الأحد 2017/08/27

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

هل ستوقف فصائل "درع الفرات" عمليات التهريب؟

الأحد 2017/08/27
هل ستوقف فصائل "درع الفرات" عمليات التهريب؟
تتصدر "الجبهة الشامية" قائمة المستفيدين من عائدات المعابر نظراً لحجم الواردات والصادرات (انترنت)
increase حجم الخط decrease
بعد شهر تقريباً من سيطرة فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا على مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، أعلنت تركيا نهاية عملية "درع الفرات" في 29 أذار/مارس 2017، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الفصائل المسلحة التنافس على النفوذ ومصادر التمويل الذاتي بطرق مختلفة، بعدما انقطع عنها جزء كبير من الدعم الذي كانت تحصل عليه أثناء العملية العسكرية ضد تنظيم "الدولة".

وبعد انتهاء العمليات العسكرية في المنطقة تقاسمت فصائل المعارضة المسلحة القرى والبلدات المستعادة من سيطرة التنظيم، وأقام كل فصيل حواجز عسكرية على مداخل ومخارج البلدات. وكانت الحواجز أكثر انتشاراً على طرق المواصلات الرئيسية التي تربط المدن الأكبر في منطقة "درع الفرات" في ريف حلب: الباب وجرابلس وإعزاز والراعي ومارع.

شكّلت هذه الحواجز مصادر دعم مالي لكثير من الفصائل التي استغلتها لفرض ضرائب على مرور سيارات نقل البضائع التجارية المتوجهة إلى الداخل السوري، من منطقة "درع الفرات". الأمر الذي تسبب بخلافات بين الفصائل المسلحة، لأن هذه الحواجز في معظمها عملت بشكل فردي من دون الرجوع إلى قياداتها، التي من المفترض أنها تمنع هذا النوع من الاستغلال.

الفصائل المسلحة الأكثر حظاً هي تلك التي توسعت في المناطق القريبة من المعابر التي تصل منطقة "درع الفرات" بمناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية في منطقتي منبج شمال شرقي حلب، وعفرين شمال غربي حلب. وتعتبر كل من "فرقة السلطان مراد" و"الجبهة الشامية" و"فيلق الشام"، الفصائل الأكبر في المنطقة، وهي التي تهيمن على معظم عائدات المعابر البينية بين مناطق "درع الفرات" و"الوحدات" في ريف حلب.

وتستفيد تلك الفصائل كذلك من هيمنتها على المعابر الحدودية مع تركيا؛ الراعي وجرابلس والسلامة، وإن كان بنسب متفاوتة. وتتصدر "الجبهة الشامية" قائمة المستفيدين من عائدات المعابر نظراً لحجم الواردات والصادرات التي تتحكم بمرورها في معبري عفرين والسلامة، على الرغم من المحاولات المبذولة لتوزيع الحركة التجارية على أكثر من معبر. كذلك لا تستفيد الفصائل الأخرى من وارادت معبري جرابلس والراعي، كما يحصل في معبر السلامة الذي تسيطر عليها "الجبهة الشامية". إذ تم تخصيص قسم كبير من عائدات المعابر الأخرى لصالح "المجالس المحلية" في الراعي وجرابلس وريفهما، ويتم توزيع قسم صغير على الفصائل التي تحمي هذه المعابر.

في ظل هذا التقاسم لمصادر الثروة والدعم الذاتي، التي حرصت الفصائل الكبرى على الحفاظ عليها، نشأ قطاع آخر من المعابر غير الشرعية، ونشطت عمليات التهريب من منطقة "درع الفرات" باتجاه مناطق "الوحدات" في ريف حلب، على طرفي المنطقة؛ غرباً باتجاه عفرين أو شرقاً باتجاه منطقة منبج. وفي 13 نيسان/ أبريل 2017 نشب اقتتال بين "الجبهة الشامية" و"لواء السلطان سليمان شاه" الذي يقوده "أبو عمشة"، وقالت "الشامية" حينها إن الهدف هو وقف عمليات التهريب في المنطقة القريبة من نهر الساجور، التي تفصل "درع الفرات" عن "الوحدات" في ريف منبج. وأضافت "الشامية" أنه في الآونة الأخيرة تصاعدت عمليات التهريب باتجاه مناطق سيطرة "الوحدات" ووصل الأمر إلى تهريب أسلحة وذخائر، وعمليات ابتزاز ونهب للمدنيين، و"مع الأسف فقد تورط في هذه العمليات بعض المحسوبين على الجيش الحر، المرابطين في تلك المناطق"، وذلك بحسب تصريحات نسبت لقائد في "الشامية".

وتُتهَمُ الفصائل المتوزعة على جبهات القتال مع "وحدات الحماية" غربي مدينة اعزاز بعمليات التهريب، وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة للحد من هذه الظاهرة ومراقبة الطرق المؤدية إلى مناطق "الوحدات" عبر نشر حواجز للشرطة والأمن العام، وتسيير دوريات منتظمة، إلا أنها لم تنجح في منع التهريب بشكل كامل.

وامتد الاقتتال بين فصائل المعارضة في كثير من الأحيان إلى جرابلس والباب وغيرها من المدن والبلدات التي تنتشر فيها. في منتصف أيار/مايو 2017 نشب اقتتال بين "المؤسسة الأمنية" التابعة لـ"فيلق الشام" في جرابلس مع مقاتلين تابعين لعشيرة الشعيطات. وأكد قادة من "الفيلق" أن القتال كان بسبب وجود الحواجز والمعابر وطرق التهريب والتي اعتبروها بنوكاً متنقلة. وتجددت الخلافات منتصف آب/أغسطس، في جرابلس، وخرجت مظاهرات طالبت بخروج مقاتلي "أسود الشرقية" من المدينة.

وشهدت مدينة الباب اقتتالاً بين الفصائل المتمركزة في المدينة أكثر من مرة، وسقط قتلى وجرحى في كثير من الحالات. وفي 23 آب/أغسطس، أعلنت غرفة عمليات "حوار كلس" إطلاقَ حملة بالتعاون مع المؤسسات الأمنية لمكافحة الفاسدين في منطقة "درع الفرات"، في ريف حلب الشمالي. وأوضح بيان غرفة العمليات أن هذه الحملة جاءت تلبية  لدعوة الأهالي لتخليصهم من الفاسدين، وحفاظاً على قيم الثورة في العدالة والكرامة والحرية، وذلك باعتبارها "المرجعية الثورية العليا" في منطقة "درع الفرات". وأشار البيان إلى أن حملة لمكافحة الفساد ستكون بالتعاون مع المؤسسات الأمنية في المدن، وستشمل كافة مناطق "درع الفرات" في حلب، على أن تبدأ في مدينة الباب وريفها. وطالبت الغرفة جميع الفصائل العسكرية بتنفيذ القرارات، وتسليم المطلوبين. ويقع تحت طائلة المحاسبة من يتهاون، مشيرةً إلى أن هدف الحملة هو إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة.

وبعد يوم واحد على إطلاق عملية مكافحة التهريب والفساد في منطقة "درع الفرات" أعلنت غرفة عمليات "حوار كلس" عن تشكيل محكمة عسكرية عليا، مقرها مدينة الراعي، مشيرة إلى أن "قراراتها ملزمة لجميع فصائل المعارضة، وأن هذه الخطوة استكمال لحملة مكافحة الفساد التي تم الإعلان عنها، وناشدت الأهالي مراجعةَ المحكمة للمطالبة بحقوقهم، أو التواصل للإدلاء بشهادتهم التي ستبقى سرية منعاً لإحراجهم".

وهذه المبادرة أشبه ما تكون بعملية "تطهير ذاتي" تقوم بها فصائل المعارضة في منطقة "درع الفرات" برضا القوات التركية، وذلك بعدما فشلت كل المحاولات التي قامت بها الشرطة والأمن العام لضبط التهريب ومكافحة عمليات السرقة والنهب، والاتجار بالمواد المخدرة، وقطع الطرق التي تقوم بها مجموعات مسلحة تدعي انتمائها للفصائل العاملة في المنطقة وتتنافس في ما بينها على مصادر التمويل غير الشرعي.

الشرطة والأمن العام في منطقة "درع الفرات" لم تتمكن حتى الآن من فرض نفسها كقوة يحسب لها حساب، والجهود الرامية إلى تمكينها مستمرة، إذ تم تسليمها أكثر من 50 في المئة من الحواجز المنتشرة على مداخل المدن الرئيسية. كذلك، تتمركز أعداد كبيرة من عناصر الشرطة في المدن الكبيرة ومن بينها الباب التي يتجاوز عدد عناصر الشرطة فيها 1500 عنصر. وعلى الرغم من وجود هذا العدد الكبير ما تزال الشرطة غير قادرة على ضبط الأمن، والحد من السرقة، والاتجار بالمواد المخدرة والقضاء على العصابات التي تشهد تزايداً في أعدادها في الآونة الأخيرة بعدما أصبحت المدينة جاذبة للمدنيين من مختلف المناطق وأصبحت بذلك تأوي خليطاً سكانياً ينتشر في أوساطه مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. ويُسجّلُ في الباب يومياً حالات سرقة لدراجات نارية وسيارات، وحوادث اقتتال ومشاجرات بين مدنيين وعناصر تابعين لفصائل المعارضة.

يؤكد مصدر عسكري، لـ"المدن"، أن حملة مكافحة الفساد التي أطلقتها غرفة عمليات "حوار كيليس"، غير جادة، وسيكون مصيرها كسابقاتها التي ترافقت بسلسلة من البيانات والوعود ولم تحقق الأهداف العريضة التي انطلقت من أجلها. ففي كل مرة تنطلق هذه المبادرات وبمجرد أن تحقق هدفها غير المعلن تتوقف، وفي الغالب يكون هذا الهدف هو القضاء على مجموعات غير مطيعة تنافس الآخرين على مصادر الدعم المحلي. وتبقى الأهداف المعلنة في الحملة عناوين الحملات القادمة، ويبقى بذلك التهريب والفساد والسرقة والاتجار بالمواد المخدرة، سارياً وبوتيرة أعلى مما سبق.

ويوضح المصدر أنه في الحالة التي تعيشها منطقة "درع الفرات" في ريف حلب، لا بد من تمكين الشرطة والأمن العام، وقوات الكوماندوس التي تم تدريبها في تركيا. فالأعداد المنتشرة في المنطقة كافية لكي تثبت وجودها، وهنا لا بد من دعم جدي من الطرف التركي لدفع مختلف القطاعات إلى احترام دور الشرطة في حفظ الأمن وضبط المنطقة في مختلف النواحي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها