الثلاثاء 2017/07/25

آخر تحديث: 11:10 (بيروت)

بعد هزيمة "الأحرار"، ماذا كسبت وماذا خسرت "تحرير الشام"؟

الثلاثاء 2017/07/25
بعد هزيمة "الأحرار"، ماذا كسبت وماذا خسرت "تحرير الشام"؟
بسط هيمنة "الهيئة" بشكل كامل على عموم المساحة الخاضعة لسيطرة الفصائل في الشمال (انترنت)
increase حجم الخط decrease
بعيداً عن التداعيات وردود الفعل ضدها، والاستدراكات التي حاولت الدفاع بها، يمكن القول إن "هيئة تحرير الشام" قد نجحت في تحقيق معظم أهداف حملتها العسكرية التي شنتها ضد "حركة أحرار الشام الإسلامية" في الشمال السوري، الأسبوع الماضي. وأهم نتائج هذه المعركة، هو كشف "الهيئة"، وإن بشكل غير مباشر، عن أهدافها القريبة والبعيدة من هذه المواجهة، وهي نتائج تتجاوز عملياً ما أدت إليه المعارك من القضاء على قوة "أحرار الشام" كأكبر فصيل معارض، على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعته "الهيئة" شعبياً وإعلامياً، حتى وهي تنتصر.

البيان الذي أصدرته قيادة "تحرير الشام" رداً على مبادرة مجموعة من المشايخ والدعاة لوقف القتال بعد يومين على انطلاقته، ومن ثم الخطاب الذي ألقاه الشرعي فيها أبو اليقظان المصري، أمام مجموعة من مقاتلي "الهيئة"، كشفا وبوضوح عن استراتيجية "تحرير الشام" اليوم في المنطقة الممتدة من ريف حلب الغربي حتى ريفي حماة الشمالي والشرقي، وهي المنطقة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة.

القضاء على مشروع "حركة أحرار الشام" لإدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بالتعاون مع الفعاليات والقوى الثورية الذي بدأت "الحركة" بالترويج له منذ أسابيع، عقب اعتمادها لكل من علم الثورة والقانون العربي الموحد، بالإضافة إلى افشال أي مشروع للتدخل العسكري التركي في هذه المنطقة، من خلال تقليم أظفار ما تبقى من الفصائل لاحقاً، ظهرا وبكل وضوح، كدافعين أساسيين لتحرك "الهيئة" الأخير عسكرياً ضد "أحرار الشام"، وما استتبعه ذلك من السيطرة على معظم الشريط الحدودي مع تركيا.

صحيح أن هذين الهدفين لم يكونا غائبين عن التصور عند الجميع تقريباً ومنذ البداية، وصحيح أن "الهيئة" تذرعت بالسعي للقصاص من جريمة قتل اثنين من تجار السلاح المرتبطين بها في منطقة جبل الزاوية، إلا أن ما جاء في بيان الرد على مبادرة وقف إطلاق النار، وفي كلمة أبو اليقظان المصري، كان بمثابة التصريح عن هذين الدافعين.

فالتعقيب على المبادرة التي أطلقها المشايخ، وهم كل من عبد الرزاق المهدي وأبو محمد الصادق وأبو حمزة المصري، افصح وبشكل واضح عن امتعاض "هيئة تحرير الشام" من مشروع الإدارة والحكم الذي كانت تطرحه "حركة أحرار الشام"، والرغبة الحاسمة في تقويضه. البيان الصادر عن قيادة "الهيئة"، بهذا الخصوص، اعتبر أن "المبادرة الحقيقية هي التي تطرح مشروعاً واقعياً للإدارة الذاتية للمناطق المحررة، مشروعاً يمتلك قرار السلم والحرب، ويتخذ القرارات المصيرية، بعيداً عن التغلب السياسي ومراهنات المؤتمرات، وبعيداً عن تلاعب القوى الدولية".

وبغض النظر عن تأييد قيادة "حركة نور الدين زنكي" لمبادرة المشايخ الثلاثة لوقف الاقتتال، ومن ثم انفصالها عن "هيئة تحرير الشام" بسبب رفض هذه المبادرة، إلا أن أحداً لا يمكن أن يتجاهل امتعاض "الزنكي" منذ ما قبل انفصالها، مثلها مثل جميع مكونات "الهيئة"، من إطلاق "أحرار الشام" التمهيدي لهذا المشروع.

فالجميع داخل "الهيئة"، كان يعتبر هذه الخطوة منفردة، وبمثابة تجاوز صارخ لـ"تحرير الشام"، ذات الثقل العسكري الوازن في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل، واحتكار للقرار في هذه المناطق. وبالتالي فقد كان هناك رفض جماعي لم يكن خافياً داخل "الهيئة"، بل وحتى إرادة واضحة في المواجهة مع "أحرار الشام" على هذا الأساس.

صحيح أن "الزنكي" لم تستطع على أرض الواقع مجاراة بقية مكونات "هيئة تحرير الشام" في قتال "الحركة" عندما بدأت الدماء تسيل وردود الفعل الغاضبة تتسع، إلا أن الصحيح أيضاً أن الجميع في "الهيئة" كان يريد وضع حد لما كانت "أحرار الشام" تقوم به، ويعتبرونه تجاهلاً لهم واقصاءً لفصيلهم، الذي يعتبرون أنه الفصيل الأقوى على الأرض، والذي يحق له فرض ما يريد. وبالتالي، فإن حالة الغضب والنقمة كانت جماعية على "أحرار الشام" داخل "الهيئة"، انطلاقاً من هذه النقطة بالتحديد، لكن الخلاف كان على آليات التعامل معها.

ومثل هذا يمكن تلمسه بوضوح أيضاً في موقف الشخصيات القيادية البارزة في "هيئة تحرير الشام"، والتي أعلنت معارضتها رفض قيادة "الهيئة" مبادرة وقف اطلاق النار الأولى، وفي مقدمتهم عضوا المجلس الشرعي فيها، السعودي عبدالله المحيسني، وأبو الحارث المصري، بل وكذلك تكتل "جيش الأحرار"، الذي كان قائده أبو صالح الطحان قد أعلن وعلى الفور، تأييده للمبادرة، وإن كان لم يصل إلى حد الانسحاب من "الهيئة" بعد رفضها.

هؤلاء جميعاً، وبما يمثلونه من ثقل وتأثير داخل "الهيئة"، لم يكونوا بالطبع ضد مواجهة مشروع "حركة أحرار الشام"، بل وحتى تفكيكها، لكنهم مثل قيادة "حركة نور الدين زنكي"، لم يكونوا موافقين على الطريقة التي جرت بها العملية، أو لم يستطيعوا تحمل تبعاتها، على حد وصف الداعية السلفي الجهادي المؤيد لـ"هيئة تحرير الشام" أبو قتادة الفلسطيني، الذي علق، مثل غيره من منظري التيار، على هذه الأحداث، وكانوا بالمجمل مؤيدين لها.

طبعاً اختلفت ردود الفعل داخل فضاء "هيئة تحرير الشام" تجاه مواقف المعارضين لاستمرار المواجهة مع "حركة أحرار الشام"، بل وشكل ذلك أرضية خصبة للاشاعات حول ذلك، والتي وصلت إلى حد نشر أخبار عن ملاحقة "الهيئة" للمحيسني وتهديده، وانفصال "جيش الأحرار" عنها. إلا أن الموقف الحقيقي من كل هذا، جاء متضمناً في خطاب الشرعي العسكري في "هيئة تحرير الشام" المصري محمد ناجي "أبو اليقظان"، أمام مجموعة من مقاتلي "الهيئة" المتجهين لقتال "أحرار الشام"، والذي كان أهم ما فيه، هو كشفه عن الاسترتيجية القادمة لـ"هيئة تحرير الشام" في شمال سوريا، وعلى الرغم من أن كل ردود الفعل الغاضبة والمنددة بما عبر عنه أبو اليقظان، حتى من قبل أنصار "الهيئة"، تركزت على تحريضه المقاتلين على عدم التردد في استهداف كل من يرفض الاستسلام من مقاتلي "أحرار الشام"، بطلقة في الرأس.

أبو اليقظان حدد ثلاثة ملامح أساسية لهذه المعركة مع حركة "أحرار الشام": الأول، انهاء "الحركة" بسبب ما قامت به في الفترة الأخيرة الماضية من خطوات، وما تعمل عليه من مشاريع مدنية. والثاني، وهو الهدف الأكثر أهمية في هذه المرحلة، ويتمثل في السيطرة على المنطقة الحدودية مع تركيا، وطرد "الحركة" منها كأولوية مطلقة، في حال لم يتم القضاء عليها بشكل كامل. أما الثالث، فهو بسط هيمنة "الهيئة" بشكل كامل على عموم المساحة الخاضعة لسيطرة الفصائل في الشمال لاحقاً، وتحجيم قوة هذه الفصائل وابقائها تحت السيطرة.

لم يتم بالفعل القضاء على حركة "أحرار الشام" وتفكيكها بشكل كامل، لكن "هيئة تحرير الشام" نجحت في السيطرة على غالبية المواقع الحدودية التي كانت ترغب في إخراج "الحركة" منها، تحضيراً لمواجهة أي تدخل عسكري تركي محتمل.

فإلى جانب معبر باب الهوى، أحكمت "الهيئة" سيطرتها، وبشكل كامل، على مدن وبلدات إدلب وسلقين وحارم والدانا وأطمة وسرمدا ودارة عزة وجبل بابسقا وجبل بركات، وغيرها، بينما استعصى جبل الزاوية عليها مجدداً، حيث ساعدت تضاريس المنطقة أبناءها مقاتلي "لواء صقور الشام"، أحد مكونات "أحرار الشام" على التصدي لـ"الهيئة" فيه.

واقع جديد يتيح لـ"تحرير الشام" تعقيد حسابات الجانب التركي في حال أراد التوغل في إدلب وريفها بالفعل، فهي الوحيدة اليوم على طول الخط الحدودي تقريباً، ما يمنحها أريحية كبيرة على هذا الصعيد، ويفرغها للمواجهات الداخلية، وهو أمر لن تنتظر "الهيئة" حصوله، بل ستعمل على الإعداد له بشكل استباقي، حسب مضمون كلمة الشرعي العسكري فيها، أبو اليقظان المصري.

يؤكد المصري أنه، وبعد الانتهاء من "حركة أحرار الشام" فإن "هيئة تحرير الشام" ستفرض على بقية الفصائل حجم قوتها وعدد عناصرها، بما لا يسمح لها بتشكيل أي تهديد لها، ويشمل ذلك "فيلق الشام" وما تبقى من تشكيلات "الجيش الحر" في ريفي إدلب وحماة بطبيعة الحال.

انتصارات كبيرة على الصعيد العسكري حققتها "هيئة تحرير الشام" في معركتها الأخيرة مع "حركة أحرار الشام" بلا شك، لكنها انتصارات لم تكن من دون ثمن، بل وبثمن باهظ على الصعد الأخرى الشعبية والإعلامية، خاصة مع بلوغ ردود الفعل الغاضبة ضدها، مستويات غير مسبوقة. إلا أن الأهم على الإطلاق ما تسببت به الحوادث الأخيرة من تصدع أصاب بيتها الداخلي للمرة الأولى، وما نتج عنه من انفصال ثاني أكبر فصيل فيها، حركة "نور الدين زنكي"، بالإضافة إلى تعليق شخصيات بارزة لعضويتهم فيها، قبل أن يأتي الخطاب المسرب لشرعيها العسكري، أبو اليقظان المصري، وهو يحرض عناصره على القتال والقتل، ليكون بمثابة الصفعة الأقوى التي ركزت "الهيئة" كل جهودها من أجل تلافي أثارها بعد ذلك.

فبعد أن أصدر المجلس الشرعي في "الهيئة" بياناً يتبرأ فيه من فتاوى المصري الدموية، أصدرت قيادة "تحرير الشام"، الأحد، بياناً أكدت فيه أنها "كانت وما زالت جزءا من الثورة السورية"، كما نشرت في اليوم ذاته، تعميماً مشدداً على قواتها، تأمرهم فيه بالتوقف عن ملاحقة "حركة أحرار الشام"، وعدم التعرض لعناصرها أو مقرتها، وذلك بعد يومين من اعلان وقف إطلاق النار.

وذهبت "الهيئة" خطوات أبعد في التقرب للحاضنة الثورية والرأي العام، حين أكدت "على ضرورة تأسيس مشروع سني ثوري جامع، يحفظ الثوابت ويحقق الأهداف المرجوة بمشاركة جميع أطياف الثورة وأبنائها"، ونبهت الى أن "الكوادر المدنية والنخب السياسية في الداخل والخارج، إلى جانب الكتل العسكرية لجميع الفصائل، يجب أن تكون من نواة هذا المشروع".

خطاب ليس جديداً على "هيئة تحرير الشام" التي ما فتئت تستخدمه عقب أي مواجهة لها مع الفصائل الأخرى، وبعد كل حادثة كانت تؤدي إلى مزيد من النقمة ضدها، وبالتالي فإنه لن يكون سوى من نافلة القول، إن تكراره اليوم، لن يؤدي إلى نتائج جديدة غير التي حصلتها في السابق على هذا الصعيد. وهو أمر لا يبدو في النهاية أنه يشكل أولوية بالنسبة لـ"تحرير الشام"، التي تمضي، مستفيدة من كل العوامل والظروف، على الطريق الذي اختارته نحو تحقيق أولوياتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها