الثلاثاء 2017/04/04

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

مناطق "درع الفرات": التنازع بين المعارضة و"قسد"

الثلاثاء 2017/04/04
مناطق "درع الفرات": التنازع بين المعارضة و"قسد"
لم تتبدد مخاوف المعارضة بشأن تنامي دور "قوات سوريا الديموقراطية" شمالي سوريا (المدن)
increase حجم الخط decrease
وضع الإعلان التركي عن نهاية عمليات "درع الفرات" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" والتي امتدت بين 24 آب /أغسطس 2016 وحتى 23 آذار مارس 2017، فصائل المعارضة المسلحة في الريف الحلبي في موقف حرج. وبينما تسارع تركيا في دعم السوريين في مناطق "درع الفرات" لتمكينهم من انشاء مؤسساتهم وتنظيم حياتهم، تحاول "قوات سوريا الديموقراطية" الترويج لمشروع بديل، وبدأت الإثنين في مخاطبة أوساط المعارضة السورية وحواضنها الشعبية، بلغة مختلفة.

المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية التي خاضتها فصائل "درع الفرات" إلى جانب الجيش التركي وأسفرت عن طرد "داعش" من مناطق واسعة أهمها مدينة الباب، لا يمكن اعتبارها حتى الآن آمنة جاذبة لسكانها الذين هجروها قسراً على الرغم من رحيل التنظيم عن مناطقهم، على عكس التصريحات التركية التي تبالغ في الأرقام من حيث عدد العائدين إلى المنطقة من اللاجئين الذين كانوا في أراضيها.

التصريحات التركية التي أكدت نهاية "درع الفرات" لا تعني بالضرورة إيقاف العمليات العسكرية، إنما بداية مرحلة جديدة بمسمى آخر، لكن ذلك لم يبدد مخاوف المعارضة بشأن تنامي دور "قوات سوريا الديموقراطية" شمالي سوريا في ريفي حلب الشمالي والشرقي. وعززت المعارك والتصعيد العسكري في أكثر من محور في جبهات مارع وإعزاز بين "وحدات الحماية" وبين المعارضة مخاوف الأخيرة بشأن احتمالية تمدد "قسد" باتجاه شرقي عفرين وتل رفعت، مستغلة انحسار الدور التركي الداعم للمعارضة بسبب الضغوط الأميركية والروسية التي صبت جميعها في صالح "قسد".

استغلت "قسد" عدم استقرار مناطق "درع الفرات" في ريف حلب، وشعور المعارضة باليأس من استمرار العمليات العسكرية حتى تحقيق المزيد من الأهداف، لكي تبث الشائعات حول مصير المنطقة عبر أشخاص يرتبطون معها بمصالح مشتركة؛ وبعضهم لديه صلات وثيقة بـ"جيش الثوار" وهو أحد مكوناتها وفي معظمه من المقاتلين العرب. وتتمحور دعاية "قسد" حول رحيل القوات التركية الحتمي عن المنطقة، لتمهد في ما بعد للنظام كي يبسط سيطرته عليها. وهنا تقدم "قسد" نفسها كخيار بديل للحؤول دون وصول النظام وتطبيق السيناريو المفترض.

وكانت أوساط مقربة من "قوات سوريا الديموقراطية"، قد نشرت الإثنين، بياناً دعت إلى التوقيع عليه، وتضمن بنوداً رئيسية لـ"مبادرة وطنية" تعمل عليها "نخبة من الشباب السوري الوطني عرباً وكُرداً، وتهدف الى جمع قوات سوريا الديموقراطية والمعارضة السورية بشقيهما العسكري والسياسي". وتضمنت البنود: "تفكيك النظام السوري ومنظومته الامنية الموغلة بدم الشعب السوري والحفاظ على مؤسسات الدولة التي تعود ملكيتها للشعب والعمل على الانتقال السياسي وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وضمان وحدة البلاد و التراب السوري ضمن نظام حكم اتحادي لا مركزي. والتعهد بمحاربة التنظيمات المتطرفة والفصائل التي لا تعترف بديموقراطية وعلمانية الدولة التي تضمن الحقوق القومية والدينية وضمان حرية المعتقد لكل مكونات الشعب السوري. والانفكاك عن الاجندات الاقليمية والدولية والعمل لمصلحة سوريا وسيادتها أولاً، واستقلال قرارها مع الحفاظ على المصالح السياسية والاقتصادية مع الدول الاقليمية والدولية لما فيه مصلحة الشعب السوري".

في المقابل، تبدو تركيا ماضية وإن بخطى ثقيلة، في تعزيز وجودها في مناطق ريف حلب التي سيطرت عليها "درع الفرات"، ولا وجود لدلائل واقعية تثبت رغبتها في الانسحاب، أو التخلي عن المنطقة لصالح أي من الأطراف. وأنشأت تركيا منذ تحرير الباب وحتى اليوم ثلاث قواعد عسكرية جديدة على الأقل، ونشرت المزيد من المعدات العسكرية الثقيلة. القواعد والتعزيزات التركية الجديدة تركزت في محيط مارع وإعزاز من جهة الغرب  في مواجهة "قسد"، وهي الجبهات الأكثر نشاطاً في الوقت الحالي.

وفي موازاة التوسع التركي عسكرياً في المنطقة، بدأت بشكل متسارع توسيع نفوذها في مختلف القطاعات المدنية، كالتعليم والصحة، والخدمات عبر تبني "المجالس المحلية" ودفع رواتب أعضائها وموظفيها. ولا يمضي يوم إلا ويجول وفد تركي في مختلف المناطق بهدف تقييم الأضرار في شبكات المياه والصرف الصحي، والاتصالات والكهرباء والمدارس. جميع هذه المرافق والخدمات وعدت تركيا بتأمينها خلال الصيف القادم كحد أقصى لكل مناطق ريف حلب التي سيطرت عليها "درع الفرات".

وبدأت "الشرطة الوطنية الحرة" التي دربتها تركيا تأخذ دورها تدريجياً في المنطقة، وتسلمت قسماً كبيراً من الحواجز، ومداخل المدن والبلدات، وانتشر عناصرها في عدد من المراكز لحماية "المجالس المحلية". والتحقت الدفعة الرابعة من الشرطة الوطنية بعملها، والتي أنهت تدريباتها في تركيا نهاية أذار/مارس، وقوامها  530 عنصراً تم توزيعهم على مراكز جديدة في المنطقة. وهناك تحضيرات لتدريب دفعات جديدة حتى تتم تغطية مناطق سيطرة "درع الفرات" بشكل كامل.

ودفعت تركيا الفصائل المسلحة في ريف حلب لإجراء معسكرات تدريبية داخلية قرب الحدود السورية-التركية، بهدف رفع لياقة مقاتلي الفصائل ورفع جاهزية المقاتلين المنضمين حديثاً إليها. وزادت أعداد المنتسبين خلال الشهور الثلاثة الماضية، ووصلت إلى قرابة 5 آلاف مقاتل، معظمهم ينتمون إلى البلدات التي استعادتها "درع الفرات" من "داعش". وتقول المعارضة إن التدريبات تندرج في إطار التحضير لمعارك جديدة، ربما معركة الرقة، أو معارك ضد "قسد" في تل رفعت.

طيف واسع من المعارضة في ريف حلب يرى بأن الحديث عن مشاركة متوقعة لفصائل المعارضة التي كانت تعمل في إطار "درع الفرات" في معركة الرقة ليس جدياً حتى الآن، وإن صدرت تصريحات تركية بهذا الاتجاه فهي لا تختلف كثيراً عن التلويح التركي المتكرر في ما مضى بشأن التقدم نحو منبج. وتدرك المعارضة أن تركيا لن تشارك في معركة الرقة، ضمن شروط "قسد"، إنما تنتظر الفرصة التي تسمح لها وللفصائل التي تدعمها بإثبات وجودها باعتبارها شريكاً في المعركة لا يمكن المضي من دونه تبعاً لاعتبارات جغرافية وديموغرافية. كذلك هي المعركة نحو تل رفعت ومناطق شرقي عفرين التي تسيطر عليها "قسد"، تبدو مستحيلة الآن.

وفي الوقت نفسه تعوّل المعارضة على دور حليفها التركي، وتنتظر منه المفاجآت رغم كل الضغوط الممارسة ضده. وتبدي المعارضة تجاوباً كبيراً مع التطلعات التركية في مناطق ريف حلب، في المجالين العسكري والمدني؛ وبدأت الفصائل في هيكلة جديدة لقواتها. فـ"الجبهة الشامية" أعادت تقسيم الكتائب التابعة لها، وشكّلت عدداً من الألوية وألحقتهم بـ"هيئة أركان". هذه الخطوات التنظيمية داخل فصائل المعارضة من شأنها أن تسهل عملية أي اندماج واسع يشملها جميعاً تحت مظلة "جيش وطني" أو قوة عسكرية مركزية من الممكن أن يصل قوامها لأكثر من 25 ألف مقاتل. تطلعات ما يزال من المبكر الحديث عن جديتها في الوقت الحاضر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها