الثلاثاء 2017/08/01

آخر تحديث: 12:52 (بيروت)

هزيمة الثورة والنظام: لا قضية وطنية سورية

الثلاثاء 2017/08/01
هزيمة الثورة والنظام: لا قضية وطنية سورية
انتصار النظام، إن تحقق، لن يكون انتصاراً لمشروع ينقل السوريين من البؤس إلى الرخاء (Getty)
increase حجم الخط decrease

بعد ست سنوات من الحرب والثورة، لا يبدو أن قضية وطنية سورية قد تشكلت، في ظل اتخاذ الصراع شكله الهوياتي المتصلّب القائم على "حتمية" انتصار إحدى الجماعات "المختارة" المدعومة إلهياً، وإفناء الآخرين. المستوى المحلي من الصراع لم يتمخض عن مقاربة كلية، لا من قبل النظام ولا المعارضة، للمسألة السورية، تتضمن إجابات وتصورات لمستقبل البلاد. وهذا، إن كان خللاً بنيوياً لازَمَ شرعية النظام منذ تسلمه السلطة، فقد رافقَ الثورة السورية منذ انطلاقها في آذار/مارس 2011، وسهّل عملية كسرها واحتوائها من قبل النظام وحلفائه، وحرفها عن مسارها من قبل جماعات الإسلاميين المتنازعة.

انتصار حلفاء النظام المعمّد بموت السوريين، يبدو حالياً غير قابل للعكس، في ظل ميزان القوى العالمي الحالي، كما أن هزيمة المعارضة بدورها، لم تعد خافية. لكن انتصار حلفاء النظام ليس بالضرورة انتصاراً للنظام، ولا هزيمة المعارضة هزيمة للثورة. فلا النظام ولا المعارضة يملكان أي تصور أو مشروع لمستقبل البلاد إن بقيت موحده. الهزيمة هنا كالانتصار فارغة من المعنى، وحبلى بجولات جديدة من الاقتتال المستقبلي، ما دام الخروج من عنق زجاجة التاريخ متعذراً.

لذا، وعدا عن استحالة تشكيل مشروع مهيمن في حال انتصار أحد الأطراف، فلا أفق ممكناً لحل المسألة السورية بالتراضي، عبر إنجاز صفقة تاريخية على المستوى المحلي بصيغة لا غالب ولا مغلوب، تنتهي معها الحرب، ويتم فيها تقاسم المنافذ إلى الدولة، والتحاصص ضمن السلطة.

مع اندلاع الثورة، عمّت التظاهرات مختلف المناطق السورية، بما فيها غيتوهات الأقليات، مطالبة بتغيير النظام واسقاطه. لكن تعدد مشارب المنتفضين، وبطش النظام الحصري بالأكثرية السنّية الريفية، سرعان ما حرف الثورة إلى صراع هوياتي بين السنّة والعلويين. منذ تلك اللحظة، تمت استعادة "أحداث" الثمانينيات في الخطاب وفي الممارسة. العملية التي نجح النظام في توليدها، سرعان ما دفعت الأقليات إلى حضنه، وجعلت الأكثرية السنّية وحيدة ممزقة. العيب لدى المعارضة، ظهر انطلاقاً من تلك اللحظة، في تصدّر نخب إخوانية لقيادة الثورة، مع توسع تدريجي لقوى الاسلام الجهادي على يمينها، سرعان ما أزاحتها واحتلت كامل المشهد. الاستعانة بالنخب القديمة وخطابها، كما ظهر في تشكيل "الجبهة الإسلامية" مطلع الحرب الأهلية الراهنة، ثم دخول "القاعدة" عبر "جبهة النصرة"، ثم "الدولة الإسلامية"، مع كل تلاوين الطيف الإسلامي، حكمت على الثورة بتحولها إلى قضية لازَمَنية، يتوجب فيها انتصار الحق على الباطل والخير على الشر، بدعم إلهي. السردية ذاتها استخدمها النظام وحليفه الإيراني للدفاع عن المقدسات الشيعية، في انتظار ظهور المهدي.

هذا الانحراف الخطير في المعسكرين المتحاربين، جعل من سوريا مجرد ساحة من ساحات الصراع، لها خصوصيتها، لكنها غير كافية بحد ذاتها. أزمة المتطرفين الإسلاميين الرئيسية، السنّة منهم والشيعة، هي الطابع اللازَمَني لقضاياهم، وعدم مقاربتها لهموم حياة السوريين المعاصرة إلا من باب الغيب. أفضل قيمة قدمها الطرفان هي "الشهادة" كفضيلة وحيدة، للقاء وجه الله. بهذا المعنى، يبدو الصراع أزلياً، مشكلته الأساسية أن الله يخاطب الطرفين، ويمدهما بعونه، ويختبرهما، بالسوية نفسها، طيلة الوقت.

الأزمة عند الإسلاميين عموماً، تتمظهر في رفضهم قبول صراع محدود على الدولة، ينتهي بقلب الفئة المُسيطرة. الأمر يبدأ من عدم تشكيل خطاب جامع مهيمن، ضمن حرب مواقع في المجتمع السوري، تقنعه بإمكانية حدوث تغيير يؤثر في حياة الجميع بشكل إيجابي. العكس تماماً ما حدث، إذ تمكن "حلف الأقليات"، حلف الثورة السلبية أو المضادة، من استقطاب شرائح وفئات واسعة في المجتمع السوري، خوفاً من "التكفيريين"، لا قناعة بمشروعه. استعجال المنتفضين للهجوم على الدولة، قبل كسبهم موافقة عموم السوريين، ليس خطأ تكتيكياً، بل أزمة الإسلاميين، واستسهالهم الحرب على الدولة من دون التحضير لها، بالاستناد إلى مظلوميتهم التي طالت.

انتصار النظام بدوره، سيكون مجرد متنفس لبعض الوقت، قبل إندلاع انفجار جديد. الحالة الدورية لانتفاضات المجتمعات السورية ضد النظام، لا تنبع في عمقها من الصراع الهوياتي، بل من التهميش الهائل الذي تعيشه أكثرية السوريين. انتصار النظام، إن تحقق، لن يكون انتصاراً لمشروع ينقل السوريين من البؤس إلى الرخاء، بل سيكون مدخلاً جديداً لتكريس التمايز بين الناس، وغلبة لرجال أعمال وليبراليي النظام، المضطرين هذه المرة لتقاسم الموارد المحدودة، مع شركائهم الجدد في موسكو وطهران.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها