الجمعة 2017/05/12

آخر تحديث: 07:29 (بيروت)

"الاتحاد الديموقراطي" الكردي: كم طبقة للبصلة؟

الجمعة 2017/05/12
"الاتحاد الديموقراطي" الكردي: كم طبقة للبصلة؟
وكأن تعقيد المشهد غير كافٍ، فيُصّر الأميركيون على دعم تنظيم خيالي بالكامل يُسمى "التحالف العربي السوري" (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
اعلان وزارة الدفاع الاميركية عن البدء بتسليح الأكراد ضمن "قوات سوريا الديموقراطية" هو مجرد اقرار بفعل متواصل مستمر الحدوث منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، عندما أوقفت إدارة الرئيس باراك اوباما برنامج "التسليح والتدريب" الخاص بالمعارضة السورية، ونقلت تركيزها إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية.

التعاون بين القوات الأميركية و"وحدات حماية الشعب" بدأ منذ معركة كوباني "عين العرب" في ريف حلب الغربي، ضد "الدولة الإسلامية"، نهاية العام 2014. وفي نهاية العام 2015 ألقت الولايات المتحدة 50 طناً من الأسلحة والذخائر على مناطق تسيطر عليها "الوحدات".

الشكاوى المتتالية من الفصائل العربية المنضوية في "قوات سوريا الديموقراطية" عن هيمنة "الوحدات" لم تتوقف بدورها، منذ تشكيل "قسد" في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015. قائد "ثوار الرقة" أبو عيسى، قال حينها إن "الوحدات" تتحكم بالذخيرة التي أسقطتها الولايات المتحدة، وأيد كلامه زعيم قبيلة شمر التي تنتمي إليها "قوات الصناديد" المشاركة بدورها في "قسد". الولايات المتحدة أنكرت ذلك، وأكدت أن "الذخيرة ذهبت حيث يجب... إلى الناس المقصودين". بُعيد ذلك بقليل، وصلت قوات أميركية خاصة، من 50 عنصراً، إلى مناطق "الوحدات"، لدعم وتسليح المقاتلين. ولم يستغرق الأمر طويلاً قبل افتتاح مطار عسكري أميركي بالقرب من الرميلان، في ريف الحسكة.

الولايات المتحدة نقلت البندقية من كتف المعارضة السورية الى كتف "وحدات حماية الشعب"، بكل سلاسة، مع الاقرار بأن "الوحدات" هي الحليف "الأكثر صدقية وموثوقية" في قتال "الدولة الاسلامية". وليس سراً القول إن الاعتماد الأميركي على "وحدات الحماية" لم يكن إلا نتيجة لعدم وجود خيارات أخرى ترضي الأميركيين. فبرنامج "التدريب والتسليح" الاميركي للمعارضة السورية، واجه مشاكل كبرى، ولم يتجاوز عدد من وافقت واشنطن على تدريبهم المئات، ولم يتخرج فعلياً سوى العشرات من برنامج رصد له نصف مليون دولار لتأهيل 5000 مقاتل في العام الواحد. الفشل الأميركي تعلق بشكل رئيسي بالشروط التعجيزية لاختيار المتدربين المؤهلين، وفي الاشتراط عليهم بقتال "الدولة الاسلامية" فقط. المعارضة السورية التي تحارب النظام السوري لم تجد جدوى من العرض الأميركي، وسط تخوف من ابتلاعها ومحاربتها من قبل فصائل السلفية الجهادية، لكن "وحدات حماية الشعب" بموقفها الضبابي من النظام وجدت الفرصة سانحة لتصبح تحت رعاية أميركية مباشرة.

وكما أن "الاتحاد الديموقراطي-PYD" هو النسخة السورية من حزب "العمال الكردستاني-PKK" التركي، فإن "وحدات حماية الشعب-YPG" هي النسخة الكردية السورية من "قوات الدفاع الشعبية-HPG" الكردية التركية. "الاتحاد الديموقراطي" تأسس في العام 2003 بقرار من "العمال الكردستاني" بعد اتفاقية أضنة بين سوريا وتركيا في العام 1998 والتي نتج عنها تسليم سوريا لزعيم "العمال" عبدالله أوجلان المقيم حتى ذلك التاريخ في دمشق. وتأخر اعلان تشكيل "الوحدات" الكردية حتى العام 2012، لكنها سرعان ما تمددت إلى مختلف مناطق تواجد الاكراد في الشمال السوري.

السنوات الماضية كانت كفيلة بتغيير عقيدة "العمال الكردستاني" و"الاتحاد الديموقراطي" اليسارية-القومية الكردية، المناهضة للإمبريالية الغربية، والهيمنة القومية التركية والعربية/السورية/العراقية، إلى تبنيهما "مكافحة الإرهاب" الإسلامي. ذلك ما جعل الذراع العسكرية لـ"الاتحاد الديموقراطي" طرفاً مساهماً، بل الأشد فاعلية في قتال "الدولة الإسلامية"، بدعم أميركي مباشر. الانتقال من أقصى اليسار إلى الحضن الأميركي ليس المعجزة الوحيدة لشقيق "العمال الكردستاني" السوري. وبذور القومية الكردية لا يمكن إخفاؤها في الخطاب الحالي لـ"الاتحاد الديموقراطي"، رغم أنها شهدت تحولاً بات ممكناً معه تعريف القومية الكردية بمعاداة الهيمنة التركية، بعدما تلاشت الدول "القومية" في سوريا والعراق.

جميل باييق، أحد مؤسسي "العمال الكردستاني"، ونائب زعيمه عبدالله أوجلان المحتجز في سجن أميرالاي في تركيا، قال في مقابلة مع "المونيتور" إن لا رؤى قومية لـ"العمال الكردستاني"، بل "نحن حركة ليبرالية باحثة عن الكونفيدرالية القائمة على الأمة الديموقراطية". وتبدو الديموقراطية في خطاب "العمال الكردستاني" و"الاتحاد الديموقراطي"، وبسبب من إرثهما الشيوعي، أبعد ما تكون عن شكلها الغربي الليبرالي، بل أشبه بديموقراطية مجالس السوفيات من العمال والفلاحين. وفي سياق هذا الفهم، تمّت الاستعاضة عن مكونات الشعب الطبقيّة في الحقبة السوفياتية، بمكونات الهوية الأولية لمجتمعات الشمال السوري، من طوائف وإثنيات ومذاهب. فكانت "ديموقراطية المكونات"، وهي مفهوم يقترب من التشاركية والمحاصصة، إلا إن إنكاراً واسعاً من قبل الحزبين، يحيط بهذا المفهوم. فهل يمكن القول إن "التقية" التي يمارسها "الاتحاد الديموقراطي" تجاه القومية الكردية، وتجاه المحاصصة القائمة على الهوية، تجعل اللبس والغموض يحيطان بمجمل سياساته؟

في التطبيق العملي تبدو الأمور مختلفة. فـ"الاتحاد الديموقراطي" وعلى الرغم من تبنيه لأفكار الزعيم عبدالله أوجلان، من ديموقراطية المكونات والفيدرالية وإمكانية التعايش الديموقراطي بين الشعوب، إلا أنه نسج خلال السنوات السابقة مجموعة من الأجهزة والتنظيمات البيروقراطية والسلطوية، التي يصعب تمييزها عن بعضها البعض. وعدا عن مؤسساته الداخلية من "اللجنة المركزية" و"المؤتمر العام/الكونغرس"، فقد أوجد "الفيدرالية الديموقراطية للشمال السوري-DFNS"، بعدما أسقط كلمة "روجافا" من اسمها، والتي وصفها جميل باييق، بأنها "كيان لقوى سوريّة تمثّل بديلاً لمشاكل المنطقة". وكذلك أوجد "الاتحاد الديموقراطي" قوات "سوريا الديموقراطية-SDF" التي وصفها باييق أيضاً بـ"strong grassroots" مع تنوع عرقي وديني من العرب والسريان والتركمان والمسيحيين والمسلميين والأيزيديين فيها.

و"PYD" عضو "ميثاق تجمع التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي"، لكنه سبق ورفض الانضمام إلى "المجلس الوطني الكردي"، الذي تشكل في العام 2011 والمعارض للنظام السوري وعضو "الائتلاف الوطني" المعارض. ومع ذلك فقد وقّع "PYD" وهو عضو "مجلس شعوب غربي كردستان" مع "المجلس الوطني الكردي"، اتفاق تعاون، شكلا على إثره "المفوضية الكردية العليا/المجلس الأعلى الكردي" في حزيران 2012. وفي اتفاقية ملحقة على اتفاق التعاون، في تموز 2012، توافق الطرفان على تشكيل "لجان أمنية وقوات مدنية غير مسلحة للدفاع عن المناطق الكردية" والتي ستعرف لاحقاً بـ"YPG" والتي ستهيمن بالكامل على المناطق الكردية، وستتبع مباشرة لحزب "PYD".

وفي حين تستمد "YPG" شرعيتها من "المفوضية الكردية العليا-Super Kurdish commission" إلا إن "الوحدات" تفرّدت بإقامة "إدارات ذاتية" في الشمال السوري، وتتبع لها منظمة أمنية تعرف باسم "أسايش". "YPG" لم تتوقف عن اعتقال أعضاء الأحزاب الكردية السورية المعارضة لها، وإغلاق مقارهم، بمن فيهم أعضاء "المجلس الوطني" وأحزابه المتعددة، وأخرها قبل أيام.

المجموعة الكبيرة من التنظيمات السلطوية التي يندرج فيها وضمنها "الاتحاد الديموقراطي" وذراعه العسكرية "وحدات الحماية"، تجعل من تتبع مركز السلطة في الشمال السوري، أشبه بالمتاهة. كثرة تلك المنظمات، يمكن تشبييها بالسيور والنواقل المتعددة، التي تعتمدها الحركات الشمولية، لاخفاء هرم السلطة فيها، وما يتيح لها في الوقت نفسه، استخدام وجوه متعددة للظاهرة ذاتها.

الباحث في "كارنيغي" أرون لاند، قال إن اسم "SDF" هو الطريقة التي يلفظ فيها الناس في واشنطن اسم "PKK". فـ"قوات سوريا الديموقراطية-SDF" هي المظلة التي تجمع فصائل عربية، حضورها شكلي وديكوري، إلى جانب "وحدات حماية الشعب". في معركة الشدادي من ريف الحسكة، في شباط/فبراير 2016، قال مبعوث الرئاسي الأميركي الخاص إلى "التحالف الدولي لمكافحة داعش"، إن القوات التي سيطرت على الشدادي منها 60 في المئة أكراداً، و40 في المئة عرباً. إلا أن الشهادات من الأرض، كانت مناقضة لتلك الأقوال. فـ"الصناديد" و"المجلس العسكري السرياني" اتخذا مواقع خلفية في المعركة، ولم تشارك "شمس الشمال" سوى بقائدها وبضعة معاونين له، في حين غاب "ثوار الرقة" بالكامل. المقاتلون العرب في خطوط المعركة الأمامية، كانوا فعلياً من ضمن قوات "YPG"، والذين وصلت نسبتهم إلى 15 في المئة من "الوحدات".

وزير الدفاع الأميركي السابق أشتون كارتر، قال: "عرّفتنا YPG بشكل أساسي على بعض السوريين العرب الذين ظننا أنه يمكننا مساعدتهم لقتال داعش، ممن يريدون قتالها. هذه كانت المهمة لاكتشاف تلك الإمكانية، ومعرفة هؤلاء الأشخاص". ويظهر هنا، أن القيادة الأميركية، استغنت عن معاييرها الصارمة في انتقاء القوات والعناصر العربية، واستبدلتها بموافقة "YPG" وخياراتها. فعلياً، بدأ تشكيل "قسد" بعدما التقى مسؤولون من وزارة الدفاع الأميركية بـ20 قيادياً من فصائل مسلحة، أوصت بهم "YPG"، في أيلول/سبتمبر 2015.

والقوات المؤسسة لـ"قسد" ضمت في البداية كلاً من "لواء ثوار الرقة" و"لواء أحرار الرقة" و"قوات صناديد شمر" و"المجلس العسكري السرياني" و"كتيبة شمس الشمال"، ثمّ ضمّت لاحقاً "لواء جنود الحرمين" و"كتيبة أحرار الفرات"، و"جيش الثوار". وباستثناء "الصناديد" التي يعد مقاتلوها بحدود الـ1000، فلا تزيد أعداد مقاتلي الواحدة منها عن العشرات وربما المئات. وأحد أبرز مكونات "قسد" الحالية هو "جيش الثوار" الذي تشكل في أيار/مايو 2015 من بقايا "الجبهة الكردية" التي كانت محسوبة على الجيش الحر، وكل من "جبهة ثوار سوريا" و"حركة حزم" و"الفرقة 30" الذين شنّت "جبهة النصرة" حملة لاجتثاثهم من ريفي حلب وإدلب.

الحضور العربي ضمن "قسد" بدا أكثر وضوحاً في المعارك غربي الفرات، منذ الاستيلاء على سدّ تشرين على نهر الفرات، مطلع العام 2016، ومع ذلك فقد ظل خجولاً لا يقارن بالحضور الكردي. "المجلس العسكري السرياني" المعروف باسم قوات "السوتورو" و"صناديد شمر"، وبحسب مصادر مقربة من "وحدات الحماية"، لا يشاركان في المعارك، ومهامهما أمنية. ذروة حضور القوات العربية ضمن "قسد" كانت خلال معركة منبج، والتي تحولت إلى حرب استنزاف لـ"وحدات حماية الشعب" حتى طرد "الدولة الإسلامية" منها، في 13 آب/أغسطس 2016. بعد ذلك تراجع ذلك الحضور، وكاد يتلاشى. في معركة الطبقة، في منتصف نيسان/إبريل 2017، طوّقت "الوحدات" كلاً من "قوات النخبة" المتعاونة مع "قسد"، و"قوات صناديد شمر" العضو في "قسد"، ومنعتهما من المشاركة في المعركة. كما أن قصفاً أميركياً طال "لواء صقور الرقة"، الموالي للنظام والمنضوي في "قسد"، والذي قيل إنه لتحييد النظام عن معركة الطبقة. القوات الموالية للنظام لم تسلم بدورها إذ أنهت "الأسايش" و"وحدات الحماية" وجود مليشيات "الدفاع الوطني"، وهي بمعظمها من عشائر عربية سنية، في الحسكة في أب/أغسطس 2016.

وكأن كل تعقيد المشهد في الشمال السوري غير كافٍ، فيُصّر الأميركيون على دعم تنظيم خيالي بالكامل يُسمى "التحالف العربي السوري". الأميركيون دخلوا حالة إنكار لدعمهم منظمة سبق وصنفوها إرهابية في العام 1997، بعد حرب مريرة خاضتها مع الدولة التركية، لذا فهم يحاولون جهدهم لإقامة فصل ما، ولو كان متخيلاً، بين "العمال الكردستاني" و"الاتحاد الديموقراطي". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها