السبت 2017/06/24

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

"أحرار الشام" وعلم الثورة: العودة عن الخطأ؟

السبت 2017/06/24
"أحرار الشام" وعلم الثورة: العودة عن الخطأ؟
التخفف من الجهاد المعولم لصالح "الجهاد المحلي" (تويتر)
increase حجم الخط decrease
لم يكن مفاجأة كبيرة بالنسبة للكثيرين، ظهور علم الثورة السورية إلى جانب قائد "حركة أحرار الشام الإسلامية" علي العمر "أبو عمار" خلال كلمته التي ألقاها الخميس، بمناسبة قرب حلول عيد الفطر، وذلك بعد العديد من الخطوات التي اتخذتها الحركة مؤخراً، واعتبرت أنها تصب في سياق المزيد من التماهي مع الثورة. المفاجئ كان تعجيل "الحركة" بهذه الخطوة؛ تبنى علم الثورة، التي غطت على كلمة قائدها تماماً، والتي جاءت قبل ثلاثة أيام على الأقل من موعدها المفترض، بعدما سربت "الحركة" معلومات عن أن عيد الفطر سيكون المناسبة التي ستتبنى فيها رفع علم الثورة، وذلك بعد يوم واحد فقط من إصدار "المجلس الشرعي" فيها، الأربعاء، بياناً أكد فيه على مشروعية رفع هذا العلم.

تمهيد كان لا بد منه في النهاية، حتى وإن كان الجميع تقريباً يرى أن "حركة أحرار الشام" بوضعها الحالي اليوم، وخاصة على صعيد الجبهة الداخلية، جاهزة تماماً لإنجاز هذه الخطوة من دون أي محاذير.

ولا يتعلق الأمر هنا برحيل الفريق المتشدد من قيادة "الحركة" سابقاً، وانضمامه إلى "هيئة تحرير الشام" مطلع العام 2017، بعد سلسلة من الصدامات مع "الفريق الثوري". صدامات كادت أن تعصف بالحركة طيلة العام 2016. ويتعلق الأمر أيضاً بتوفر القابلية الكاملة لدى قواعد "الحركة" التي تبدو منسجمة اليوم بشكل عام، بحسب المراقبين، بل وحتى الرغبة الجامحة داخلها، باتخاذ هذا القرار، الذي جاء بالنسبة للكثيرين متأخراً.

والقول الأخير لا يبدو مبالغاً فيه بالنظر إلى مسار تطور"الحركة" والتحولات التي عاشتها منذ العام 2013، إذ قاد الجزء الأكبر من قادتها المؤسسين مراجعات فكرية عميقة، كان من أبرز مخرجاتها، فتح باب "الحركة" واسعاً أمام انضمام الكوادر من مختلف الفئات الشعبية إليها، بعدما كانت مقتصرة على أصحاب الفكر السلفي الحركي، معلنة بذلك الانتقال من الحالة النخبوية إلى الحالة الشعبية.

شهدت "الحركة" منذ ذلك التاريخ اقبالاً استثنائياً على الالتحاق بها من جانب الأفراد، وكذلك المجموعات الصغيرة غير المؤدلجة، ما أدى لبعض الآثار السلبية عليها في ذلك الوقت، وفي مقدمتها التضخم العددي على حساب امكانيات التسليح والتمويل، وكذلك رفع العديد من مرجعيات التيار السلفي الجهادي الغطاء عن "الحركة" تباعاً ومع كل خطوة تغيير كانت تتخذها في هذا الطريق، وصولاً إلى إخراجها بشكل نهائي تقريباً من دائرة السلفية، مع مغادرة فريق قائد "الحركة" السابق هاشم الشيخ إلى "هيئة تحرير الشام".

وما بين المشهدين، كانت "حركة أحرار الشام" قد قطعت بنفسها خطوات عديدة أخرى نحو الخروج من دائرة المنهج السلفي الجهادي النخبوي، وهو التحول الذي كان قد وصفه القيادي السابق فيها، الراحل أبو يزن الشامي، بأنه يمثل "الخروج من ضيق المنهج إلى سعة الدين". إذ رفعت "الحركة" شعار "مشروع أمة" مع تشكيلها "الجبهة الإسلامية" نهاية العام 2013، بالتشارك مع فصائل سلفية أخرى تنتمي لمدارس مختلفة، وأهمها "جيش الإسلام" و"لواء التوحيد" و"لواء صقور الشام". ووقّعت الجبهة على "وثيقة الثورة السورية" الصادرة عن فصائل متعددة في أيار/مايو 2014، كما اعتمدت "مبادئ الثورة الخمس" التي أقرها "المجلس الإسلامي السوري" نهاية العام 2015. وثيقة ومبادئ أعاد قائد "الحركة" في كلمته التأكيد على التزام الحركة بها.

لاحقاً، رفعت "حركة أحرار الشام" شعار "ثورة شعب" بدلاً عن شعار "مشروع أمة"، وذلك بعد انفراط عقد "الجبهة الإسلامية". وهما الشعاران اللذان أرادت "الحركة" بقيادتها الراحلة القوية والتي اغتيل أعضاؤها الخمسون في حادث غامض في ريف إدلب في أيلول/سبتمبر 2014، التأكيد من خلالهما على تبني الإصلاحات التي نادت بها. وفي مقدمة ذلك، التخفف من الجهاد المعولم لصالح "الجهاد المحلي"، إلى جانب توسيع القاعدة الشعبية والانفتاح على الجماهير، في تجليات صريحة، كما يرى الكثيرون، لمبادئ "الحركة السرورية" وتعاليم مؤسسها، هذه الحركة التي لطالما اعتبرت منذ ظهورها حتى رحيل مؤسسها الشيخ سرور زين العابدين في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016، أنها تجمع بين العقيدة السلفية والحركية الاخوانية.

كما استفادت "أحرار الشام" من التعاطف والدعم الشعبي الذي حظيت به في المرحلة التي أعقبت اغتيال القادة المؤسسين، إذ اعتبرها الكثيرون، بمن فيهم معارضو التيار الإسلامي داخل قوى الثورة والمعارضة، أنها تشكل ملاذاً جيداً في النهاية للشباب المعارض الذي تأثر بموجة صعود التيار الجهادي وأسلمة الثورة، في مقابل العمل الواسع على استقطابهم من قبل تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية".

عامل قوة لطالما استفادت منه "الحركة" إلى حد اتهامها أخيراً بالانتهازية في التعامل معه، خاصة مع انضمام الغالبية العظمى من مقاتلي فصائل "الجيش الحر" التي قامت "جبهة النصرة" على مدار عامين ونصف، منذ نهاية العام 2014 حتى بداية العام 2017 بتفكيكها في الشمال. ما حدا بالكثيرين إلى التوجس من أن تكون "حركة أحرار الشام" بالفعل، جزءاً من خطة شاملة لانهاء "الجيش الحر"، تحت ترهيب عصا "النصرة/فتح الشام" وترغيب الحماية التي توفرها "الحركة" لهم.

هواجس بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ شباط/فبراير 2017، مع تمكن "جبهة فتح الشام" من اجبار فصائل "جيش المجاهدين" و"تجمع فاستقم"، و"لواء صقور الشام"، وفرع "جيش الإسلام" في الشمال، على حل نفسها والانضمام إلى "حركة أحرار الشام"، لتفادي الهجوم الشامل الذي أعلنته "الجبهة" ضد هذه الفصائل، قبيل أسبوع فقط من تشكيلها مع قوى مقاتلة أخرى "هيئة تحرير الشام".

هواجس عمقها أكثر الغياب شبه الكامل لقيادة "الحركة" عن مسرح الأحداث طيلة الأشهر الخمسة الماضية، ومن ثم تصاعد الحديث عن تجاهل "أحرار الشام" لأهم بنود اتفاق الانضمام الموقع مع تلك الفصائل، وهي البنود التي تتعلق بإعادة هيكلة "الحركة"، وإجراء تغييرات تضمن المزيد من الانفتاح على الثورة، وفي مقدمتها رفع علم الثورة، والعمل على تشكيل جيش وطني وفق اسس احترافية. وتأخر تنفيذ هذا الاتفاق على الرغم من رحيل الفريق الذي كان يعارض مثل هذا التغييرات، ويعتبرها تنازلات تسقط "الحركة" وتخرجها عن مبادئها غير القابلة للمساس بها.

لكن الإجراءات الثلاثة السريعة والمتلاحقة التي أعلنت عنها "حركة أحرار الشام" مؤخراً، والتي بدأت مطلع الاسبوع الماضي بإعلان "الهيئة القضائية" فيها اعتماد "مدونة القانون العربي الموحد" في محاكمها، أعادت للكثيرين الثقة بمضي "الحركة" في طريق الإصلاح المنشود، قبل أن ترفع وللمرة الأولى علم الثورة بشكل رسمي أخيراً.

والقول هنا "بشكل رسمي"، ليس من دون دلالات، إذ لطالما ظهر العديد من قادة "الحركة" خلال العامين الماضيين، حتى في ظل وجود الفريق الآخر الرافض لذلك حينها، وهم يحملون علم الثورة. كما أن الكثيرين من كوادر "أحرار الشام" وعناصرها، كانوا وعلى الدوام من المدافعين عن تبني هذا العلم، الذي طالما رفعوه من دون تحفظ، بل وكانوا يضغطون على قيادة "الحركة" لاعتماده بشكل رسمي.

ضغوط ومطالبات زادت بشكل واضح بعد قرار "جيش الإسلام"، السلفي أيضاً، تبني علم الثورة في شباط/فبرير 2017، وهي أسبقية تعتبر منطقية بالنظر إلى طبيعة كلا الفصيلين الفكرية، وتركيبتهما البنوية كذلك، إذ ظل "جيش الإسلام" أكثر تماسكاً وانسجاماً على الدوام، مقابل التصدعات والصراعات التي ظلت تعاني منها "أحرار الشام" خلال العامين والنصف الماضيين، وكذلك انتماء "جيش الاسلام" إلى المدرسة "السلفية العلمية" التي تعتبر أقل تحفظاً من المدرسة السلفية التي انبثقت عنها بالأساس "حركة أحرار الشام" وهي " السلفية الجهادية".

خطوة "حركة أحرار الشام" هذه، ومن قبلها "جيش الإسلام"، ورغم الترحيب الواسع بها، إلا أن التيار السلفي الجهادي، وكما هو متوقع، رأى فيها، فضلاً عن مخالفتها للشرع، استجابة لإملاءات وضغوط خارجية. بينما يؤكد مقربون من الفصيلين ممن يدافعون عن هذا الخيار، أنها بالعكس تماماً، تحولات تأتي على خلاف إرادة القوى المتحكمة بالملف السوري بمختلف توجهاتها، ويدلّون على ذلك بالإشارة إلى اغتيال كل القادة الذين بادروا في إطلاق العنان لهذه التحولات الفكرية والسياسية، مثلما ما حدث مع قادة "أحرار الشام" الراحلين، الذين دفعوا ثمن توجههم لاعادة بناء "الحركة" وفق تصورات جريئة وغير مسبوقة داخل التيار الجهادي. وهو ما لا تريده بأي حال تلك الدول والقوى الكبرى المتنفذة، التي أرادت على الدوام صبغ الثورة السورية بطابع الإرهاب. وهو الأمر ذاته الذي حصل مع مؤسس وقائد "جيش الإسلام" الراحل زهران علوش، الذي يقول أصحاب وجهة النظر هذه، إنه لم يتم استهدافه بشكل مباشر وقتله، إلا بعد إعلانه إطلاق إصلاحات فكرية ومنهجية داخل "جيش الإسلام".

ويرى هؤلاء أيضاً، أن جميع التنظيمات الإسلامية المقاتلة في صفوف المعارضة السورية، والتي تنتمي لتيارات ومشارب مختلفة، إنما ارتكبت خطأ كبيراً في الأساس، عندما انقلبت على محددات وخطاب ورمزيات الثورة الشعبية، والتي انطلقت من دون خلفيات سياسية أو إيديولوجية محددة، ومن ثم عززت هذا الخطأ، عندما ظنت أنها تستطيع بالأدلجة حشد عدد أكبر من العناصر، بدليل تخلي الآلاف من مقاتلي "الجيش الحر" عن السلاح ومغادرة الساحة، نتيجة لفرض الأسلمة على الثورة بهذه الطريقة، ما أدى إلى نتائج كارثية على الصعيد العسكري.

لكن الأهم، أن هذه الفصائل سقطت في فخ مزاودات التيار السلفي الجهادي، خاصة بين عامي 2013-2014، ما جعلها تتبنى خطاباً وممارسات غير متوقعة، الأمر الذي زاد من طينها بلة، وجعلها تصعد شجرة عالية لم تعد قادرة على البقاء فوقها، ولم تعد قادرة على النزول عنها في الوقت نفسه، بسهولة. الأمر الذي جعلها تتأخر جداً في اتخاذ مثل هذه القرارات، التي ما كان يجب أن يجعل منها استحقاقاً بالأصل لولا السقوط في هذا الفخ.

لكن "زمن المزاودات قد ولى، وصار من الماضي"، هذا ما أكده قائد "حركة أحرار الشام" في كلمته الأخيرة التي رافقه فيها علم للثورة للمرة الأولى، مضيفاً "أن الشعب السوري قد عانى من المزاودات"، في خطوة تستبق ردود الفعل الرافضة لهذا القرار، وتؤكد على أنه قرار استراتيجي محسوم بالنسبة لقيادة "الحركة"، التي لا يخفي اليوم، حتى المشككون بها والقائلون بضعفها، أنها اتخذت القرارات الأصعب على الإطلاق، بانتظار النتائج التطبيقية لهذه القرارات، على أمل ألا يكون قد فات وقتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها