؤكد أن ما يحدث سوف يخلق صعوبات للتسوية السياسية، إلا أن الكونغرس في سوتشي سوف يعقد، بغض النظر عن الوضع العسكري" . ولبنان، بحسب الوكالة، مدعو للمشاركة في المؤتمر بصفة مراقب، إلى جانب الأمم المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وكل من مصر والأردن والعراق والسعودية وكازاخستان.

إعلان موسكو عن عقد مؤتمر سوتشي "بغض النظر" عما يجري على الجبهات في سوريا، يعكس إصرارها "كمنتصر" في الحرب السورية، على تصورها للحل السياسي للمقتلة السورية، وجعل الجميع يوقعون على هذا التصور ويشرعونه.

في وقت سابق من يناير/كانون الثاني، أعلن الممثل الخاص للرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتيف، أن منتدى سوتشي سوف يطلق العمل على دستور سوري جديد، ينبغي "أن يتناسق مع التشريعات السورية، وأن يتوافق مع الدستور القائم بشكل صارم". وذهب الرجل أبعد من ذلك في إصراره على أن اللجنة الدستورية، التي ستعمل على الدستور الجديد، أو على تعديلات في الدستور القائم "يجب أن يوافق عليها الرئيس الحالي بمرسوم، بما يتفق مع الدستور المعمول به". ويرى لافرنتيف، أنه من الممكن أن تنشأ في سوتشي هيئة ما للعمل على الدستور، تضم مختلف الاختصاصيين من مختلف الفصائل المعارضة ومن الحكومة المركزية، وقد تتخذ هذه الهيئة "قراراً بعقد اجتماعاتها في دمشق مباشرة".

ولماذا سوتشي إذاً، طالما أن الهيئة التي ستعمل على الدستور الجديد أو إدخال تعديلات على القديم يجب أن يوافق عليها الرئيس الحالي، ويمكن لها أن تجتمع في دمشق تحت جناحه؟
هذا التساؤل يطرحه خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية يوري بارمن، خلال مقابلة له في صحيفة "نيزفيزمايا غازيتا" في 26 يناير/كانون الثاني . ويقول "لست أفهم أبداً كيف سيدور الحديث في سوتشي عن الدستور، إذا لم تكن الهيئة العليا للمفاوضات موجودة، ولم يكن ممثلو السلطة الذاتية الكردية حاضرين أيضاً؟".

ويقول الرجل بأنه تحدث، منذة فترة وجيزة، مع أحد مستشاري المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي قال له "إذا رفض (نصر) الحريري سوتشي، فإن خيارات دي ميستورا سوف تكون محدودة أيضاً. مثل هذا الخيار منطقي، وهو يُناقش منذ زمن بعيد ...".

ويضيف بارمن، بأن الأكراد يشككون في ضرورة المشاركة في المفاوضات في سوتشي، لأن عفرين قد تم التخلي عنها للأتراك "في ظل الموافقة الصامتة من قبل اللاعبين الدوليين. وإذ تحمل الخارجية الروسية المسؤولية عن تأزم الوضع في عفرين للولايات المتحدة الأميركية، تتهرب من الإجابة عن السؤال ما إذا كانت روسيا قد أعطت موافقتها المباشرة على العملية التركية في الجيب الكردي، الذي كان يتواجد فيه مستشارون عسكريون روس".

ويقول بارمن، إن أوساط الخبراء البريطانيين لا تعتبر أن عملية سوتشي قد أضافت حتى الآن شيئاً مهماً لعملية جنيف. وينقل عن الباحث في المعهد البريطاني "RUSI" مايكل ستيفنس قوله، إن روسيا تتبوأ مركز الصدارة  في الحركة على الأرض. فقد أشار وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى أن تواجداً كردياً ما سوف يشارك في المفاوضات، إلا أنه لم يحدد شكل هذا التواجد بالضبط. ومن المهم، على قول ستيفنس، معرفة كيف تنسق عناصر النظام السوري مع تركيا، خاصة في ما يتعلق بالوضع في إدلب، الذي ينطوي على مشاكل كبيرة لأنقرة. ومن المهم أيضاً معرفة ما إن كانت فصائل الجيش السوري الحر ستتمكن من إخلاء إدلب، وما هي الشروط التي ستضعها سوريا في عفرين. لكن هذه القضايا جميعها، على قوله، هي قضايا تكتيكية، على الرغم من صعوبة مناقشتها. إلا أن القضية الأهم هي ما إن كان سيتم القبول بنوايا روسيا طرح فكرة حكومة واحدة لسوريا الموحدة تحت سلطة الرئيس السوري بشار الأسد. ويقول ستيفنس، إنه يعتقد أن هذا لن يحصل، وإن كان ليس من خيار تقريباً أمام الكثير من الفصائل المعارضة سوى القبول بالواقع بعد أشهر.

ومع ذلك تمضي روسيا في الإعداد والحشد لـ"عراضة سوتشي"، غير آبهة بما يجري على الجبهات المختلفة للمقتلة السورية، ومن دون أن تتوقف عند "تفاصيل صغيرة"، مثل "الهراء" المتمثل برفض "الهيئة السورية العليا للمفاوضات" حضور هذه "العراضة". في سوتشي ينبغي أن يشهد الحضور "للنصر الروسي" في سوريا ويوقعون على شرعية "نواطير" ذلك النصر المحليين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها