السبت 2017/05/27

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

المعبر بين النظام و"فيلق الرحمن": لن تعود الغوطة موحدة

السبت 2017/05/27
المعبر بين النظام و"فيلق الرحمن": لن تعود الغوطة موحدة
سيتم تكليل التقسيم أخيراً، بفتح معبر تجاري بين القسم الأوسط، الذي يسيطر عليه "فيلق الرحمن" وبين مناطق قوات النظام (انترنت)
increase حجم الخط decrease
فصول اقتتال العام 2017، بين الفصائل المسلحة المسيطرة على غوطة دمشق الشرقية، وصلت إلى مآلات لم يكن لأحد أن يتوقعها أثناء اقتتال العام 2016. وتتجه آثار الاقتتال الراهن السلبية، نحو التثبيت والتكريس إلى غير رجعة. كما يلوح شبح عقد الصفقات الأحادية مع النظام في الأفق، ولا يبدو أن هناك ما يؤجلها إلا إتمام بعض التحضيرات "المُشرِّفة" اللازمة، خصوصاً بعد الإحباط الذي طغى على السكان بعد الاقتتال وسقوط الأحياء الشرقية من دمشق في يد النظام. وجلّ ما يتمناه المدنيون اليوم بخصوص أي اتفاق محتمل ألا يتضمن أي تهجير.

وقد تكرّست في الأيام الماضية، آثار الاقتتال الحالي، التي لم تواجه بحملات مدنية معارضة شديدة كالتي حدثت في العام 2016. ففي حين اتجهت آليات "تركسات" مجلس محافظة ريف دمشق في "الحكومة المؤقتة" إلى السواتر الترابية بين مناطق الفصيلين لتزيلها، رغماً عنهما، في العام الماضي، وأقام نشطاء مدنيون خيمة اعتصام وانتشروا في مناطق التماس لمنع أي تصادم جديد، لم يحدث هذا العام أي حراك جدي وموجّه لمنع أي تكريس للانقسام وآثار الاقتتال. وبدا الإحباط عاماً على القوى المدنية المستقلة، مع ضيق تفكير العسكريين وانحصاره بحماية "كانتوناتهم" وحسب، وعلو صوت السلاح على صوت المنطق. فيما تحزبت باقي الجهات المدنية إلى هذا الفصيل أو ذاك.

وقسمَت الغوطة إلى قطاع دوما ومحيطه الذي يسيطر عليه "جيش الإسلام"، والقطاع الأوسط الذي يسيطر عليه "فيلق الرحمن"، ومُنع تبادل البضائع بينهما، وتوقفت حركة السيارات، بما فيها سيارات الإسعاف والدفاع المدني، وصار التنقل مشياً، وانتهى أي تنسيق عسكري أو معنوي. وبحسب أنباء شبه مؤكدة، فسيتم تكليل التقسيم أخيراً، بفتح معبر تجاري بين القسم الأوسط، الذي يسيطر عليه "فيلق الرحمن" وبين مناطق قوات النظام. وبذلك يتم الاستغناء في القسم الأوسط عن معبر مخيم الوافدين الذي يصل مدينة دوما التي يسيطر عليها "جيش الإسلام"، بمناطق النظام. وهو ما سيشكل آخر مسمار في نعش عودة الغوطة كتلة واحدة لها مصير واحد.


(المصدر: طوران)

وقد منع "فيلق الرحمن" دخول البضائع من قطاع دوما إلى القطاع الأوسط الذي يسيطر عليه. وتمر البضائع قبل وصولها القطاع الأوسط، بمدينة دوما، عن طريق معبر مخيم الوافدين مع النظام الذي يسيطر عليه "جيش الإسلام". منع الفيلق دخول البضائع لأنها "لتجار مرتبطين بجيش الإسلام" بحسب تعبيره.

وفي اجتماع دعت إليه قوى مدنية وحضره قادة في "فيلق الرحمن"، للاستفسار عن سبب حصار القسم الأوسط، ضمن الحصار الكلي للغوطة، أجاب أحد قادة "الفيلق": "لن نسمح لجيش الإسلام أن يتحكم باقتصادنا ومواردنا، اضغطوا من أجل فتح طريق للبضائع بيننا وبين النظام". هذه الرسالة وصلت إلى القوى المدنية والتجار في القسم الأوسط الذين لهم "ثلثي الخاطر". وتسعى القوى المدنية للتخلص من الوقوع "تحت رحمة جيش الإسلام"، ويسعى التجار لجني الأرباح أكثر من إدخالها عن طريق تجار "جيش الإسلام". ويسعى "فيلق الرحمن" إلى الهدفين السابقين مجتمعين، برغم ما قد يستغله النظام لاحقاً، وما قد يؤول إليه مصير الغوطة جرّاءه.

ويقف الفصيل الثالث في الغوطة، وهو "حركة أحرار الشام"، على الحياد من كل ما يحدث. فبعد اندماج "الحركة" التي لم يكن يتجاوز عدد منتسبيها بضع مئات، مع "لواء فجر الأمة" في حرستا، وتولية قائد "اللواء" قيادة "الحركة"، اختارت الحركة عدم الردّ على الاعتداء الأول عليها الذي قاده "جيش الإسلام"، ولا الاعتداء الثاني الذي قاده "فيلق الرحمن". وتقف "الحركة" ساكنة تنتظر مآل الغوطة الذي لن تستطيع تغيير مجراه.

وانعدمت الأصوات التي كانت تدعو طويلاً إلى وحدة الفصائل، واطلاق معركة دمشق في التظاهرات الأسبوعية. وأصبحت أعداد المتظاهرين في القطاع الأوسط كبيرة، لكن مع التخلي عن المواقف الداخلية، والاكتفاء بإسقاط النظام. ما يكشف حالة الإحباط من سيرورة الأمور داخلياً. فيما تعرضت القوى الثورية في مدينة دوما إلى المنع تحت التهديد والضرب، والسماح فقط لما يسمى "الحراك الشعبي" التابع لـ"جيش الإسلام" والناطق بما تريده قياداته.

يحدث كل هذا التفكك في أعتى لحظات هدوء النظام، فلم تشهد الغوطة أبداً كل هذه الفترة من التهدئة من قبل نظام الأسد، فلا قصف ولا طيران ولا اشتباكات منذ أسابيع.

الآن، لا يبدو أن هناك أي طاقة إيجابية لأي حراك مدني لإيقاف مأساة الغوطة التي يجرّها إليها العسكريون غير الآبهين بها. ولا يبدو لدى العسكريين أي نزعة لتخفيف التصعيد بين بعضهم كما هو الحال مع النظام اليوم. وللمفارقة، فقد بدأت غالبية السكان تتحدث عن تقدير بأن الغوطة محمية حتى الآن بسبب اتفاق دولي فيما بات يعرف بـ"مناطق تخفيف التصعيد". "الخارج" و"اللاعبون الإقليميون" لم يحضروا سابقاً في أحاديث السكان، كما هو الحال اليوم.

ومع غياب الحديث عن وحدة الفصائل ومعركة دمشق، صار الحديث عن الاتفاقات الخارجية تعويضاً عما فقده الناس من الآمال الماضية. لكنّ جلّ خوفهم اليوم، هو أن يستمروا بدفع أثمان من حياتهم لخلافات خارجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها