الأحد 2018/01/21

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

حسابات روسيا في عفرين

الأحد 2018/01/21
حسابات روسيا في عفرين
Anadolu ©
increase حجم الخط decrease
لا تتردد موسكو في التعبير عن ارتياحها البالغ لما تسميه "الحرب التركية-الأميركية" في عفرين، مع العلم أن وكالة "نوفوستي" الروسية قالت في 17 يناير/كانون الثاني، إن موسكو ضد نشوب تلك المواجهة لكن "من الصعب تفاديها".

وفقاً لـ"نوفوستي"، فإن الولايات المتحدة لا تحاول عرقلة العملية التركية من خلال مد المقاتلين الأكراد بوسائل الدفاع الجوي المحمولة فحسب، بل ومن خلال "الأعمال التخريبية" في الأراضي السورية، التي يسيطر عليها الأكراد، حيث تدعو المقاتلين المحليين، الذين سوف تستخدمهم أنقرة كمشاه خلال العملية ضد الأكراد، إلى عدم الإنصياع إلى أوامر "المحتل" أردوغان.

تقول "نوفوستي"، إن موسكو تنظر باهتمام إلى الأحداث الجارية في عفرين، وهي تحاول اتخاذ "موقف صحيح" منها، إذ إن الكرملين لا يريد مساندة أي من الطرفين في هذا النزاع. فروسيا، التي تؤيد المحافظة على وحدة الأراضي السورية، غير معجبة إطلاقاً بمحاولة الولايات المتحدة "فرز كردستان السورية"، وهو ما قاله بصراحة وزير الخارجية سيرغي لافروف. إلا أنها في الوقت عينه لا تقف موقف "المعجب كلياً" بآفاق العملية العسكرية التركية.

وتشير "نوفوستي" إلى أن القيادة الروسية أكدت على حق تركيا بالتصدي لتهديدات أمنها الخاص، ويدرك الجميع، أنه ينبغي معالجة النزعة الإنفصالية الكردية، ومن الأفضل أن يقوم الجيش التركي بذلك، وليس الجيش السوري، الذي لديه ما يكفي من الإنشغالات. وروسيا ليست في نهاية المطاف ضد تأزم العلاقات التركية-الأميركية، لأن هذا سوف يبعد تركيا عن الغرب، ويقربها "ولو اضطرارياً" من روسيا وإيران.

لكن، ومن جهة أخرى، كان بود موسكو لو تتم معالجة المسألة الكردية عن طريق الدبلوماسية، وبمشاركة الأكراد أنفسهم، في العملية السياسية، إذ وفق "نوفوستي" فإن قسماً منهم "ينشد حماية موسكو". إضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن روسيا أيضاً، وليس الولايات المتحدة فقط، قد أعطت أكراد عفرين ضمانات محددة، وموسكو -خلافاً لواشنطن– تحافظ دائماً على التزاماتها.

وتقول "نوفوستي"، إن الحكومة الروسية، إذ تأخذ بالإعتبار حزم أردوغان، لديها مخارج عديدة من هذا المأزق؛ بوسع الكرملين وضع "فيتو" على العملية التركية، إلا أن هذا يهدد "بأزمة أخرى في شراكتنا التكتيكية مع أنقرة"، تقول الوكالة. وتضيف، أما "بالنسبة لدمشق وموسكو، سينعكس ذلك فوراً في إدلب، حيث يمكن للأتراك أن يصعدوا بشدة من دعمهم للمقاتلين المحليين".

ولدى الحكومة الروسية مخرج آخر ايضاً، إذ يمكن الموافقة على العملية مقابل تنازلات من جانب أنقرة بشأن إدلب، وبشأن مستقبل الأسد، وبشأن مسائل أخرى. وإذا ما أخذنا بالإعتبار أهمية المسألة الكردية بالنسبة لأردوغان، فإن هذا بوسعه "إفراغ كل ما في جيوبه". إضافة إلى ذلك، بوسع هذه العملية أن تؤزم بصورة حادة العلاقات العسكرية السياسية بين أنقرة وواشنطن. إلا أن هذا الخيار يلحق الأذى بصورة موسكو، إضافة ألى أنه يلغي الورقة الكردية من اللعبة السورية، التي يمكن أن تستخدمها ليس واشنطن فقط، بل ويمكن للكرملين أيضاً أن يستخدمها لاحتواء الطموحات التركية.

ولذلك، تقول "نوفوستي"، إن الخيار الأفضل بالنسبة إلى موسكو هو حل المسألة عن طريق الدبلوماسية، والإتفاق مع الولايات المتحدة على إلغاء فرز الأكراد، ونزع التهديد الكردي بالنسبة لأردوغان، وإفهام الأكراد، في الوقت عينه "من الذي أنقذهم، وما يتوجب عليهم مقابل ذلك".

وتستكمل صحيفة "فزغلياد" جردة الحسابات الروسية هذه في عفرين، وتقول في 19 من يناير/كانون الثاني، تحت عنوان "تركيا تحاول إجبار روسيا على التخلي عن حليف مهم في سوريا"، إنه يبدو أن روسيا وتركيا تتفاوضان حول صفقة كبيرة بشأن عفرين، التي يحكمها حالياً أكراد اصدقاء لروسيا، ويريد أردوغان احتلالها. ثمة من يقول إن موسكو تريد تسليم المدينة لأنقرة، بدل "شيء ما مقابله".   

تقول الصحيفة، إن عفرين هي الجيب الروسي في كردستان السورية، وهي في الواقع "كردستاننا". موسكو هي الجهة الضامنة لأمن عفرين، في حين أن الكانتونات الكردية الأخرى في سوريا تدور في فلك الولايات المتحدة. عفرين هي جيب كردي مقاتل، تفادت قيادته الإنخراط في المغامرات الأميركية، وتسترشد بالقيادة العسكرية الروسية، ومستعدة لحوار بناء مع دمشق.

وتؤكد الصحيفة بأن أردوغان يطالب منذ زمن طويل بالقضاء على استقلال عفرين، بل هو يؤكد، أنه قد اتفق مع موسكو حول ذلك. إلا أن القيادة العسكرية الروسية ردت على ذلك بالقول، إن الكانتون الكردي ليس مادة للاتفاق بشأنها مع تركيا، ووضعت هناك وحدة عسكرية صغيرة ومستشفى عسكري.

وتنقل وكالة "إنترفاكس" الروسية عن الخبير الروسي في نزاعات الشرق الأوسط أنطون مدراسوف قوله، إن المنظمات السياسية الكردية في عفرين سوف تلقى مصيراً لا تحسد عليه، في حال احتلال عفرين من قبل القوات التركية. ولهذا يرى الرجل، أن من صالح أكراد عفرين توسيط موسكو لنيل موافقة الجيش السوري على دخول عفرين قبل القوات التركية، وسيكون هذا الأمر لصالح كلٍ من دمشق وموسكو "إلى أقصى حد".

ويرى مدراسوف، أن الأحداث في عفرين يمكن أن تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما يجري في إدلب. فالسيطرة في إدلب تتقاسمها جهات عديدة، بما فيها "هيئة تحرير الشام"، لكن المنطقة يجب أن تصبح منزوعة السلاح وأن تتم المحافظة على الإدارة الذاتية للسكان المحليين. ووافقت أنقرة على عدم عرقلة ذلك، وسحبت من جنوب إدلب المجموعات المؤيدة لها، ولهذا يرى مدراسوف، أن روسيا بوسعها الآن "ألا تقف في وجه الأتراك في عفرين".

ويضيف المحلل الروسي، أن دمشق كان بودها لو تستدعي تركيا أكثر ما يمكن من الفصائل المعارضة في إدلب لمقاتلتها في عفرين، مما يسمح لدمشق باحتلال أكثر ما يمكن من الأراضي في إدلب لضمها إلى منطقة خفض التوتر. إن مثل هذا السيناريو قد استخدم منذ سنة مضت في حلب الشرقية، حيث سحب الأتراك من هناك آلافاً من المقاتلين، مما أضعف بشدة دفاعات المدينة.

لكن ستانسلاف إيفانوف، كبير الباحثين في معهد الدبلوماسية الروسي، وكما تنقل عنه صحيفة "فزغلياد"، يشكك في أن توافق موسكو على مقايضة ما مع أنقرة  بشأن الموقف حول عفرين، بل على العكس "روسيا تصر على أن يكون الأكراد مشاركين متساويين في مفاوضات السلام في أستانة وجنيف. ولذا لا أعتقد أن روسيا سوف تتخلى عن الأكراد".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها