الأربعاء 2017/03/29

آخر تحديث: 16:24 (بيروت)

بريطانيا لن تسدد كلفة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي

الأربعاء 2017/03/29
بريطانيا لن تسدد كلفة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي
رئيسة الوزراء تيريزا ماي توقع "رسالة الانفصال" التي ستغير تاريخ بريطانيا (Getty)
increase حجم الخط decrease
أطلقت بريطانيا رسمياً، الأربعاء، عملية الانفصال التاريخية عن الاتحاد الأوروبي، المعروفة باسم "بريكسيت"، وستدلي رئيسة الحكومة تيريزا ماي أمام البرلمان في وستمنستر وسط لندن إعلان الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وبحسب مقتطفات من الخطاب، نشرها مكتب رئاسة الحكومة مساء الثلاثاء، ستقول ماي "عندما سأجلس إلى طاولة المفاوضات في الأشهر المقبلة، سأمثل كل الناس في المملكة المتحدة، الشباب والمسنين، الأثرياء والفقراء (...) وأيضا المواطنين الأوروبيين الذين اتخذوا من هذا البلد موطناً لهم (...) نريد جميعاً أن نعيش في بريطانيا عالمية تبني علاقات مع أصدقائها القدامى وحلفائها الجدد في مختلف أنحاء العالم".

ولا تزال بريطانيا تشهد انقساما كبيراً بين مؤيدي ومعارضي "بريكسيت"، الذي دعمه 52 في المئة من السكان في استفتاء 23 حزيران/يونيو 2016. وشهد السبت تظاهر عشرات الآلاف في لندن لمطالبة الحكومة بـ"وضع حد لهذا الجنون" المتمثل بخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي. كما أن الخلافات المرتبطة بالتصويت لا تزال قائمة ويمكن أن تهدد حتى وحدة المملكة المتحدة. ففي اسكتلندا، وافق النواب، الثلاثاء، على إجراء استفتاء جديد حول استقلال اسكتلندا عن بريطانيا بعد الاستفتاء الأول الذي جرى في أيلول/سبتمبر 2014. وأعلنت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن أن "الظروف تغيرت مع بريكسيت"، مذكرة بأن شعبها صوت بنسبة 62 في المئة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.

رسالة الانفصال السرية
وتزامناً مع خطاب ماي أمام البرلمان، سيسلم السفير البريطاني لدى الاتحاد الأوروبي تيم بارو، رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، رسالة رسمية وقعتها ماي تعلن بدء عملية "بريكسيت". ونشرت الحكومة البريطانية، مساء الثلاثاء، صورة للحظة توقيع ماي على الرسالة التي ستغير مصير بريطانيا. وتبدو في الصورة رئيسة الحكومة جالسة إلى طاولة أمام مدفأة تعلوها صورة لروبرت والبول رئيس الوزراء بين 1721 و1742.

ويُعتبر تسلّم توسك الرسالة باليد التفعيل الرسمي للمادة 50 من معاهدة لشبونة، وستكون بريطانيا الدولة الأولى في الاتحاد الاوروبي التي تقوم بذلك. ولا يزال مضمون الرسالة سرياً، إذ تحرص بريطانيا على عدم الكشف عن الحجج التي ستستخدمها في المفاوضات التي ستدوم عامين.

وتشمل المادة 50 من معاهدة لشبونة عملية الانفصال عن الاتحاد الاوروبي فقط. أما العلاقات المستقبلية، وخصوصاً التجارية وأيضا القضائية، فيجب أن يتم تحديدها في إطار محادثات أخرى يمكن أن تستغرق سنوات. في هذا السياق، طُرحت فكرة "اتفاق مرحلي" لتفادي خروج مفاجئ جداً وخصوصا بالنسبة للشركات، بانتظار التوصل إلى اتفاق نهائي.

مفاوضات الانفصال صعبة والفاتورة تبلغ 60 مليار يورو
على الجانب الأوروبي، ستعقد الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، اجتماعاً من دون بريطانيا في 29 نيسان/ابريل في بروكسل لتبني خط المفاوضات مع بريطانيا. ومن المرجح أن تبدأ هذه المحادثات في غضون شهرين. وشدد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي حول "بريكسيت" ميشال بارنييه على ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل تشرين الأول/اكتوبر 2018 لإنهاء الإجراء ضمن المهلة المحددة، مما لا يترك عملياً سوى 15 أو 16 شهراً للتفاوض.

غير أن مراقبين يرون أن مهلة العامين قد لا تكفي لفك الروابط التي نسجت على مدى 40 عاماً بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الملفات المعقدة التي سيتم التباحث بها، سواء على صعيد التجارة أو القضاء أو القضايا الإنسانية.

وتريد بروكسل بدء المفاوضات بتقديم فاتورة الخروج إلى بريطانيا والمقدرة بنحو 60 مليار يورو، بما يشمل التزامات قطعتها لندن في إطار الموازنة الأوروبية حتى العام 2020، وأيضا تسديد رواتب التقاعد لموظفي الإدارات الأوروبية.

وقال المفاوض الأوروبي بارنييه "علينا تصفية الحسابات لا أكثر ولا أقل". لكن الوزير البريطاني المكلّف ملف "بريكست" ديفيد ديفيس قال إن لندن "لم تكن تتوقع دفع مثل هذا المبلغ"، ملمحاً إلى أن بلاده لن تدفع الفاتورة التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل لن تدفعها كاملة.

وإزاء هذه الخلافات ورغبة بروكسل في التأكيد على أن بريطانيا لا يمكنها الحصول على اتفاق أفضل "خارج الاتحاد الاوروبي مما لو كانت في داخله"، وذلك لتفادي انتقال عدوى الخروج إلى دول أخرى، هناك مخاوف فعلية بعدم التوصل إلى اتفاق. في هذا الإطار، تقول رئيسة وزراء بريطانيا إن "عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من توقيع اتفاق سيء". غير أن الأوساط الاقتصادية ترى أن ذلك سيكون السيناريو الأسوأ، بما أن نصف المبادلات التجارية لبريطانيا تتم مع الاتحاد الأوروبي. وإذا ما فشلت المفاوضات، ستجد بريطانيا نفسها ملزمة بالاتفاقات التجارية الموقعة في إطار "منظمة التجارة العالمية"، والتي تفرض رسوماً وحواجز جمركية بين الدول دون أن تمنح وضعاً تفاضلياً.

وستتم استشارة البرلمان البريطاني حول الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه بعد المفاوضات مع بروكسل قبل توقيعه، لكن لن تكون لديه صلاحية تعديل النص. وإذا لم يوافق البرلمان على نتيجة المفاوضات فعندها سيتم الخروج من دون اتفاق.

ماي تريد الحفاظ على "أكبر منفذ" إلى السوق الموحدة
وكانت ماي قد دعت في أواسط كانون الثاني/يناير الماضي إلى انفصال "واضح وقاطع"، يشمل أيضاً خروج بريطانيا من السوق الموحدة وأيضاً من محكمة العدل الأوروبية، إلا أن ماي تأمل بالاحتفاظ "بأكبر منفذ ممكن" إلى السوق الموحدة، من خلال "اتفاق جديد للتبادل الحر، جريء وطموح" لا يزال مجهولاً.

وفي ما خص ملف الهجرة، أكدت ماي أن "بريطانيا بلد منفتح ومتسامح لكن رسالة الشعب كانت واضحة جداً: الخروج من الاتحاد الأوروبي يجب أن يتيح السيطرة على عدد الأوروبيين القادمين إلى بريطانيا وهذا ما سنقوم به". وستسعى ماي في الوقت نفسه إلى ضمان حقوق نحو 1,2 مليون بريطاني يقيمون في دول أوروبية، من خلال المقايضة حول شروط إقامة أكثر من ثلاثة ملايين أوروبي على أراضي بريطانيا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها