السبت 2017/05/27

آخر تحديث: 19:32 (بيروت)

رعايا "الدولة الإسلامية"المصريين:الكابوس الخارج من السجون

رعايا "الدولة الإسلامية"المصريين:الكابوس الخارج من السجون
Twitter ©
increase حجم الخط decrease
طرح تزايد عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" في مصر، أسئلة كثيرة عن الروافد المغذية للتنظيم، خصوصاً مع وصول العمليات الإرهابية إلى مدن الدلتا والداخل المصري، وقدرة التنظيم على اختراق وتجاوز الإجراءات الأمنية، واستهداف القاهرة وطنطا والاسكندرية.

يكاد يجمع مراقبون على ازدياد حالة التطرف في صفوف الشباب المصري عقب 3 يوليو/تموز 2013، وما استتبعها من حضور قوي لاستخدام العنف من قبل أجهزة الدولة المصرية، بدءاً من مذبحة الحرس الجمهوري في 8 يوليو/تموز 2013، والتي خلفت 61 قتيلاً ونحو 450 مصاباً، مروراً بمذبحتي رابعة العدوية وميدان النهضة، والعنف ضد طلاب الجامعات خلال العام 2014.

لا تسجل "داعش" وحدها حضوراً على الساحة المصرية ضمن المجموعات التي تنتهج العنف في مواجهة عنف الدولة، فـ"لواء الثورة"، و"أجناد مصر"، و"حسم"، كانت تنظيمات حاضرة على الساحة وتبنت العديد من الهجمات وتفجير العبوات الناسفة في تجمعات للشرطة.

تتجاوز أسباب التطرف وتبني النهج العنيف والمسلح ضد الدولة، الأسباب القديمة التي تداولها المهتمون بالحركات الجهادية؛ فالحديث عن الفقر والجهل والأمية التي تدفع الشباب إلى أحضان العنف، يدحضها وجود نماذج مثل إسلام يكن ربما، أو حتى وجود نماذج مثل منفذي تفجيري كنيستي الاسكندرية وطنطا قبل مدة، إذ إن أحدهما خريج "الليسيه"، واحدة من مدارس "الصفوة" المالية والاجتماعية في مصر، والآخر كان يعمل في شركة بترول، في وظيفة يعادل راتبها ما يتقاضاه 15 موظفاً في القطاعات الأخرى.

تبدو السجون المصرية حاضرة بقوة في "صناعة الدواعش" بحسب التقارير الحقوقية. ووفقاً لرواية أحد المحكومين في سجن العقرب، فإن تعامل إدارات السجون المصرية والتفنن في ابتكار طرق للتعذيب، يوفر بشكل دائم مضخة لانتاج "الدواعش" من راغبي الانتقام والثأر لما تعرضوا له، حتى وإن لم يكونوا مؤمنين بالفكرة بحد ذاتها.

أحد الصيادلة الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد 25 عاماً، روى لـ"المدن" قصة شاب بايع تنظيم "الدولة الإسلامية" وانضم له داخل السجن بعد أن تعرض لتعذيب شديد وانتهاكات جنسية وصلت إلى ما يشبه الاغتصاب الكامل له باستخدام العصي، قبل أن تنقله إدارة السجن من عنبره إلى عنبر مخصص للمحتجزين المتشددين، ليظهر بعد أيام وقد أعلن بيعته لـ"أبو بكر البغدادي" مكفراً زملاءه في الزنزانة السابقة.

أحد الشبان الذين كانوا في عداد المختفين قسراً لنحو شهر، تمكنت أسرته بطريقة ما من إخراجه قبل أن تلفّق له تهمة تبقيه في المعتقل. يروي الشاب لـ"المدن" عما كان شاهداً عليه في مقر احتجازه، إذ إنه أمضى مدته معصوب العينين تماماً، مقيد اليدين في ممر بين مكاتب عديدة. تعذيب الشاب كان يقتصر على سماع أقرانه أثناء حفلات التعذيب التي يتلقونها، الأمر الذي كان بمثابة تهيئة لهم حين يتم نقلهم بعد ذلك إلى السجون، ووضعهم في أجنحة وعنابر المتشددين، على حد قوله.

ويلفت الشاب أن رفاقه في المقر الذي كان فيه رووا له حادثة حصلت في مقر الاحتجار، حيث أحضر السجانون زوجة أحد المعتقلين وعروها، وقاموا بالاعتداء عليها بعد رفع الغطاء عن عينيه، ما أجبره على الاعتراف بكل ما لم يرتكب حفاظاً على سلامة زوجته.

وتحكي أسرة شاب آخر محبوس على ذمة قضية منظورة أمام القضاء العسكري، أنه بعد القبض عليه وإخفائه قسرياً حوالى شهرين، لاقى خلالها أصنافاً من التعذيب، وقام المحققون بجلب شقيقتيه لإجباره على الاعتراف باتهامات ملفّقة، وهو ما حصل فعلاً أمام كاميرات التلفزيون، ثم نقل بعد ذلك إلى سجن العقرب، في زنزانة المتشددين.

شاهدٌ آخر قد يكون دليلاً دامغاً على ما يجري داخل السجون، هو محمود شفيق، منفّذ تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر/كانون الأول 2016، إذ بحسب الرواية الرسمية، فإن شفيق كان مسجوناً على ذمة قضية بعد أن ألقي القبض عليه في تظاهرة نظّمتها جماعة الإخوان، قبل أن يخلى سبيله بعد أشهر، ولاحقاً غادر مصر إلى السودان، وعاد إليها بحزام ناسف فجّره في الكنيسة البطرسية.

وتعتبر السودان محطة مهمة في طريق الوصول لـ"داعش" في سوريا والعراق، حيث تتم عمليات نقل المجنّدين في صفوف التنظيم عن طريق الصعيد، وصولاً إلى أبوسمبل بعد الحصول على تزكية من شخص له حيثية أو اعتبار في الأوساط القريبة من "داعش"، وبعدها يمر عبر طريق التهريب إلى السودان، ولاحقاً يصل إلى تركيا ويكون المجال امامه مفتوحاً للالتحاق بعناصر التنظيم في سوريا أو العراق.

وبتتبع طرق التجنيد والالتحاق بتنظيم "الدولة"، يبرز أيضاً طريق سياحي، يستخدمه المجندون بحجّة السفر إلى جورجيا، ومن بعدها ينتقلون إلى تركيا، ولاحقاً إلى سوريا، لقاء مبالغ مالية متوسطة.

في الوقت الذي تتوغل فيه "داعش" وتخترق الداخل المصري محققة أهدافاً في غاية الخطورة على المصريين، فضلاً عن اختراقها الواسع لأجهزة الأمن نتيجة استغلالها لمنظومة الفساد، يبدو أن البلاد أمام كابوس لن ينتهي قريباً، خصوصاً وأن السلطات المصرية توفّر بيئة خصبة للفكر المتطرف نتيجة الانتهاكات والظلم الذي يمارس بحق مدنيين في سجونها ومعتقلاتها، ما يجعلهم بعدها مهيئين للحظة انتقام انتظروها طويلاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها