الأربعاء 2017/03/01

آخر تحديث: 15:47 (بيروت)

الكنيسة المصرية في أزمة تهجير الأقباط: الولاء للسلطة

الأربعاء 2017/03/01
الكنيسة المصرية في أزمة تهجير الأقباط: الولاء للسلطة
AFP ©
increase حجم الخط decrease

تعاملت الكنيسة الأرثوذكسية في أزمة نزوح مئات الأسر القبطية من العريش، بمظهر المؤيد للدولة، والداعم لإجراءات السلطات المصرية في "تطهير" سيناء من العناصر المُسلحة، من دون أي حديث عن المسؤولية التي تقع على عاتقها، بعد شهادات عديدة لنازحين تحدثوا عن وقائع ذبح واستهداف للأقباط،  تحت بصيرة وسمع الأجهزة الأمنية في مدينة العريش.

يتأكد ذلك في البيان الذي اكتفت من خلاله الكنيسة بتعليقها علي الأزمة الأخيرة، والتي أوضحت فيه  أن الهجمات التي يتعرض لها الأقباط في شمال سيناء "تعمد إلى ضرب وحدتنا الوطنية، وتحاول تمزيق اصطفافنا جبهة واحدة في مواجهة اﻹرهاب"، وأضافت أنها في تواصل مستمر مع المسؤولين لتدارك الموقف.


بحسب شهادة يوستينا كامل، إحدى النازحات من مدينة العريش، فإن الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء، أعطى تعليمات بعدم فتح أبواب الكنيسة للفارين من منازلهم بعد تصاعد هجمات العناصر الإرهابية، وشدد على العاملين في الكنيسة بالتأكيد لأقباط العريش "بأن مفيش مكان الكنيسة تستقبل حد فيه".


وتقول كامل لـ"المدن"، إن "الكنيسة كانت أكثر الأماكن أماناً للفارين من منازلهم، خصوصاً أنها مُحاطة بقوات تأمين من الجيش والشرطة،  والقيادات الكنسية كانت على دراية بالوضع المأساوي لنا، ومع ذلك رضخوا لمؤامراتهم مع الأجهزة الأمنية، حتى لا يُقال أن الكنيسة تُحرض الأقباط على ترك منازلهم". وتضيف "رفضوا حتى إيواء الأطفال، وكُل ده علشان خايفين على الكنيسة، ومظهر الأمن الي رفض يحمينا في مباني تابعة ليهم، وقرروا التضحية بمئات الأسر من الأقباط بخيار السفر لساعة لمدن القناة، من دون اعتبار لحجم المأساة. المهم عند  الأسقف هو أن الأجهزة الأمنية لا تغضب عليه، ويمتثل لأوامر القيادات الأمنية".


ترفض يوستينا كلمات التعزية والمواساة من القيادات الكنيسة، التي اعتبرت أن ما جرى "تجربة من الله وعليهم احتمالها". وتقول "بيانات مرضية، ومواساة صارت غير نافعة، ولم تعد تهوّن من وطأة الأزمات وحدّتها وتأثيرها فينا".


يوستينا التي فقدت زوجها في الأحداث الأخيرة، توقعت حياة أفضل بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، وزياراته للكاتدرائية في الأعياد، والحديث الدائم عن الأقباط بأنهم "مواطنون كاملو الحقوق". لكنها تستدرك "كل الوعود تبخرت، وأصبحنا نعيش أسوأ الأوضاع، والكنيسة كانت سبباً رئيسياً في هذا الوضع بتسخير كُل إمكانيات الأقباط للدعاية السياسية لصالح الرئيس، الذي لم يمنحنا حتى الامتيازات التي كانت ممنوحة لنا خلال عهد "مبارك".


ويري الكثيرون أن دعم الكنيسة لنظام الرئيس السابق حسني مبارك، حقق لها عدداً من الامتيازات أبرزها استقلالها عن الدولة  ماليا وقانونياً، وكذلك عدم التزامها بأحكام القضاء الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط، وضمان كونها الممثل الوحيد للأقباط في مصر، لكن كل ذلك تحوّل في عهد السيسي، حيث أصبح القضاء يلاحق لأقباط بقضايا ازدراء الأديان، فضلاً عن  القيود التي وضعها على مواقف الكنيسة حيال أزمات الأقباط.


الناشطة سالي توما، تعتبر المواقف المتخاذلة للكنيسة في قضايا الأقباط الأخيرة هي نتيجة لحالة التماهي السياسي مع السلطة، عبر تقديم ولاء الطاعة لها. وتقول "لم نر الدور المطلوب من الكنيسة لحماية الأقباط، أو في سبل تحقيق المواطنة المزعومة في أحاديث السلطة السياسية".


تتذكر سالي أحد هذه المواقف الكاشفة لنمط العلاقة التي تأسست بين الكنيسة والسلطة السياسية، قائلة "إعلان قداسة البابا تواضروس الثاني تبرعه بمبلغ مليون جنيه لصالح مشروع قناة السويس الجديدة؛ بعد مرور أقل من أسبوع على أزمة تهجير المسيحيين من كفر درويش ببني سويف؛ حيث احرقت منازل ورُوِعَ آمنون تحت بصيرة وسمع الدولة، ولم يكن للكنيسة التي يمارس العنف ضد أتباعها بسبب عقيدتهم، موقف من الأحداث".


وتضيف "تفاقم الأزمات الطائفية المتراكمة، جعلت الأقباط يدفعون ثمناً باهظاً في معركة ربما لم يختاروها، وتصنيفهم في المجتمع أنهم هم المجموعات الوحيدة التي دعمت السيسي في ترشحه للانتخابات الرئاسية، موضحة أن أدوار الكنيسة وانغماسها في السياسة أثرت  في الدور الأساسي المنوط بها حيال الأقباط، وجعلتها غير قادرة علي تحقيق رد فعل على خلفية قضايا التهجير والطائفية والقوانين التي تعكس طائفية السلطة السياسية".


من وجهة نظر الباحث ومسؤول ملف حرية الدين والمعتقد في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إسحاق إبراهيم، فإن دور القيادات الكنسية في الحشد والتعبئة للسلطة الحالية، جعل الكنيسة متورطة في لعب أدوار سياسية، وهي محل نقد  قطاع واسع من عموم المصريين.


وأضاف لـ"المدن"، أن المجال العام المغلق ترك تداعياته على كافة المؤسسات الرسمية داخل الدولة، وفي مواقفها شديدة التحفظ، بما فيها الكنيسة، التي قد يتغير نهجها في التعامل مع قضايا الأقباط حال وجود حراك عام، قادر على خلق مساحات جديدة لهذه المؤسسات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها