السبت 2017/02/25

آخر تحديث: 16:31 (بيروت)

وقائع تهجير مسيحيي العريش: قوائم استهداف للعائلات القبطية

السبت 2017/02/25
وقائع تهجير مسيحيي العريش: قوائم استهداف للعائلات القبطية
AFP ©
increase حجم الخط decrease

في زاوية مغلقة داخل الكنيسة الإنجيلية في الإسماعيلية، جلست السيدة الستينية نبيلة فؤاد تنتظر ابنتها الوحيدة، التي تخضع لجلسة علاجية، إثر تعرضها لصدمة عصبية عقب اقتحام منزلهم الأسبوع الماضي في مدينة العريش، من قبل عناصر مُسلحة قامت بتصفية والدها وشقيقها  الأكبر، وسرقة كافة محتويات المنزل.

نبيلة، التي تمكنت من الفرار برفقة ابنتها وزوج ابنتها وأحفادها الاثنين، بعد دفن جثمان زوجها في مدينة السويس، لم يكن أمامها خيارٌ سوى الانتقال إلى محافظة الإسماعيلية بناء على دعوة من القساوسة في المحافظة لاستقبال متضرري العريش وتوفير شقق لهم.


تروي نبيلة وقائع اقتحام منزلها في مساء يوم 22 فبراير/شباط الحالي، وتقول "سمعنا طرقاً علي أبواب المنزل، قبل أن يضطر ابني الأكبر لفتح الباب، ليجد عناصر ملثمة تصحبه الى غرفة داخل البناية السكنية، وتصوب على رأسه طلقات نارية، وتنتقل لغرفة زوجي، وهو ضعيف السمع، يوجهون له طلقات نارية، ويستولوا على المشغولات الذهبية، والدبلة التي كُنت أرتديها".


لم تتمكن نبيلة من دفن زوجها بمدافن عائلته في مدينة العريش، حيث وزّعت منشورات في العريش تحذّر  من دفن أي مسيحي داخل المدينة، فضلاً عن هدم بعض هذه المدافن، وكتابة العبارات المسيئة التي تتوعدهم حال بقائهم في المدينة. وتقول :"قوائم القتل للأقباط على الإنترنت، ومنشورة بالأسماء والعناوين ببعض جدران المدينة".


وقامت الكنيسة الإنجيلية في الإسماعيلية بإيواء أكثر من ثلاثين عائلة ممن وصلوا من سيناء في أماكن متفرقة. ويقول مسؤول خدمة الشباب في الكنيسة عادل شكرالله، لـ"المدن"، إن الأسابيع الماضية شهدت استهداف عشرات الأقباط من جانب عناصر تتبع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، والكنيسة "تنتظر الآن وصول حوالى ثلاثين عائلة أخرى". ويضيف "أرسلت الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة شاحنة أثاث منزلي وأجهزة إعاشة وأغطية دعماً للعائلات القبطية، كما يجرى التنسيق مع كنائس المحافظة بجميع طوائفها لتوفير الأماكن الملائمة للسيدات فى بيوت الراهبات".


وكان أقباط شمال سيناء محط استهداف للتنظيمات المُتشددة على مدار الأعوام الأخيرة، إذ تعرضت عشرات الأسر القبطية في مدينة رفح الحدودية لموجة تهجير قسري مُماثلة في سبتمبر/أيلول 2012، إثر هجوم ملثمين على محال وبيوت مملوكة  لأقباط، وتوزيع منشور تحذيري يمهل أقباط رفح 48 ساعة للرحيل عنها.


كما جرى استهداف رجال دين ومواطنين أقباط في حوادث متفرقة،  أبرزها اغتيال القس مينا عبود في يوليو/تموز 2013 برصاص ملثمين، وبعده القس رافائيل موسى في يونيو/حزيران 2016، واختطاف عشرات الأقباط من رفح والشيخ زويد، ومساومة ذويهم بدفع فدية مقابل إطلاق سراحهم، أو ذبحهم والتمثيل بجثثهم، كحادثة تاجر الأدوات الكهربائية مجدي لمعي، الذي وُجد مذبوحاً في الشيخ زويد في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.


أحد سكان العريش الأقباط، شرح لـ"المدن" أحوال الأسر المتبقية هناك. وقال "ماتزال عشرات الأسر تحت الحصار في العريش؛ هذه الأسر هي الأشد فقراً والأكثر احتياجاً لدرجة أنهم مقدروش يتحملوا كلفة المواصلات". وأضاف "خيار الرحيل هو أفضل الخيارات السيئة التي تواجهنا، في ظل انعدام فرص البقاء، والغياب التام للأمن".


وبحسب رواية المصدر، الذي لا تزال أسرته عالقة في المدينة، فإن عدد الأسر القبطية في شمال سيناء يبلغ نحو 180 أسرة، غادر منها 70 فقط، والباقون إما عاجزون عن السفر بسبب وضعهم الاقتصادي، أو لغياب الطرق الآمنة لعملية النزوح لمدن القناة، في ظل استمرار الاستهداف لهم، واقتحام منازلهم.


سهولة استهداف الأقباط في مدينة العريش، يبررها المصدر "بالوشاية من جانب عناصر مندسة في المدينة للمسلحين"، ويقول إن تلك العناصر ترصد "تحركات المسيحيين في المدينة"، كما قاموا بالاستيلاء على الأجهزة الخليوية لمن تم استهدافهم من الأقباط، ونجحوا بـ"تفريغ المكالمات وأرقام الأسماء المُسجلة، واستهدافنا بالاسم، وبعناوين منازلنا".


ويقول المصدر إنه لا يعلم بما قد يواجه الأسر التي بقيت في العريش، لكن ما يزيد من احتمال تعرضهم إلى الخطر هو تجاهل أجهزة الأمن لاستغاثاتهم وعدم تدخلها لتأمين طرق نزوحهم. ويؤكد أن كل ما فعلته القوى الأمنية حتى الآن كان إرسال رسائل تحذيرية على هواتفهم المحمولة تقول، إن "النزوح أفضل خيار لمن يتمكن منكم، أما الأسر التي تعيش وضعاً أمنياً غير مستقر؛ فليلتزموا منازلهم".

ويرى كثيرون أن الأقباط الآن يعاقبون على صورة رسمها لهم نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي حرص على الكسب من وراء حديثه الودي عنهم والتعامل معهم على أساس أنهم كتلة بشرية تقف وراءه وتدعمه، كشرعية سياسية بصفته "حامي الأقباط". فالصورة الطائفية، التي أسستها السلطة عنهم، ومحاولة الإيهام بأنها تحميهم وتقدم لهم الامتيازات، كانت صورة غير حقيقية، يدفع ثمنها بسطاء الأقباط في الأقاليم والمناطق الريفية الآن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها