الأربعاء 2017/04/05

آخر تحديث: 13:30 (بيروت)

زيارة العبادي واشنطن: هل حملت جديداً؟

الأربعاء 2017/04/05
زيارة العبادي واشنطن: هل حملت جديداً؟
تزامنت الزيارة مع الذكرى الرابعة عشرة للغزو الأميركي للعراق عام 2003 (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
قام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بزيارة لواشنطن في 20 آذار/مارس، التقى خلالها بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وشارك في اجتماع عُقد في وزارة الخارجية الأميركية ضمّ مسؤولين من 68 بلداً ومنظمةً لبحث تسريع الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وقد تزامنت الزيارة مع الذكرى الرابعة عشرة للغزو الأميركي للعراق عام 2003، والذي سبق لترامب أن أيّده، قبل أن يعود ويعلن معارضته له.

الاهتمامات العراقية

مع أنّ العبادي جاء إلى واشنطن مهتماً بالحصول على دعم أميركي عسكري ولوجستي أكبر في محاربة تنظيم "داعش"، فإن ذلك لم يكن جل اهتمامه، فقد حاول الحصول على مساعدات اقتصادية أيضاً، حيث يواجه العراق أزمةً ماليةً كبيرةً نتيجة الحرب ضد "داعش". وقد صرّح بعد لقائه ترامب أن القوة وحدها لا تكفي لهزيمة الإرهاب، وأن العراق يتطلع "إلى مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة". وإلى جانب حشد الدعم العسكري، عمل العبادي على محاولة حشد دعم اقتصادي لإعادة إعمار المدن العراقية المدمرة، ومواجهة نزوح أكثر من 4 ملايين شخص. كما شدد، مرة أخرى، في كلمته في اجتماع ممثلي التحالف الدولي في مقر وزارة الخارجية الأميركية، على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلاده، فقال "نرغب في أن نرى مزيداً من الأموال حتى نتمكن من استعادة الازدهار والاستقرار في المناطق" المتضررة من الحرب بسرعة.

وعلى الرغم من أن البيت الأبيض وافق العبادي على "أنه لا يمكن هزيمة الإرهاب بالقوة العسكرية وحدها"، وأشار إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فإن مثل هذه التعهدات ستبقى على الأرجح في إطار الوعود. فقد تضمنت الميزانية التي اقترحها ترامب مؤخراً خفض التمويل لوزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية بنسبة 30 في المئة تقريباً. وتساهم كلٌ من الوزارة والوكالة بصورة كبيرة في بعثات حفظ السلام وبرامج التنمية الدولية. في المقابل، تنص الميزانية الجديدة المقترحة على زيادة قدرها 54 مليار دولار للنفقات الدفاعية. ومع أنها تخصص أكثر من 3 مليارات دولار لمواجهة "داعش"، فإنها تنحصر في المجال العسكري فقط. وتخالف هذه التوجهات في الميزانية الأميركية، إذا أقرها الكونغرس، مواقف إدارتي أوباما وجورج بوش الابن، ذلك أنهما اعتبرا دعم المشاريع التنموية في العراق أحد الوسائل لمواجهة التأثير الإيراني فيه. وعلى الرغم من تأكيد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في اجتماع دول التحالف المشار إليه، أن الجهود في العراق وسوريا ستنتقل قريباً من "العمليات العسكرية الرئيسة إلى تحقيق الاستقرار"، فقد شدد على أن تمويل ذلك هو جهد دولي بالدرجة الأولى، و"أننا، كتحالف، لسنا بصدد الانخراط في بناء أو إعادة بناء أي بلد؛ إذ يجب أن نضمن تخصيص الموارد الثمينة والمحدودة الخاصة ببلادنا من أجل منع عودة داعش وتجهيز المجتمعات التي مزقتها الحروب بما يؤهلها لأخذ زمام المبادرة في إعادة بناء مؤسساتها والعودة إلى الاستقرار".

الاهتمامات الأميركية

تبدو إدارة ترامب معنية بالدرجة الأولى بجهود محاربة "داعش"، وضمان عدم إحياء قوتها وسيطرتها مجدداً، وذلك من خلال إقناع العبادي بتجنّب العمل بسياسات طائفية وإقصائية تساهم في تعزيز قوة التنظيم وتوفّر له مجندين غاضبين. وقد أرسل أكثر من اثني عشر عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، بمن فيهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية، الجمهوري بوب كروكر، رسالةً إلى ترامب قبل لقائه العبادي، طالبوه فيها بالضغط على الأخير لتقاسم السلطة مع "المكون السني" ونزع فتيل التوتر مع الأكراد؛ وذلك كشرطين لتحقيق الاستقرار وتلقي الدعم الأميركي. كما تطمح إدارة ترامب في الحدّ من النفوذ الإيراني في العراق. وفي هذا السياق، حرص العبادي على طمأنة الأميركيين، بقوله إنه سيسعى لتحقيق شراكة مع السُنة، وتحديداً في الموصل، كما أنه لن يقبل بأي تأثير أجنبي في العراق، بما في ذلك الإيراني.

هل هناك إستراتيجية أميركية جديدة لمحاربة "داعش"؟

واظب ترامب أثناء حملته الانتخابية للرئاسة على انتقاد إستراتيجية الرئيس السابق باراك أوباما في محاربة تنظيم "داعش"، وتحدث عن تغييرات جذرية سيجريها في هذه الإستراتيجية في حال نجاحه في الوصول إلى الرئاسة. وثمة معلومات بأن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس قدّم إلى ترامب مؤخراً خطوطاً عريضةً لإستراتيجية تُلحق الهزيمة بـ"داعش" والجماعات المتطرفة العالمية الأخرى، من دون تفاصيل حول ذلك.

لكنّ وزير الخارجية تيلرسون أشار إلى بعض ملامح تلك الإستراتيجية، ومنها: "أولاً، الاستمرار في عمليات مكافحة الإرهاب وتنفيذ القانون داخل دول التحالف. ثانياً، تفعيل النشاط الاستخباراتي وتبادل المعلومات داخل وكالات الاستخبارات الخاصة بدول التحالف. ثالثاً، تحطيم قدرة داعش على نشر رسالته وتجنيد أتباع جدد عبر شبكة الإنترنت". وأشار أيضاً إلى أن الولايات المتحدة "ستزيد الضغط على تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة وسوف تعمل على إقامة مناطق استقرار مؤقتة (في سوريا) من أجل السماح بعودة اللاجئين إلى ديارهم".

ويختلف حديث تيلرسون عن "مناطق استقرار مؤقتة" عن فكرة "المناطق الآمنة" التي اقترحها ترامب سابقاً في سوريا. ومع أنه لم تتضح تفاصيل كيفية إدارة هذه المناطق، فإن إقامتها ستعمّق المشاركة العسكرية الأميركية في سوريا وستمثل ابتعاداً عن النهج الأكثر حذراً الذي تمسكت به الإدارة السابقة. ومع ذلك، لا يبدو أن الجيش الأميركي قد أعدّ أي خطط من هذا النوع؛ فاستناداً إلى الكولونيل جوزيف سكروكا المتحدث باسم التحالف، فإن الجيش الأميركي لم يتلق أي توجيهات لإقامة أي نوع من "المناطق". ومن ثمّ يبدو أنه لا يوجد أي جديد في هذا المجال. وعلى الرغم من تزايد حديث إدارة ترامب عن إستراتيجية جديدة لمحاربة داعش، فالأرجح ألا تكون هناك إضافات مهمة على إستراتيجية إدارة أوباما في العراق وسوريا. وحتى العبادي الذي دافع عن ترامب، وانتقد أوباما الذي لم تكن علاقته به دافئة، اعترف بأنه لم يرَ خطةً كاملةً من إدارة ترامب لمحاربة "داعش"، ومع ذلك ظل يؤكد أنه "يعلم أن هناك خطة".

ويبدو بالفعل أن إدارة ترامب لا تملك إستراتيجية مختلفة جذرياً عن إستراتيجية أوباما التي كانت القائمة على دعم قوى محلية مقاتلة بإسناد جوي وتسليحها دون الانخراط في القتال المباشر، وكذلك دعمها بعسكريين أميركيين يقدمون المشورة والمساعدة، إذ قال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية إن الجيش في طور إرسال وحدتين عسكريتين إضافيتين إلى الموصل يتراوح عددهما ما بين 200 و300 جندي من الفرقة 82 المحمولة جواً؛ بهدف "تقديم مزيد من النصح والمساعدة في عملية تحرير الموصل". كما تقول الوزارة إنها تستعد لإرسال ألف جندي إضافي من الفرقة نفسها لتقديم المشورة والمساعدة في الموصل إذا اقتضت الحاجة.

ويبلغ عدد القوات الأميركية في العراق حالياً 6000 جندي تقريباً، في حين كان عددها 5262 جندياً تحت إدارة أوباما. وللفرقة 82 حوالي 1700 جندي في العراق والكويت يقومون بتقديم دعم لوجستي للقوات العراقية. كما أن ثمة ما يقرب من 1000 جندي أميركي حالياً في سورية يقدمون المساعدة لـ "لقوات سورية الديموقراطية". وكان الجيش الأميركي قام في 22 آذار/ مارس الماضي بعملية إنزال جوي لمقاتلين من "قوات سورية الديموقراطية" قرب مدينة الطبقة في محافظة الرقة السورية. كما كثفت القوات الأميركية من ضرباتها ضد "داعش"، حيث وصلت حاملة الطائرات "يو إس إس جورج إتش دبليو بوش" إلى الخليج العربي وبدأت تنطلق منها طائرات لشن ضربات جوية. كما تقوم القوات الأميركية بتقديم دعم مدفعي لحلفائها في كل من سوريا والعراق.

خلاصة

لا يبدو أن زيارة العبادي لواشنطن حققت غاياتها بالنسبة إلى العراق، سواء في ما يتعلق بتوقعاته من إدارة ترامب، أو ما يخص تعهداته السياسية لمرحلة ما بعد تحرير الموصل؛ فطموحات العبادي بتأمين دعم اقتصادي سخي من الولايات المتحدة لا تبدو واقعية أبداً في ضوء التخفيضات المقترحة في مخصصات وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وكذلك في ظل تصريحات وزير الخارجية الأميركي في اجتماع التحالف الدولي في واشنطن.

ويبدو أن ترامب أيضاً لن يقدم أي مساعدات مالية للحكومة العراقية لمواجهة المصاعب التي تواجهها، في ظل تعهداته المتعلقة بعدم إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين من أجل تحقيق الأمن للآخرين. ومن ناحية أخرى، لن يكون بإمكان العبادي تحقيق أي نوع من تقاسم السلطة مع بقية مكونات الشعب العراقي من السنة والأكراد، أو الابتعاد عن التأثير الإيراني، في ضوء النفوذ المتزايد للمليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً.

أما أميركياً، وبصرف النظر عن مزاعم ترامب بأن لديه إستراتيجية أفضل لهزيمة "داعش"، يبدو حتى الآن أنّ إدارته لا تزال تعمل وفق إستراتيجية إدارة أوباما، ولكن مع اهتمامٍ أقل بحياة المدنيين، واستهانةٍ بأعداد الضحايا منهم، واستعدادٍ أكبر للتحالف مع بعض الدكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية والتغاضي عن بعضها الآخر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها