السبت 2017/02/11

آخر تحديث: 06:57 (بيروت)

سطو على التاريخ السوري في بيروت

السبت 2017/02/11
سطو على التاريخ السوري في بيروت
مؤتمر "الكتلة الوطنية" السورية في فندق ريفييرا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يختلط الأمر قليلاً عند مطالعة أسماء الأحزاب وصور المشاركين في مؤتمر تأسيس "الكتلة الوطنية" السورية في بيروت. بعضهم غير معروف، لا بالاسم ولا بالصورة، وبعضهم الآخر له رصيد حافل من التشهير بالثورة وبالمعارضة السورية، ولم يعترف يوماً بفضل الثورة، أو الحرب الأهلية، أو أي ما ينعتها، بإفساح الفرصة أمامه للتفوه بحديث في السياسة.


ويا لها من مصادفة، أن ينزل في فندق "ريفييرا بيروت"، قبل يوم واحد من مؤتمر تأسيس "الكتلة الوطنية" في الفندق عينه، أحزاب وتيارات وشخصيات مغمورة، لإطلاق مبادرة "سلام" تحت شعار "وطن موحد لكل السوريين"، ناقشت مسألة إعادة نازحين سوريين في لبنان إلى بلدات هجرهم منها حزب الله على طول الشريط الحدودي مع سوريا، على وقع مفاوضات مستمرة بين الحزب وممثلين عن النازحين والفصائل المعارضة.


بعيداً من الأهداف التي سعت اليها تلك الأحزاب، والتيارات، والشخصيات، وقد يكون أحدها تأسيس منصة جديدة يرعاها حزب الله لتقديم أوراق اعتماد كما جرت العادة قبل كل نسخة من محادثات جنيف؛ كان لافتاً إعلان المؤتمِرين تأسيس "الكتلة الوطنية"، واختيارهم بيروت للإعلان عنها. وقع الاسم كبير، وبيروت تحفظه جيداً.


من دون أي تردد، يمكن القول إن أولئك حاولوا التشبه بحقبة ذهبية من تاريخ العمل الوطني في سوريا إبان الانتداب الفرنسي والاستقلال. فـ"الكلتة الوطنية" بنسختها المولودة حديثاً، تضمّنت أفكاراً وكلمات مرّت سابقاً في تاريخ سوريا.


يذكر المؤرّخ السوري عبدالله حنّا في كتابه "الأحزاب السياسية في سوريا القرن العشرين"، أنه مع خمود الثورة السورية الكبرى (1925-1927) ظهرت "الكتلة الوطنية" التي جمعت حولها جماهير واسعة، مستلهمة بطولات الثورة السورية، وحاقدة على معاهدة سايكس-بيكو وتقسيم بلاد الشام إلى دويلات، ومستاءة من السيطرة الفرنسية وأعمال المستشارين الفرنسيين، الذين مارسوا سياسة توتاليتارية مستبدة.


في 25 تشرين الأول/أكتوبر عام 1927، تمكّنت "الكتلة الوطنية" من إطلاق مؤتمرها الأول في بيروت، معلنة نهاية الكفاح المسلح وبدء الكفاح السلمي ضد الانتداب الفرنسي بعد أن أصبحت الثورة منهكة. والحال أن الثورة في أيامنا هذه تخطت مرحلة الإنهاك بأشواط، ولكن ذلك لا بأس به أمام أن يقتبس رئيس تيار "بناء الدولة" لؤي حسين ذلك المشهد، بوقوفه أمام الحضور في فندق "ريفييرا"، ليعلن أن "الحرب على السلطة توقفت... انتهت"، متوقعاً أن يشكّل المسار السياسي المقبل في جنيف "خاتمة للأزمة السورية".


ولم يفت نزلاء "ريفييرا" وهم يستحضرون هذه المشهدية التاريخية، أن "الكتلة الوطنية" في تلك الحقبة من تاريخ سوريا، لم تكتمل مراحل تكوينها إلا بانضمام أعضاء "حزب الشعب" المناصرين لنهج الكفاح السلمي إلى فكرة تأسيس "الكتلة الوطنية". ولتحقيق هذا الشرط، حضر أمين "حزب الشعب" (مرخص بموجب قانون الأحزاب 2012) الشيخ نواف عبدالعزيز الملحم، مع رجال عشيرته إلى "ريفييرا"، ليتلو مبادىء الكتلة، ومنها أن "مقام رئاسة الجمهورية العربية السورية لا يجوز البتّ فيه في المحافل الدولية، بل تتحكّم فيه الإنتخابات النزيهة فقط".


في مثل هذه الأيام تقريباً، في شباط/فبراير 2011، هرع وزير الداخلية السورية سعيد سمور إلى منطقة الحريقة وسط دمشق بعد تجمهر المئات من الناس على هتاف "الشعب السوري ما بينذل"، محاولاً نهيهم عمّا يفعلون بالقول "عيب يا شباب، هي اسما مظاهرة". وبما أن هذه الأيام يكثر فيها اقتباس مواقف ولحظات تاريخية، لا بد من اقتباس كلمات الوزير وتوجيهها إلى النزلاء في الفندق: عيب.. هذا سطو على التاريخ؛ من حضر إلى بيروت اليوم لا يشبه شكري القوتلي، وسعدالله الجابري، وفارس الخوري، وناظم القدسي..

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها