الأربعاء 2017/07/26

آخر تحديث: 21:58 (بيروت)

معركة إسرائيلية في الكونغرس

الأربعاء 2017/07/26
معركة إسرائيلية في الكونغرس
Getty ©
increase حجم الخط decrease

تشهد أروقة الكونغرس الأميركي، بعيداً عن ضوضاء التحقيق البرلماني في الملف الروسي، والمحاولات الجمهورية اليائسة لتعديل قانون الإصلاح الصحي، معركة مهمة لا تحظى بالإهتمام الإعلامي المناسب، على الرغم من النفوذ الكبير للأطراف المشاركة فيها، والحساسية المفرطة لموضوعها الذي يمس إسرائيل.

للمرة الأولى في التاريخ التشريعي الأميركي المعاصر، يتعرض مشروع قانون مؤيد لإسرائيل لمراجعة علنية وعدم تأييد بعض أعضاء الكونغرس، وبينهم من كان تقدم بالمشروع بادئ الأمر.

طرح مشروع القانون لجنة الشؤون الأميركية-الإسرائيلية (ايباك) التي وضعته في رأس جدول اعمالها التشريعي للعام الحالي، لتجريم حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية المنتجة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستوطنات، والدعوة الى عدم الاستثمار في الشركات المنخرطة في ذلك وفرض عقوبات عليها والمعروفة باسم (بي. دي. اس) وتجاهل قرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها التي تدين الاحتلال وتعتبره غير شرعي، وتبناه على الفور 237 عضواً من مجلس النواب، بينهم 63 ديموقراطياً، و43 من مجلس الشيوخ عند تقديمه رسمياً إلى مجلسي الكونغرس في آذار/مارس الماضي.

وينص مشروع القانون الذي يقضي بتعديل القانون المعمول به حالياً لحظر المقاطعة الاقتصادية على الدول الحليفة لأميركا، المعروف باسم قانون إدارة الصادرات الصادر عام 1979، على مواجهة قرارات الأمم المتحدة، وتحديداً قرارات المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وقرارات الإتحاد الأوروبي التي تعتبر الاراض التي استولت عليها إسرائيل في حرب حزيران 1967، اراض محتلة. كما ينص القرار على تحديد إسرائيل بالإسم عند ذكر الدول الحليفة، كذلك تجريم أي شخص او كيان اهلي او حكومي يسعى الى مقاطعة إسرائيل ومنتجاتها، أو حتى محاولة الحصول على معلومات من الحكومة الأميركية عن المنتجات الإسرائيلية بغرض مقاطعتها على أساس المنشأ، وتراوح العقوبة بموجب القانون بين 250 ألفاً ومليون دولار، وتعرض صاحبها للملاحقة القانونية التي قد تؤدي الى السجن لعشرين سنة.

الملفت أن القرار لم يواجه معارضة سياسية أو تشريعية تذكر. جاء الإعتراض من أعرق مؤسسة حقوقية في أميركا هي اتحاد الحريات المدنية الأميركي (آي. سي. إل. يو)، التي وجهت الأسبوع الماضي رسالة مفصلة إلى مجلسي الكونغرس تنبه فيها الى أن اللغة المستخدمة في مشروع القانون تتجاوز حدود الموقف السياسي وتنتهك حرية التعبير التي يكفلها الدستور. وقال المدير الوطني للإتحاد فايز شاكر في رسالته التي تدعو أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الى التصويت ضد المشروع، إن ذلك "اعتداء مباشر على التعديل الأول في الدستور" وغير أخلاقي ويعاقب الأفراد لا لسبب غير آرائهم السياسية. وأشار الى أن آلاف الشركات والأفراد في اميركا لا يتعاملون تجارياً مع إسرائيل أو الشركات العاملة في المستوطنات لأسباب مختلفة وسيكونون عرضة لعقوبات جدية بسبب القانون المقترح.

لم تذهب رسالة الاتحاد الحقوقي أدراج الرياح، بل لقيت اهتماماً فورياً، خصوصاً في أوساط أعضاء الكونغرس الديموقراطيين الذين يعتبرون المنظمات الحقوقية نصيراً مهماً للحزب، وسارع أحد الموقعين على تزكية مشروع القانون، عضو مجلس النواب عن ولاية ماساتشوستس جو كينيدي الثالث، أحد النجوم الصاعدة في الحزب وحفيد السيناتور الراحل روبرت كينيدي، الى اعلان نيته إعادة النظر في موقفه من المشروع. وأوضحت المتحدثة باسم كينيدي اميلي كوفمان، أنه اتخذ قراره على ضوء رسالة اتحاد الحريات المدنية. كما أعلن عضو مجلس النواب عن الولاية نفسها ريتشارد نيل قراراً مماثلاً.

الإعلانان يعكسان بوضوح قلق الأعضاء الديموقراطيين في الكونغرس من استفزاز المنظمات الحقوقية في مسألة حساسة مثل حرية التعبير، وفي الوقت نفسه تغييراً كبيراً في مزاج جمهور الحزب الديموقراطي الذي اتيحت له خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما فرصة مقاربة مختلفة للعلاقة مع إسرائيل التي تتجه أكثر نحو اليمين والتشدد الديني. واظهر استطلاع للرأي اجراه مركز بيو للأبحاث مؤخراً ان التضامن مع إسرائيل بين أعضاء الحزب الديموقراطي، الذي كان حصناً للدفاع عن إسرائيل منذ قيامها على ارض فلسطين، انخفض الى 33 في المئة فقط مقابل 31 في المئة مع الفلسطينيين، فيما ارتفع التضامن مع اسرائيل في أوساط الجمهوريين الى 74 في المئة مقابل 11 في المئة مع الفلسطينيين، وارتفع التضامن مع الفلسطينيين أميركياً الى 19 في المئة.

الاعتراض الثاني على مشروع القانون جاء ايضاً من مصدر غير متوقع هو منظمة "جاي ستريت" اليهودية الأميركية، التي تتصدى لحملة مقاطعة إسرائيل وتؤيد في العادة التشريعات المحلية التي تضيق على حملة المقاطعة. وأعرب نائب رئيس المنظمة للشؤون الحكومية ديلن ويليامز، عن تخوفه من المفاعيل السياسية والحقوقية لإقرار المشروع، مشيراً إلى أن ذلك سيؤدي الى نسف عقود من السياسة الأميركية تجاه الاحتلال والإستيطان ويشجع المستوطنين وداعميهم ويهدد حل الدولتين. وفي الجانب الحقوقي استشهد ويليامز برسالة اتحاد الحريات المدنية داعيًا أعضاء الكونغرس الى النظر بجدية الى المخاطر التي يشكلها على حق حرية التعبير.

يذكر أن المرشحة السابقة للرئاسة عن الحزب الديموقراطي هيلاري كلنتون، بادرت في مستهل حملتها الانتخابية، الى التواصل مع أبرز مؤيدي إسرائيل من اليهود الأميركيين للتنسيق من اجل انهاء حملة المقاطعة واعدة بإقرار تشريعات تمنع أي مقاطعة للبضائع الإسرائيلية، في محاولة منها لإسترضاء كبار المتبرعين، الاّ ان ذلك ارتد عليها سلباً في صفوف الشباب الذين وجدوا موقف منافسها الديموقراطي بيرني ساندرز أقرب الى توجهاتهم ومشاعرهم.

من المستبعد تماماً هزيمة مشروع القانون في الكونغرس، وليس صعباً أن يحصل على أكثرية دستورية تحرم الرئيس من حق الفيتو، لو أراد ذلك، إلاّ أن هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها مشروع قانون مؤيد لإسرائيل أي نوع من التحدي القانوني أو التشريعي. في العادة تحصل إسرائيل على ما تريد من الكونغرس بأرقام أكبر مما تحصل عليه حكومتها في الكنيست. وتتعامل "ايباك" ومؤيدو إسرائيل في واشنطن مع أي مشروع قانون يتعلق بإسرائيل على أنه ناجز.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها