الإثنين 2017/08/07

آخر تحديث: 11:00 (بيروت)

حسن صوفان ودولة "أحرار الشام" العميقة

الإثنين 2017/08/07
حسن صوفان ودولة "أحرار الشام" العميقة
هل تكون البداية من إعادة ترتيب البيت الداخلي، أم في التغلب على الظروف الخارجية؟ (انترنت)
increase حجم الخط decrease
على عكس ما بدا عليه لحظة خروجه من السجن، يقف القائد الجديد لـ"حركة أحرار الشام الإسلامية" حسن صوفان، ممتلئ الوجه، قوي البنية، في آخر صورة له.

صوفان الذي كان آخر رجالات التيار الإسلامي السوري المعارض الخارجين من معتقل صيدنايا الشهير، والذي غادره بعد اثنتي عشرة سنة من الاعتقال، نتيجة عملية تبادل أجرتها "أحرار الشام" مع النظام مطلع العام 2017، كانت "الحركة" تعول عليه كثيراً في أن يلعب دوراً بعملية رأب الصدع فيها ومنع الانشقاقات عنها.

لكن "أبو البراء"، أو "شادي المهدي" (الاسم الذي اختاره لنفسه في مواقع التواصل الاجتماعي)، وجد نفسه في أصعب المراحل التي عاشتها "حركة أحرار الشام" على الإطلاق، والتي انتهت أخيراً بما يشبه الانهيار تحت الضربات التي تلقتها في تموز/يوليو على يد "هيئة تحرير الشام".

وحتى مع تعيينه رئيساً لمجلس شورى "أحرار الشام"، المنصب الذي لم يكن موجوداً قبل ذلك، وقع ما كان منتظراً، فغادرت كتلة "جيش الأحرار" التي كانت تشكل أحد فريقي الخلاف في "الحركة" بعد أيام من تعيينه، لتنضم إلى "هيئة تحرير الشام". وذلك، قبل أن يتم عزل أهم رموز فريق "المكتب السياسي" من مناصبهم؛ منير السيال وأحمد قره علي وغيرهم، الذين خاضوا أشرس الصدامات مع الفريق الأول، بقيادة كل من أبي جابر الشيخ وأبو صالح الطحان وأبو محمد الصادق، على مدار العامين السابقين. وبدا للكثيرين أن صوفان لعب دوراً حاسماً في عزل "المكتب السياسي"، وذلك في ضوء انتقاده العلني لبعض تصريحاتهم في تلك الفترة.

نقطة يستعيدها البعض اليوم للتأكيد على أن القائد الجديد لـ"الحركة"، ساهم أيضاً في ما آلت إليه اليوم. فصوفان المولد في اللاذقية عام 1979، لعائلة سلفية عريقة في المدينة، والذي درس الاقتصاد في جامعة تشرين، كان قد التحق بجامعة الملك عبد العزيز في السعودية لتحصيل العلوم الشرعية، وعاد إلى سوريا عام 2004، بعد عام ونصف العام قضاها في سجون المملكة بتهمة التواصل مع تنظيم "القاعدة"، حيث تسلمته سلطات النظام وحكمت عليه عام 2009 بالمؤبد. صوفان عاش أيضاً جدالات وحرب أفكار تيارات الحركة الإسلامية في صيدنايا، والتي كانت أهم محطاتها حادثة الاستعصاء المشهودة عام 2008، ويسجل له قيادة فريق التفاوض مع سلطات السجن، المفاوضات التي منعت وقوع مجزرة كبيرة، على عكس رغبة التيار السلفي الجهادي الأكثر تشدداً.

جزء مهم من رواية حافلة، جعلته وعلى الدوام محط أنظار "حركة أحرار الشام"، التي سعت وباستمرار لإطلاق سراحه، حيث اُعتبر منذ التأسيس واحداً منها، وشخصية لا بد من الاستفادة منها فكرياً في أي وقت، إلى الحد الذي وصفه فيه مسؤول ملف الأسرى في "أحرار الشام" لحظة نجاح صفقة إخراجه من السجن، بأنه "من وزن ومستوى أبو مصعب السوري"، الشخصية التي عرفت على نطاق واسع في تسعينيات القرن الماضي، مع الفلسطيني عبدالله عزام، بأشهر دعاة الإصلاح في التيار السلفي الجهادي.

لكن تصريحات حسن صوفان ضد تيار "المكتب السياسي" في آذار/مارس 2017، ومن ثم اقالة أهم رموز هذا المكتب، الذي كان قد حقق لـ"الحركة" حضوراً نوعياً على المستوى الخارجي، هو نقطة يرى فيها البعض مؤشراً مسبقاً على الفشل مستقبلاً، أو على الأقل، كما رأى آخرون، أنها أحد تجليات عدم انعتاق صوفان بعد من آثار السجن الطويل ورواسبه الفكرية، والتي تحتاج لسنوات حتى يتم التخلص منها، بدليل اعترافات القادة السابقين الذين أسسوا معظم الفصائل الاسلامية بعد خروجهم من السجن خلال العام الأول من الثورة 2011 بـ"عفو رئاسي"، بتأثرهم بهذه الحالة. وبالتالي، فقد كان خاطئاً، حسب هذا الرأي، منح الرجل مناصب بهذا المستوى، الأمر الذي لن تكون نتائجه إلا اندثار ما تبقى من "الحركة"، لا انقاذها.

المدافعون عن اختيار الشيخ حسن كقائد لـ"حركة أحرار الشام"، يرون أنه يمثل رجل المرحلة وأفضل الخيارات اليوم، خاصة بعد ظهوره القوي إعلامياً وميدانياً خلال المواجهات الأخيرة مع "هيئة تحرير الشام" حيث قاد بنفسه قوات من "الحركة" ميدانياً خلال المعركة. كما أن كلمته التي ألقاها مع بداية المواجهات، كانت من القوة والصراحة تجاه "الهيئة" ما يؤكد كفاية، حسب هؤلاء، على التزامه بموقف "أحرار الشام" الذي تأسس مع مراجعات قادتها الراحلين، وما بني عليها.

ومقابل بعض التصريحات التي تؤخذ عليه هنا وهناك، ومقابل أيضاً عزل بعض رموز الإصلاح من مناصبهم خلال ترؤسه مجلس شورى "الحركة"، يشير أنصار قائد "أحرار الشام" الجديد، إلى القرارات المفصلية الكبيرة التي اتخذتها "الحركة" خلال الفترة نفسها، وعلى رأسها اعتماد "القانون العربي الموحد" في محاكمها، وتبني علم الثورة بعد سنوات من الجدل، والعمل كذلك على مشروع الإدارة الذاتية للمناطق المحررة، وغيرها مما يكفي للتأكيد على أنه خيار سليم.

لكن هذه المقارنات والموازنات الثنائية، ما بين السلبي والإيجابي في مسيرة "الحركة" ومواقف رجالاتها منذ التأسيس إلى اليوم، ومحاولات توظيف هذه الثنائيات من أجل استمرار تقديم "الحركة" كمعقل وسطي، لم يكن سوى الخطأ الأكبر الذي يكاد يجهز عليها اليوم حسب الكثيرين، ولعل في تعليق الداعية المعروف والمقرب من "أحرار الشام" أبو بصر الطرطوسي، في هذا الصدد، والذي يقول فيه: "إن الأحرار أرادوا أن يمسكوا العصا من الوسط، وأن لا يخسروا شيئاً، فخسروا كل شيء"، ما يؤكد ذلك.

لكن إذا كان الطرطوسي يريد لوم قيادة "الحركة" على التأخر الدائم في اتخاذ المواقف الحاسمة، أو التعامل ببراغماتية مع القضايا التي جاوزت قدرتها على التحكم حتى تراكمت وخنقتها، فإن القاضي السابق في "أحرار الشام" أيمن هاروش، يذهب في تحديد المسؤوليات إلى نقطة متقدمة جداً.

هاروش وفي إحدى تغريداته الأخيرة في "تويتر"، اعتبر أن "الدولة العميقة في الأحرار"، هي السبب في فشل القائدين السابقين لـ"الحركة"، مهند المصري وعلي العمر، مشيراً إلى أن خليفتهما الحالي لن يكون مستقبله أفضل ما لم يضع حداً لها.

ولا يبدو استخدام هذا المصطلح "القيادة العميقة في حركة أحرار الشام" صادماً من قبل هاروش، بقدر ما تبدو دعوته لصوفان من أجل التخلص منها غير مفهومة، على الأقل، لطيف واسع من المراقبين، الذين يتساءلون عن أي سبب آخر أوصل صوفان نفسه إلى هذا الموقع، لولا دعم هذه القوة العميقة له!

فإن يتم استحداث منصب خاص به ورفيع في "الحركة" فور خروجه من السجن "رئيس مجلس الشورى" وأن تطلق يده في مفاصلها بعد ذلك، وأن يتم اختياره كقائد لها بعد أقل من ثمانية أشهر على خروجه من السجن، كل ذلك هل كان سيحدث، بنظر هؤلاء، لولا الاجماع عليه من قبل من يقف خلف "الحركة" ويوجهها، خاصة وأنه الرجل المقرب لآخر من تبقى من مؤسسي "أحرار الشام" منذ أيام السجن، وتحديداً أبو العباس التوت، الذي يعرف بأنه الأب الروحي لـ"الحركة". هذا عدا عم كون صوفان صهر أحد أبرز قادتها الراحلين، محب الدين الشامي، الأمر الذي لا يعني أخيراً سوى استمرار سيطرة هذه القوة العميقة، رغم كل ما جرى، وبالتالي فهم يرون في اختياره رئيساً لـ"الأحرار"، بأنه يمثل دق آخر إسفين في نعش "الحركة"!

لكن من يعقدون الآمال على حسن صوفان، يرون أن القائد الجديد لـ"حركة أحرار الشام"، وعلى عكس الثلاثة الذين سبقوه، بدءاً بهاشم الشيخ، مروراً بمهند المصري، وانتهاء بعلي العمر، يمتلك من قوة الشخصية والحزم، ما يكفي لفرض سيطرته والقيام بدوره على أكمل وجه، من إعادة تجميع صفوف "الحركة"، وبث الروح فيها، ناهيك عن الكاريزما التي يتمتع بها، والهالة التي منحته إياها رفقته للقادة المؤسسين في المعتقل، إلى جانب رؤيته الشرعية والسياسية الحاضرة، على عكس أسلافه الثلاثة.

لكن عملية انعاش "الحركة" التي تعاني اليوم ما الكثير، لا تبدو مهمة سهلة أياً كان قائدها، فالمشكلة لا تتعلق بمنصب أو تيار أو مرجعية، بل بواقع معقد على الأرض أيضاً، وهو الأهم، حيث انحسرت قواتها في منطقة رئيسية هي سهل الغاب في ريف حماة، مع بقاء جيوب لها شبه محاصرة، في مدينة تفتناز وبعض قرى جبل الزاوية في ريف إدلب، وعدد محدود من المقاتلين في الغوطة والقلمون وحوران. الأمر الذي يحرم "أحرار الشام" من امتدادها الواسع الذي تمتعت به على الدوام.

وإلى جانب خسارتها للجزء الأكبر من قواتها وعتادها، لا يمكن اغفال خسارة "الحركة" لمواردها المالية، الأمر الذي سيعيق بلا شك عملية إعادة بنائها المنشودة، والتي تتطلب الكثير على هذا الصعيد، عكس ما يرى البعض من المتفائلين بأنه يمكن استلهام تجربة تأسيس "الحركة" التي بدأت من نقطة الصفر، لكن اختلاف الظروف ما بين لحظات الصعود والانحدار، لا يمكن تجاوزها بمجرد التفاؤل فقط.

زد على ذلك أن القيادة الجديدة لـ"الحركة"، وحتى قواها العميقة إن صح التعبير، ستجد نفسها وهي تعيد بناء الفصيل أمام جبهتين للعمل، ليس واضحاً أيهما أولى من الآخر. فهل تكون البداية من إعادة ترتيب البيت الداخلي، أم في التغلب على الظروف الخارجية، التي لا تتوقف فقط على انكماشها على الأرض، بل وتمتد، وهذا الأهم، على خروج "أحرار الشام" وبشكل كبير، من الحسابات، بعد أن كانت دائماً اللاعب الأقوى بين فصائل المعارضة!

لا يتوقف الأمر إذاً عند اسم القائد الجديد أو خلفيته اليوم بالنسبة لـ"حركة أحرار الشام" في هذه المرحلة شديدة الصعوبة، على أهمية ذلك. ومهما كانت ميزات هذا القائد أو سلبياته، فإن المسألة التي تواجهها "أحرار الشام"، أعقد بكثير من الحديث عن شخص أو أشخاص، بانتظار ما ستتمخض عنه فترة اعتكاف قادتها اليوم في النهاية، وكم ستطول هذه الفترة أيضاً؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها