الأربعاء 2017/07/19

آخر تحديث: 15:24 (بيروت)

"الأحرار" و"تحرير الشام": صراع عبثي أم مشاريع استراتيجية؟

الأربعاء 2017/07/19
"الأحرار" و"تحرير الشام": صراع عبثي أم مشاريع استراتيجية؟
قادة الفصائل المعارضة، خاصة الإسلامية منها، لا يتمتعون بأدنى مؤهلات القيادة السياسية والعسكرية (انترنت)
increase حجم الخط decrease
‏بعد يوم واحد فقط من نشره مسودة الاتفاق بين "حركة أحرار الشام الإسلامية" و"هيئة تحرير الشام"، هاجم الكاتب والناشط في الحركة الإسلامية السورية رامي دالاتي، الفصائل، بسبب الإطاحة بالاتفاق الذي قال إنه كان شاهداً عليه.

وقال دالاتي في تغريدات في "تويتر": "إن طيبة السوريين وعفويتهم صنعت قادة مزيفين للثورة، ثم طال عليهم اﻷمد فحسبوا أنفسهم قادة حقيقيين بإمكانهم مصادرة من ينتقد استعلاءهم وجهلهم بالحياة". ‏وأضاف "كأن قدرنا أن نحتمل جمودهم الفكري بداية، وطفولتهم السياسية نهاية.. السوريون ليسوا حقل تجارب يا فصائل الثورة اﻹسلامية". وختم دالاتي بالقول ‏"غريبة هذه الفصائل! من شبابها من تستفزه كلمة ينسى معها قاموس التآخي فيخرج إلى العدوان، ولا يخفي رصاصه في جعبته، بل زناده مهيأ، كأن لم تختلط دماؤه يوماً بدماء من يتجهز لقتالهم اليوم".

وكانت "هيئة تحرير الشام" و"حركة أحرار الشام" قد توصلتا، الأحد، إلى اتفاق كان من المفترض أن يضع حداً للتصعيد المتنامي بينهما على خلفية مقتل شخصين مرتبطين بـ"الهيئة" في إحدى قرى جبل الزاوية في ريف إدلب. المواجهات عادت الإثنين وتصاعدت ليل الثلاثاء/الأربعاء، بين الطرفين، في مناطق مختلفة من مدينة إدلب وريفها. وانشغلت وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بملاحقة تطورات التصعيد العسكري بين الطرفين، في ما بدا أنه فشل لكل الجهود التي بذلت من أجل احتواء الموقف، من دون القدرة على الجزم بالأسباب الحقيقية غير المعلنة لهذه النسخة الأخيرة من المواجهات، بين فصيلين لطالما شابت العلاقة بينهما التوترات خلال العامين الماضيين.

وعلق العديد من المتابعين على موقف رامي دالاتي الأخير، بأنه رد فعل طبيعي بعد ما لمسه عن قرب وعاينه بنفسه من قادة هذين الفصيلين، بعدما كان من أشد المدافعين عنهما، وخاصة "هيئة تحرير الشام". ووقف دالاتي باستمرار في وجه كل من كان يهاجم "تحرير الشام" أو ينتقدها، قبل أن يكتشف الواقع الحقيقي الصادم عن قرب.

ويضيف هؤلاء، أن الكثير من السوريين يرون اليوم، أن قادة الفصائل المعارضة، خاصة الإسلامية منها، لا يتمتعون بأدنى مؤهلات القيادة السياسية والعسكرية، بل وإن الكثيرين منهم لا يمكن تصور أن يكونوا قادة بأي حال. وعليه فإنهم لن يتوانوا عن الزج بمقاتليهم في أي محرقة كانت، في سبيل التنافس العبثي على السيطرة والنفوذ المتوهم، فضلاً عن عدم قدرتهم على التفكير بمصير سكان المناطق الخاضعة لسيطرتهم، فضلاً عن مستقبل الثورة التي يدعون تمثيلها والدفاع عنها.

ويرى هؤلاء كذلك، أن دالاتي، مثله مثل الكثير من ناشطي الحركة الإسلامية، ممن يتابعون الموقف عن بعد، يعتقدون أن هناك اختلافاً في الرؤى وتبايناً حقيقياً في الاستراتيجيات والأفكار بين هذه الفصائل، ما يؤدي إلى مثل هذه المواجهات، التي بالامكان السيطرة عليها وتجاوزها، من خلال تقريب وجهات النظر وتخفيف الشحن الاعلامي. بينما الواقع الحقيقي الذي يعرفه كل مطلع على التفاصيل، أن القادة اليوم لا يملكون أية رؤية فكرية، وليس لديهم استراتيجيات سياسية ولا عسكرية، وأن المطلوب وضع حد لعبثيتهم، لا الدفاع عنهم لأسباب عاطفية أو إيديولوجية.

إلا أن البعض، في المقابل، يرى أن المراهقة هي في هذا التصور القاصر للواقع في الشمال السوري، وما يشهده من تطورات بين الفصيلين العسكريين الإسلاميين الأكبر في المنطقة، الذين يمتلك كل منهما مشروعاً مصادماً للمشروع الآخر، وليس مجرد خلافات عادية أو صراع عبثي على النفوذ والسيطرة.

وحسب هؤلاء فإن "هيئة تحرير الشام" المكونة من اندماج فصائل أكبرها "جبهة تحرير الشام/النصرة سابقاً" و"حركة نور الدين زنكي"، تسعى لقطع الطريق مبكراً على أي تدخل تركي مستقبلي في إدلب، المنطقة الأكبر التي ما تزال بيد المعارضة حتى الآن، وتطبيق مشروعها السياسي والإداري فيها.

ويرى هؤلاء في سعي "الهيئة" للسيطرة على المناطق الاستراتيجية عسكرياً في إدلب وريفها، أمراً يؤكد على البعد الاستراتيجي لتحركاتها الأخيرة، التي تستغل من أجلها حوادث ثانوية كما جرت العادة دائماً، معتمدة بذلك على فائض القوة الذي تتمتع به حالياً، خاصة مع توقف المعارك ضد قوات النظام، بحكم "اتفاق خفض التصعيد" الذي لا تعترف بها رسمياً. ذلك، إلى جانب القدرة على تجييش المقاتلين إيديولوجياً، من خلال اتهام حركة "أحرار الشام" بالتحالف مع الحكومة التركية، مقابل ما تعتقد أنه ضعف لدى "الحركة" من هذه الناحية، والتعويل على عدم استعداد مقاتليها لمواجهة "الهيئة" نفسياً وإيديولوجياً، بل وعسكرياً أيضاً، بحكم التصدعات التي عاشتها "أحرار الشام" على المستوى الداخلي خلال العامين الأخيرين.

في المقابل، فإن مشروع "حركة أحرار الشام" السياسي والإداري الذي يمكن القول إنه أصبح أكثر نضجاً في الفترة الأخيرة، يقوم بالدرجة الأولى على التمكين للمؤسسات الإدارية والخدمية المنبثقة عن الفعاليات الثورية في المحافظة، وإيجاد صيغة لتوحيد عمل هذه المؤسسات في مختلف مناطق سيطرة المعارضة في سوريا تحت رعاية "الحركة" وحمايتها، خاصة بعد اعتمادها علم الثورة واطلاقها مؤخراً مشروع المؤسسات الإدارية الموحدة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتواصلها مع مؤسسات قضائية في الجنوب والشمال، بالإضافة إلى ريفي حمص وحماة، من أجل توحيد النظام القضائي.

وحسب هؤلاء، فإن مشروع "أحرار الشام" هذا لا ينطلق فقط من التحالف مع تركيا، إذ سبق للعديد من قادتها أن أكدوا بأن "الحركة" لن تعارض التدخل التركي في الشمال إن حدث، بل نتيجة عملية مراجعة وإعادة هيكلة واسعة أجرتها خلال الأشهر الستة السابقة، وأدت إلى اعادة التماسك لصفوفها، وزيادة عدد مقاتليها، وتنامي قوتها العسكرية، بالاستفادة من انضمام خمسة من فصائل "الجيش الحر" التي هاجمتها "هيئة تحرير الشام" في شباط/يناير إلى صفوفها. الأمر الذي يزيد من ثقة "الحركة" بنفسها، ويجعلها أكثر تفاؤلاً في مواجهة أي هجوم تشنه "الهيئة" ضدها في الوقت الحالي، على عكس ما كان يمكن أن يحدث سابقاً.

ويرى المدافعون عن "حركة أحرار الشام" أيضاً،  أن مشروعها هذا يعتبر الحل الوحيد الممكن لانقاذ محافظة إدلب، باعتبارها اليوم أكبر معاقل الثورة السورية، من التدمير والمجازر غير المسبوقة، في حال قرر النظام والقوى الدولية، بما في ذلك روسيا و"التحالف الدولي"، الهجوم على المحافظة بحجة محاربة الجماعات الإرهابية. ويعتبر أولئك أن الخطوات التي نفذتها "أحرار الشام" أو التي يتضمنها مشروعها، بما في ذلك اعتماد علم الثورة ونشره، وتفعيل المؤسسات الثورية في المحافظة، وتعميق التعاون مع تركيا، هي الضمانات كي لا تتكرر مأساة مدينة الموصل العراقية في إدلب، خاصة مع بلوغ معاناة الحاضنة الشعبية للثورة والمعارضة ذروتها، الأمر الذي يتطلب استراتيجية عقلانية تساهم في التخفيف من هذه المأساة، والحفاظ على المكتسبات في الوقت ذاته.

ويضيف هذا الفريق، أن تقديرات "هيئة تحرير الشام" ستكون مخطئة تماماً إذا ما اعتقدت أن "حركة أحرار الشام" تعاني حالة الضعف والتفكك التي كانت عليها خلال الفترة السابقة، وأنها ستكون لقمة سائغة، مثلها مثل بقية الفصائل التي فككتها "الهيئة" في السابق. بل، ويؤكدون أن "تحرير الشام" هي من تعاني اليوم من الانقسام الداخلي وعدم التجانس والانسجام، وأنها ستواجه انشقاقات كبيرة في حال ذهبت بالمواجهة مع "أحرار الشام" بعيداً، ويعتقدون بناء على ذلك، أن قيادة "الهيئة" ستتراجع عن هذه المواجهة مع أول رد فعل قوي من "الحركة"، خاصة وأن مشروع الهيئة وممارساتها لا يلقيان قبولاً شعبياً كافياً في المناطق التي تتواجد فيها.

بينما يتهم أنصار "هيئة تحرير الشام" "حركة أحرار الشام" وبقية القوى المقربة منها، بالعمل على نشر اليأس والفكر الانهزامي، والاستسلام للعبة الحلول السياسية، والسعي للدخول من البوابة التركية إلى نادي المجتمع الدولي، الذي لا يخفون العداء المطلق له ولكل من يقبل به. كما يعتبرون أن استغلال مأساة الحاضنة الشعبية للثورة ومعاناة الشعب السوري من أجل التحالف مع تركيا، هو تقويض لتضحيات هذا الشعب ولمشروع الثورة، الذي يجب أن يكون قائماً على استقلال القرار وعدم الخضوع لأي من القوى. ويعتقدون أن الحفاظ على هذا المشروع، لا يكون برفع علم الثورة، بل من خلال العمل على استمرار الثورة مهما كان حجم التضحيات، وهو الأمر الذي يعتبره خصوم "الهيئة" بأنه إصرار على المغامرات غير العقلانية، ومجرد مزاودة وتمسح بمشروع الثورة، بدليل الهجوم الذي شنته قطاعات عديدة من "الهيئة" على حملة رفع علم الثورة التي أطلقتها "حركة أحرار الشام" في إدلب مؤخراً.

يعتقد كثير من المراقبين، أن الهدف الرئيسي اليوم بالنسبة لـ"هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب، هو السيطرة على جبل الزاوية، بحيث يكون منطقة التحصن الأخير الذي يضمن لها البقاء، والتخفيف من حدة الهجمات التي قد تتعرض لها في حال أي تدخل دولي عسكري في المحافظة، ومن هنا يأتي التركيز من جانبها على السيطرة على هذه المنطقة كهدف استراتيجي لا يمكن التنازل عنه.

زاوية رؤية هي الأكثر تركيزاً لدى كل من يعتقد بأن ما يجري اليوم من تصعيد بين "حركة أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام"، ليس مجرد صراع عبثي كما يعتقد الكثيرون، ممن يرون أن ما يجري أخيراً هو حلقة جديدة ضمن مسلسل الخلافات والاقتتال الذي لا ينتهي بين فصائل المعارضة، والذي يدفع ثمنه على الدوام مقاتلو هذه الفصائل وحاضنتها الشعبية، ولذلك يجب وضع حد نهائي له.

بينما يرى طرف ثالث، أن هذه المواجهة ستكون حتمية على أي حال، وأن الحلول الترقيعية لا تعني سوى تأجيل هذه المواجهة، مع بقاء شروطها وعواملها، مع استمرار كل طرف في الحرب الدعائية والإعلامية ضد الطرف الآخر، خاصة الترويج لوجود خلافات وانقسامات داخل كل فصيل، ونشر اشاعات لا تنتهي عن انشقاقات غير معلنة بسبب السعي لهذه المواجهة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها