الإثنين 2017/08/21

آخر تحديث: 13:49 (بيروت)

"أحرار الشام" ولعبة التوازنات: إعادة هيكلية لا إعادة بناء

الإثنين 2017/08/21
"أحرار الشام" ولعبة التوازنات: إعادة هيكلية لا إعادة بناء
هل هي سلفية جهادية، أم إسلامية وطنية، أم حركة ثورية عسكرية؟ (انترنت)
increase حجم الخط decrease
على الرغم من أنها كانت مرتقبة وعلى نطاق واسع، إلا أن التعيينات الجديدة التي أجرتها "حركة أحرار الشام الإسلامية" على مستوى القيادة فيها، جاءت مخيبة لآمال الكثيرين ممن انتظروا تغييرات كبيرة وأكثر جرأة. ويأتي ذلك بعد الكلمة القوية التي ألقاها قائد "الحركة" الجديد حسن صوفان، عقب توليه منصبه في الأول من آب/اغسطس، والتي أقر فيها بالأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها "الحركة"، ووعوده بالقيام بإصلاحات واسعة لاعادة بنائها من جديد، عقب انهيارها شبه الكامل أمام الهجوم الذي شنته عليها "هيئة تحرير الشام" منتصف تموز/يوليو.

لكن الآمال التي أحياها خطاب صوفان، والترقب الذي أيقظته وعوده، اصطدمت بالقرارات الأربعة الأولى التي وقع عليها قائد "الحركة" الجديد كأولى خطوات إعادة الهيكلة، التي لم تتعدَ، من وجهة نظر الكثيرين، سوى تغييرات شكلية. فالشخصيات التي اختارها لشغل مواقع حساسة في قيادة "الحركة" لم تكن إلا جزءاً من هذه القيادة ومطبخ صناعة القرار فيها، ناهيك عن الصدمة التي خلّفتها إعادة تعويم بعض الأسماء المثيرة للجدل.

أبرز هذه الشخصيات بالطبع، هو كنان النحاس "أبو عزام الأنصاري"، الذي تمت تسميته رئيساً للجناح السياسي في "الحركة" خلفاً للمهندس مهند المصري. وبرز النحاس منذ سنوات كأحد القادة المهمين في "أحرار الشام"، وكان مسؤولاً عن العديد من الملفات السياسية فيها، وآخرها ملف المناطق المحاصرة جنوبي سوريا، ما منحه فرصة الاضطلاع بالمفاوضات مع النظام وحلفائه، إن كان بشكل مباشر، أو عن طريق حلفاء "الحركة" الإقليميين، والتي كان آخرها "اتفاق المدن الأربع" بين "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" من جهة، و"حركة أحرار الشام" و"جبهة فتح الشام" من جهة ثانية.

ولئن راكمت هذه التجارب خبرة سياسية معتبرة لدى النحاس، وبما يكفي، من وجهة نظر من اختاره، ليكون مسؤول الجناح السياسي لـ"الحركة"، على أمل الاستفادة فعلاً من هذه الخبرة في استمرار وتطوير علاقاتها الخارجية، خاصة مع تركيا، وكذلك استثمار علاقاته الجيدة مع قوى "الجيش الحر" والمعارضة السياسية، فإن المنتقدين لقرار تعيينه في هذا المنصب، يرون أن هذا القرار لا يقضي فقط على الآمال بضخ دماء وروح جديدة في الحركة، بل ويؤكد استمرار "أحرار الشام" الغريب، في تبنى الموازنات القاتلة التي كادت أن تجهز عليها.

ما ينطبق على الجناح السياسي، ينطبق أيضاً على الجناح العسكري، الذي أصبح اليوم بعهدة أبو عدنان زبداني، الذي يعتبر أول قيادي في "الحركة" على هذا المستوى من منطقة القلمون، وربما هذا هو الشيء الوحيد اللافت في قرار تعيينه.

وباستثناء ذلك، فإن أبو عدنان لعب هو الآخر، مثل أبو عزام الأنصاري، أدواراً مهمة في مسيرة "الحركة" خلال السنوات السابقة، حين كان قائداً لـ"كتائب الحمزة" العاملة في مدينة الزبداني في ريف دمشق، والتي خرجت إلى الشمال السوري، عقب "اتفاق المدن الأربع".
نقطة يراها البعض قوية بما يكفي للتحفظ على قرار تعيينه في منصب القائد العسكري، بينما يذكر البعض ذلك باعتباره محطة تحسب له، حيث كانت قوات "أحرار الشام" في الزبداني العمود الفقري لقوى المعارضة العسكرية التي صمدت في هذه المدينة لوقت طويل أمام قوات "حزب الله" والنظام.

لكن الخبرة العسكرية لا تمثل وحدها معيار الحكم اليوم، إذ يُركّزُ الجميع على الخلفية الفكرية والتوجه الإيديولوجي للشخصيات الأربع التي تمت تسميتها مؤخراً. فمقابل "أبو عزام" القادم من "التيار الثوري" في "الحركة"، إن جاز القول، فإن "أبو عدنان زبداني" يعرف بأنه من المتمسكين بالتيار السلفي الجهادي، وهذا ما جعله أقرب سابقاً إلى فريق "جيش الأحرار"، المنشق عن "الحركة" والمنضم لـ"هيئة تحرير الشام"، والذي خاض مع الفريق الأول صراعات مريرة خلال العامين اللذين سبقا الانشقاق.

لكن بقدر ما يشكل ذلك مؤشراً سلبياً لدى الكثيرين، ممن يؤكدون أن المخرج الوحيد المتبقى لـ"الحركة"، هو القطع مع الماضي الذي يقول قادتها إنه كان مليئاً بالأخطاء، ويرون اليوم أن "أحرار الشام" تتجه مع قائدها الجديد، صوفان، نحو المزيد من النكوص إلى الخلف، عبر تعيين "أبو عدنان زبداني" في هذا المنصب الحساس، بقدر ما يشكل لدى آخرين مؤشراً على سعى قائد "الحركة" والذين من خلفه، لاعادة الجزء الأكبر من "جيش الأحرار"، بقيادة "أبو صالح الطحان" إلى "الحركة"، خاصة مع ما يشاع عن استمرار الخلافات بين هذه الكتلة وبين قيادة "هيئة تحرير الشام". ويرتبط زبداني بعلاقة قوية مع الطحان، الذي كان يشغل سابقاً منصب القائد العسكري في "الحركة".

فرضية اللعب على التوازنات، تتأكد أكثر عند الوصول إلى الاسم الثالث في سلسلة التعيينات الجديدة في قيادة "حركة أحرار الشام"، وهو علاء فحام "أبو العز"، الذي تمت تسميته نائباً لقائد "الحركة".

الفحام، وهو ابن مدينة أريحا في ريف إدلب، والذي كان يشغل منصب قائد "لواء العباس"، أحد أهم التشكيلات العسكرية في "الحركة"، يُعرف بأنه من "التيار الثوري"، وأكثر ما يحسب له على هذا الصعيد هو رفضه الانشقاق عن "الحركة" في بداية العام 2017، رغم كل الضغوط والإغراءات التي استهدفته، بالتزامن مع انشقاق "جيش الأحرار" وتشكيل "هيئة تحرير الشام".

كما أن "الفحام" كان من أشد مهاجمي قادة هذه الكتلة بسبب انشقاقهم عن "الحركة"، إضافة إلى عدم تردده في انتقاد "هيئة تحرير الشام" حتى قبل هجومها على "أحرار الشام"، كما خاض "لواء العباس" قبل ذلك وأكثر من مرة مواجهات مع "لواء جند الأقصى" في أريحا. إلا أن ما يؤخذ على "الفحام" هو ضعف خبرته القيادية، ناهيك عن عدم توفر مراكز ثقل داخل "الحركة" تدعمه، الأمر الذي جعل البعض يعتقد بأن اختياره لهذا المنصب كان شكلياً، من أجل التأكيد على استمرار تمثيل "التيار الثوري" في "أحرار الشام".

لكن "أبو العز" يبقى مع ذلك الوجه الوحيد الشاب والجديد بين الاسماء الأربعة التي تمت ترقية أصحابها إلى مناصب متقدمة في "الحركة"، إذ يعتبر "أبو علي الساحل" أو "أبو علي الشيخ"، وهو آخر من شملتهم التغييرات الجديدة، وتم تعيينه أمين سر قيادة "الحركة"، وجهاً معروفاً من قبل بين قادة "أحرار الشام"، وشغل خلال الفترة الماضية منصب عضو "مجلس الشورى" فيها. إلا أن أكثر ما يعرف به الرجل للرأي العام خلال شغله لذلك المنصب، أنه كان أحد أعضاء فريق هاشم الشيخ "أبو جابر" في المواجهة مع فريق الإصلاح داخل "الحركة".

وأكثر من ذلك، فإن اسمه مرتبط وبقوة باسم "أبي خزيمة الفلسطيني"، أحد أكثر قيادات "أحرار الشام" الأمنية سطوة في مواجهة فريق الإصلاح، على الرغم من أن الاثنين لم يرافقا بقية أعضاء "مجلس الشورى" الذين مثّلوا كتلة "جيش الأحرار" في انتقالهم إلى "هيئة تحرير الشام" عشية تشكيلها.

توليفة تعزز بلا شك فرضية سعي حسن صوفان، قائد "الحركة" المعين للتو، من أجل إعادة لم شمل "أحرار الشام" الذي انفرط أو يكاد، وليس إعادة بناء "الحركة" وفق قواعد جديدة.

فشخصية من "التيار الثوري" هنا، يعول عليها في طمأنة هذا التيار داخل "الحركة" وتمتين جسور التواصل مع قوى الثورة و"الجيش الحر". وشخصية من التيار الجهادي هناك، تؤكد استمرار انتماء "أحرار الشام" لهذا التيار، وثالثة من أجل استمرار العلاقات الخارجية التي أنجزتها "الحركة" سابقاً، ورابعة تستطيع استقطاب من غادروا "الحركة" إلى "هيئة تحرير الشام" مجدداً، يبدو تجميعها في مكان واحد وفي التوقيت ذاته، وسيلة وغاية في الوقت نفسه بالنسبة لصوفان، ويدعم خطته من أجل لملمة شتات "الأحرار" من جديد.

هدف ووسيلة لا يبدوان مبشرين، بالنسبة للكثيرين، وبينهم محبون لـ"الحركة" ومؤيدون لها، ممن كانوا يعتقدون أن على القيادة الجديدة لـ"أحرار الشام" أن تحول الكارثة التي حلت بها، إلى فرصة للقطع مع كل الإرث الذي أثقل كاهل خطواتها على طريق الإصلاح، الذي ما فتىء قادتها المتعاقبون يقولون إن "أحرار الشام" تسعى له، وأن تجعل من هذه الضربة المزلزلة التي تعرضت لها، لحظة قطع مع الأفكار والأشخاص الذين أعاقوا، أو تعمدوا عرقلة هذه الإصلاحات، والسير بسرعة أكبر باتجاه مشروع الثورة، حتى وإن أرادت الاحتفاظ بهوية إيديولوجية متمايزة.

وإذا كان هؤلاء قد تلقوا الصفعة الأولى لآمالهم تلك مع تعيين حسن صوفان قائداً لـ"لحركة"، وإذا كانت بعض هذه الآمال قد انتعشت بعد خطابه الأول، عقب تعينه في منصبه، وإقراره بما ارتكبته "أحرار الشام" من أخطاء، فإنهم اليوم يرون أن التعيينات الأخيرة قد قضت وبشكل نهائي على هذه الآمال، وأعادت "أحرار الشام" مجدداً إلى سؤال الهوية الذي ظل يلاحقها على الدوام: هل هي سلفية جهادية، أم إسلامية وطنية، أم حركة ثورية عسكرية؟ السؤال الذي تاه بسببه المنتمون إليها والمعولون عليها أيضاً، والذي لا يبدو أن "أحرار الشام" قادرة على العيش من دونه!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها