الثلاثاء 2017/06/20

آخر تحديث: 11:01 (بيروت)

اعتماد "أحرار الشام" لـ"القانون العربي"..خطوة بين الكفر والإسلام؟

الثلاثاء 2017/06/20
اعتماد "أحرار الشام" لـ"القانون العربي"..خطوة بين الكفر والإسلام؟
موضوع تقنين الشريعة، شكّل وعلى الدوام قضية إشكالية لم تحسم (انترنت)
increase حجم الخط decrease
مفاجأة كبيرة شكلها إعلان "الهيئة القضائية" لـ"حركة أحرار الشام الإسلامية" اعتماد "القانون العربي الموحد" في محاكمها. الأمر الذي أعاد إلى الواجهة من جديد واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الفكر الإسلامي الحديث. فموضوع تقنين الشريعة، شكّل وعلى الدوام قضية إشكالية لم تحسم، منذ إصدار السلطنة العثمانية لـ"الجريدة العدلية" أواخر القرن التاسع عشر، والتي احتوت على أول تقنين لأحكام الشريعة، الجزائية والإجرائية.

الأصوليون الرافضون من حيث المبدأ تقنين أحكام الشريعة الجزائية في نصوص مبوبة وقواعد مصنفة، يرون في هذا التقنين تقييداً لاجتهادات القضاء وخصوصيات الزمان والمكان والحالة. وهو دفاع شكّل الأساس لدى الأصوليين في رفض التقنين إلى حدّ توظيف ذلك في التكفير. أما التيار الآخر، والذي لا ينتمي بالأصل إلى مدرسة فكرية محددة، فقد رأى على الدوام في أي تقنين للشريعة تفريغاً لها من مضمونها، مع سيطرة الحنين إلى صور تاريخية لتطبيق الحدود بمشاهد احتفائية كانت السلفية الجهادية المعبر الدائم عنها في كل مكان سيطرت فيه جماعات هذا التيار.

لكن مع اتساع دائرة النقد لهذا الشكل من الفهم والتطبيق، حتى من قبل أكثر المدارس الإسلامية أصولية، والتي قَبِلَ الكثير منها (في ما بعد) مبدأ تقنين الشريعة وأجازه، خرجت حركات من رحم التيار السلفي الجهادي تحمل شعار اصلاح هذا التيار، وكان في مقدمة الإصلاحات التي طرحتها، معالجة فكرة اختصار الشريعة بعدد من الحدود والعقوبات وكيفية تطبيقها. لكن هذا التيار الإصلاحي لم يكتب له حضوراً فاعلاً قبلَ التجربة الجهادية في سوريا. وبرزت في مقدمة هذه التنظيمات "حركة أحرار الشام الإسلامية"، التي اضطر قائدها المؤسس أبو عبدالله الحموي، في العام 2012، إلى التبرؤ من قيام بعض منتسبي الحركة من "لواء أشداء" بعدما جلدوا عدداً من المواطنين في حي الشعار في مدينة حلب بسبب تخلفهم عن صلاة الجمعة. وعاد "لواء أشداء" وانفصل عن الحركة لاحقاً. "أحرار الشام" في ذلك الوقت، كانت ترفض فكرة تقنين الشريعة، وتطبيق مدونة "القانون العربي الموحد" في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وكان العديد من الأطراف المختصة، وفي مقدمتهم محامون وقضاة منشقون عن النظام، بالإضافة إلى علماء دين وفقهاء، قد أطلقوا مشروع "مجلس القضاء الموحد" الذي أعلن تطبيق هذا القانون في العام 2012.

يستذكر عضو "المجلس الإسلامي السوري" الشيخ محمد سالم، في حديثه لـ"المدن" حول خطوة "أحرار الشام" الأخيرة، كيف كانت الحركة جزءاً رئيسياً من "الهيئة الشرعية" في حلب والتي كانت تضم أيضاً "جبهة النصرة" و"لواء التوحيد" و"لواء صقور الشام". وعملت "الهيئة الشرعية" على تقويض "مجلس القضاء الموحد" بسبب اعتماده القانون العربي المؤقت. وفشلت جميع محاولات التوفيق التي كان محمد سالم من القائمين على إحداها، بسبب اصرار الفصائل الأربعة في ذلك الوقت على موقفهم من قضية التقنين بشكل عام ومن تطبيق "القانون العربي الموحد" بشكل خاص.

ومع ذلك فإن الشيخ سالم يرى أن هذه الخطوة، حتى وإن كانت متأخرة، إلا أنها مهمة ويجب تشجيعها لإصلاح القضاء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من ناحية. ومن ناحية ثانية، فإن تبني هذا القانون المعتمد رسمياً من قبل جامعة الدول العربية، يمكن أن يساهم في تحسين الصورة القائمة عن المناطق التي تسيطر عليها قوى الثورة والمعارضة، كما يقول.

ومن الشواهد البارزة على ذلك أيضاً هو انسحاب "جبهة النصرة" من "دار العدل في حوران"، إحدى أنجح التجارب القضائية التي أطلقتها المعارضة السورية في مناطق سيطرتها، بعد اعلان "الدار" اعتماد "القانون العربي الموحد". كما اعتمدت المحاكم العاملة في ريفي حلب الشمالي والشرقي (مناطق عملية درع الفرات المدعومة من تركيا) مدونة "القانون العربي الموحد"، التي تم إقرارها من قبل وزراء العدل العرب في اجتماع الجامعة العربية في العام 1996، بعد العمل عليها لمدة تجاوزت 15 عاماً من قبل مختصين وخبراء في الشريعة والقانون.

الكثير من الاعتراضات والملاحظات يسوقها الإسلاميون ضد هذه المدونة، وفي مقدمتها؛ تقيّيدها بعض الحدود وتعويضها لأخرى من داخل الشريعة نفسها. هذا، إلى جانب اعتراضهم على فكرة التقنين بالأصل، باعتباره تقييد عقوبة التعزير التخفيفية التي أتاحها الشرع للقاضي حسب الحالة وظروفها، بنصوص ومحددات يرون أنها لا تتناسب وروح الشريعة الإسلامية. لكن الكثيرين يرون أن هذه الاعتراضات بالمجمل، ليست ذات بال إلى الحد الذي يستدعي العداء الصارخ من قبل الرافضين لهذه الخطوة، خاصة وأن غالبية الاعتراضات تتركز حول الإجراءات والمصطلحات، لا الأحكام والمعاني. وعلى هذا المنوال فقد كانت أكثر الملاحظات والاعتراضات التي قدمها المعارضون لهذا القرار، والذين شنوا خلال اليومين الماضيين هجوماً متواصلاً على "حركة أحرار الشام"، بينما كان لافتاً الصمت الذي مارسه منظرو السلفية الجهادية المعروفون، وكذلك شرعيو "هيئة تحرير الشام".

وحده المصري طارق عبد الحليم، والذي يعتبر من أشد المرجعيات السلفية الجهادية تأييداً لـ"هيئة تحرير الشام" علق على ذلك بالقول: "إن القانون العربي الموحد يقف في الوسط بين الإسلام والكفر". وأضاف عبدالحليم، في تغريدات له في "تويتر": "‏القانون العربي الموحد هو مشروع قانون لا قانون. وهو كحل وسط بين القانون السوري والشريعة، يقف وسطاً بين الإسلام والكفر، وبين الشريعة والتحديث، وإن ‏تطبيق هذا القانون قد يكون له وجه بشكل مؤقت، من حيث أنه لا يوجد هيكل لتطبيق أي قانون في سوريا، فهو هيكل غير مُلزم بكل تفاصيله وجزئياته".

في المقابل، كان واضحاً الترحيب بهذه الخطوة من جانب ناشطي التيارات الإسلامية السورية الأخرى، الذين اعتبر الكثيرون منهم أن هذه الخطوة تستحق التشجيع بالفعل، على الأقل لتحفيز بقية الفصائل التي لها موقف سلبي من هذه القضية، من أجل إعادة النظر بموقفها.

واعتبر الكاتب الإسلامي المستقل ماهر علوش، في خطوة "حركة أحرار الشام الإسلامية" التزامها بمدونة "القانون العربي الموحد" كقانون واجب التطبيق في محاكمها، أنها "بداية الطريق لحسم فوضى القضاء الناتجة عن الحكم بآراء واجتهادات قضاة لا يملكون الخبرة الكافية ولا القدرة على الاجتهاد والترجيح"، داعياً أن تعلن جميع المحاكم في المناطق المحررة التزامها بهذا القانون، وأن تعلن كافة الفصائل دعمها لهذه الخطوة.

وذهب علوش أبعد من ذلك حين نصح بعدم إجراء أي تعديلات على "القانون العربي الموحد" في الوقت الحالي، وذلك تعليقاً على تغريدات لرئيس الهيئة القضائية لـ"حركة أحرار الشام" الشيخ أحمد نجيب، الذي كان قد أكد أن اعتماد المدونة لن يمنع من تعديل بعض النقاط التي لا تتفق مع النص الشرعي. لكن علوش اعتبر أنه "لا بأس بالعمل بالقول المرجوح ما لم يكن قولا شاذاً، لأن التعرض لها بالتغيير سوف يفتح باب جدل محتدم، وسيفقد القانون أهم صفة فيه، وهي الشرعية القانونية المستندة إلى الإجماع الحكومي العربي، دون أن يعني هذا إغلاق باب الاجتهاد في وجه فقهاء الشريعة والقانون، إنما تأجيل مراجعة هذه المدونة وتطويرها إلى وقت لاحق".

رأي يوافق عليه الكثيرون من المتخصصين في هذا المجال، من مناصري تطبيق "القانون العربي الموحد"، الذي أكدوا أن هذا القانون ليس فيه ما يخالف الشريعة، حتى في قضية الحدود، وهو أمر يتفق مع روح النص الديني وتطبيقاته، مع ما يوفره من تسهيل إجراءات التقاضي والتخلص من البيروقراطية في المحاكم. ورأى هؤلاء في مجمل تعليقاتهم، أن "حركة أحرار الشام" إذا كانت جادة في تطبيق هذا القانون، فإن عليها أن تتجنب إدخال أي تعديلات عليه، أما إذا كان هدفها تسويقي وإعلامي، فإن التجربة لن تكون فاشلة وحسب بل ستفتح الباب أمام كل من هب ودب للتعديل على هذا النص الذي جاء نتاج جهد كبير استغرق سنوات طويلة ومثّل عصارة خبرات مرموقة.

جملة تساؤلات ومخاوف، واعتراضات متباينة المصادر والوجهات، حاول المتحدث باسم "حركة أحرار الشام" محمد أبو زيد، أن يجيب عليها، بالتأكيد على أن هذا الخيار، هو خيار استراتيجي من جانب الحركة التي ستعتمد هذا القانون، و"لكن بعد تهذيبه". أبو زيد، وفي تغريدات له في "تويتر" قال: "إنّ أدنى ثمرات اعتماد القانون العربي الموحد (مهذباً) هي توحيد المرجعية القضائية في جميع المناطق المحررة، وإخراج الناس من الارتجالات القضائية التي لا زمام لها ولا خطام". وأضاف: "هذا القانون لم يكن بدعاً، وإنما ثمرة لعمل دؤوب لثلة من كبار المشتغلين بالشريعة والقانون، وإن اعتماد الهيئة القضائية لأحرار الشام له جاء لوضع اللبنة الأولى في مسيرة ضبط القضاء وتنظيمه للوصول إلى المنشود".

لكن ما هو المنشود؟!

سؤال طرحه الكثيرون تعليقاً على تصريحات المتحدث باسم الحركة، كل حسب انتمائه وتوجهه الفكري. فمن ناحية، يرى الراديكاليون الإسلاميون، أن ما تنشده الحركة بهذا القرار، وكذلك العديد من القرارات والخطوات التي اتخذتها سابقاً، هو التحول إلى حركة ديموقراطية تنخرط في الحداثة بالتدريج، ما يبعدها عن المبادئ والأساس التي قامت عليها. بينما قال معارضو التيار الإسلامي إن "أحرار الشام" إنما تمارس بهذه الخطوة دوراً جديداً من أدوار التسويق الإعلامي لها، من أجل حيازة القبول الاقليمي والدولي الذي تنشده، ومن ثم الانقلاب على كل ذلك، بعد التمكين لنفسها ولبقية التنظيمات الإسلامية الأخرى القريبة منها، بما في ذلك "هيئة تحرير الشام"، من أجل تطبيق مشروعهم السياسي.

اتهامات يرى فيها مؤيدو "حركة أحرار الشام" بأنها طبيعية، طالما أن الحركة اختارت الوسطية، وتعمل عل ترسيخها بمثل هذه الخطوات باستمرار. وهو موقف لا يمكن أن يرضي أياً من الطرفين المتناقضين، اللذين يتهمان الحركة ويهاجمانها على الدوام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها