الأحد 2017/07/23

آخر تحديث: 16:48 (بيروت)

القدس تحتاج 30 مليون دولار شهرياً.. فأين المال العربي؟

الأحد 2017/07/23
القدس تحتاج 30 مليون دولار شهرياً.. فأين المال العربي؟
ما يصل المدينة من مساعدات مالية من العرب والمسلمين هو قليل ولا يلبي احتياجاتها (Getty)
increase حجم الخط decrease
جاءت الأحداث الراهنة في القدس المحتلة، التي تعيش أصلاً وضعاً استثنائياً من ناحية التهويد والاستيطان والمنغصات الإسرائيلية بحق سكان المدينة، لتفتح مجدداً الباب على مصراعيه حيال ما تقدمه الدول العربية والإسلامية- ومعها الجانب الرسمي الفلسطيني- من دعم مالي لتعزيز صمود سكان المدينة، في مقابل ما تخصصه الماكينة السياسية والمالية والإعلامية الإسرائيلية في سبيل تهويد القدس.

يُجمع الخبراء والمختصون بقضايا القدس أن ما يصل المدينة من مساعدات مالية من العرب والمسلمين هو قليل ولا يلبي احتياجاتها، وتتحرّج السلطة الفلسطينية في الإشارة إلى الدول العربية التي تُقصّر في التزاماتها اتجاه المدينة، كما جاء في العديد من القمم العربية والإسلامية، وخاصة قمة سرت في ليبيا عام 2010 التي اقرت نحو 500 مليون دولار لدعم القدس سنوياً، لكن دولاً عربية نفطية لم تلتزم ودفعت القليل لمدينة بحاجة للكثير.

رغم تلكؤ الجانب الفلسطيني الرسمي في ذكره لتفاصيل الأرقام، حتى لا يقع في دائرة الحرج وبالتالي يخسر الحد الأدنى من مساعدات "الدول الشقيقة"، إلا أن "المدن" تمكنت من رصد بعض الأرقام المتطابقة من جهات على إطلاع واسع على الدعم المقدم للقدس.

وتظهر هذه الأرقام أن ما يصل للمدينة سنوياً يبلغ 50 مليون دولار، تقدم منه الدول العربية مجتمعة نحو 37 مليون دولاراً، ومبلغ 10 مليون دولار يصل عبر مجموعة "بنك التنمية الاسلامي" المنضوي في إطار منظمة التعاون الإسلامي.

مدير "مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان" زياد الحموري، قال لـ"المدن"، إن ما يُقال في الإعلام حول الدعم العربي والإسلامي يختلف عن الواقع. وأوضح الحموري أن معظم الدول العربية تدفع مبالغ قليلة عن طريق "بنك التنمية الإسلامي"، بينما تتمكن جمعية "التعاون الفلسطيني"، ومقرها رام الله، من جمع قرابة 10 ملايين دولار سنوياً مِن أثرياء الضفة الغربية وغزة وأراضي 48، لصالح ترميم المساكن في البلدة القديمة للقدس، وتمكين السكان المقدسيين الذين تتعرض منازلهم للهدم وغير ذلك من الإجراءات الإسرائيلية التي تمسُّ حياتهم اليومية.

دولياً، يدفع الاتحاد الاوروبي مُعدّل 10 ملايين دولار سنوياً لصالح دعم مؤسسات اسرائيلية وأخرى فلسطينية في القدس تعنى بالجوانب الثقافية والحقوقية، كما دخل الأوروبيون مؤخراً على خط ترميم المنازل الآيلة للسقوط في القدس العتيقة.

أما السلطة الفلسطينية فتخصص من موازنتها العامة السنوية ما لا يقل عن 9 ملايين دولار لصالح المدينة، بحسب زياد الحموري، إذ تقول إن وضعها المالي الصعب لا يُمكّنها من دفع المزيد، ما دفع بوزير شؤون القدس الأسبق حاتم عبد القادر للاستقالة من منصبه قبل سنوات، احتجاجاً على الدعم الحكومي الشحيح للمدينة المقدسة وأهلها.

وعلّق خبير الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في جمعية الدراسات العربية خليل تفكجي، على منحة الـ25 مليون دولار الإضافية التي اعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن تخصيصها مؤخراً لدعم صمود أهل القدس، بالقول إن السلطة مقصّرة أصلاً اتجاه المدينة، علاوة على أن مستشفى المقاصد والمطلع المقدسيين يطالبان الحكومة الفلسطينية بحقوق مالية تصل إلى 100 مليون دولار، الأمر الذي تسبب بأزمات مالية لهما.

وقدّر تفكجي، لـ"المدن"، أن مدينة القدس بحاجة شهرياً لـ30 مليون دولار على الأقل، لدعم صمود أهل المدينة ووقف التدهور الحاصل، وليس تحقيق الانتصار.

وللمفارقة، تخصص المؤسسة الإسرائيلية الرسمية وأخرى تابعة للجمعيات اليهودية مليارات الدولارات لتعزيز الاستيطان وجعل الأغلبية الديموغرافية في المدينة لصالح المستوطنين؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، تُخصص الحكومة الإسرائيلية قرابة 20 مليون دولار فقط لحراسة المستوطنين في المدينة، كما تحصل بلدية الاحتلال في القدس على ميزانية تُقدر بـ2 مليار دولار، يذهب جزء كبير منها للإستيطان، علاوة على الدعم الهائل لتهويد المدينة من قبل الوزارات الإسرائيلية المختلفة، وأيضاً من خلال جمعيات استيطانية غير حكومية مثل "عطوريت كوهنيم" و"العاد" وغيرها.

ممثل منظمة التعاون الإسلامي في فلسطين السفير أحمد الرويضي، بدا دبلوماسياً في الحديث عما يُقدم للقدس من دعم، وحاول الابتعاد عن ذكر الأرقام بالقول "إنه يمكن الحصول على التفصيلات الرقمية من الجانب الرسمي"، غير أن الرويضي أكد لـ"المدن" أن القدس بحاجة إلى الكثير، وأن ما يصلها من مساعدات لا يكفي احتياجاتها في مقابل ما تتعرض له مقدساتها.

ويوضح الرويضي أنه بينما كان مستشاراً للرئاسة الفلسطينية لشؤون القدس عام 2011، قام مع الاتحاد الأوروبي بإعداد خطة لاحتياجات المدينة، شملت 11 قطاعاً: التعليم، والصحة، والإسكان، الثقافة، والقضايا الاجتماعية... بمشاركة 250 جهة مقدسية، وتم آنذاك تحديد احتياجات المدينة على مدار ثلاث سنوات متتالية حينها بـ428 مليون دولار، وأكد الرويضي أن الرقم يجري تحديثه الآن، لكن الاحتياجات لم تتغير بالمحصلة.

وبيّن الرويضي أن لمنظمة التعاون الإسلامي وكالات مالية متخصصة مثل مجموعة "بنك التنمية الإسلامي"، و"بيت مال القدس الشريف"، و"صندوق التضامن الإسلامي،" تتولى مهمة تقديم الدعم المالي للشعب الفلسطيني، وتعتبر المانح الأكبر للقدس، ولكن مشاريعها تُنفذ بالتنسيق مباشرة مع الجهاز الرسمي الفلسطيني والمؤسسات المقدسية.

ويوجد مستشار لرئيس الوزراء في السلطة برتبة وزير يمثل فلسطين في الصناديق العربية والإسلامية، وهو الذي يقدم مشاريع فلسطين والقدس للحصول على الدعم اللازم.

وفي غمرة ما تتعرض له القُدس في ظل حكومة اسرائيلية يمينية تريد فرض الأمر الواقع في القدس والمقدسات الإسلامية، يُراود الفلسطينيين سؤال لا يخلو من نظرية المؤامرة مفادُه: لماذا لا تريد الدول العربية الغنية دفع الكثير للقدس؟ هل تخشى أمراً ما إذا ما خصصت المزيد من الأموال لحماية المقدسات في هذه المدينة وحماية الوجود العربي والاسلامي؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها