الأحد 2017/12/31

آخر تحديث: 22:10 (بيروت)

روسيا: لا ثورة في إيران

الأحد 2017/12/31
روسيا: لا ثورة في إيران
Getty ©
increase حجم الخط decrease

تعاني روسيا، على مدى تاريخها، من رهاب الثورة. فهي لم تتوان عن إرسال جيشها عبر جبال الألب، عام 1790، مكررة تجربة القرطاجي هنيبعل، لقمع الثورة الفرنسية في سويسرا، ومن ثم دخول باريس. وتولت في أربعينيات القرن التاسع عشر قمع جميع الثورات الأوروبية، حين لم تكن منهمكة في قمع الثورة في عقر دارها، ما دفع ماركس إلى إطلاق عبارته الشهيرة "روسيا سجن الشعوب".

ولم يختلف سلوك روسيا حتى تجاه ثورتها الكبرى في شباط/فبراير 1917، إذ سرعان ما انقلبت عليها بعد أشهرٍ، في تشرين الأول/أوكتوبر من العام عينه، واستعادت الدولة الروسية إحكام قبضتها على المجتمع الروسي عن طريق إرهاب وبطش، لم تعرفهما إبان عهودها القيصرية.


روسيا ما زالت وفية لتاريخها هذا مع الثورات، إذ سارعت إلى طمأنة نفسها من أن ما يجري في إيران هذه الأيام لن يتحول إلى ثورة، ورأت "تدخلاً خارجياً في الوضع في إيران". فقد راى رئيس اللجنة الدولية في مجلس الإتحاد كونستانتين كوساتش، أن موجة الإحتجاجات في إيران هي بالدرجة الأولى علامة عمليات داخلية معينة في البلاد، والعوامل الإجتماعية الإقتصادية تؤثر على ما يجري، وإن لم تكن هذه العوامل هي الأسوأ في المنطقة، وبالمقارنة مع مؤشرات السنوات الماضية في إيران نفسها. ورأى أن حجم الناتج الإجمالي للفرد من السكان هو أعلى مرة ونصف مما في مصر، ومرتين مما في أوكرانيا، وأن التضخم، صحيح أنه مرتفع، لكنه الأدنى خللال السنوات 25 الماضية، والبطالة أدنى مما هي عليه في تركيا.


كلام كوساتش هو الكلام الوحيد، الذي صدر عن مسؤول روسي منذ أن بدأت الإحتجاجات الإيرانية الخميس الماضي. ونقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن كوساتش قوله، إنه مع ذلك، ينبغي "البحث دائماً عن الأيادي"، إذ سرعان ما برزت شعارات سياسية مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإنهاء تعسف البوليس والحد من دور رجال الدين. ويفترض أن العامل الخارجي يمكن البحث عنه هنا بالذات، لكنه لا ينسب "تأثيراً كبيراً" لواشنطن في العمليات الإيرانية، لأن واشنطن "ليست في وضع يسمح لها بذلك"، وأن إيران ليست بلداً "مكشوفاً إلى هذه الدرجة للتأثير الخارجي". لكن كوساتش، مع ذلك، يعتبر كلام الرئيس الأميركي بشأن الإحتجاجات الإيرانية بمثابة "إرشادات مباشرة" للمتظاهرين، بأن "قولوا ما ينبغي قوله والدعم الخارجي لكم مضمون".


ويرى المسؤول الروسي أن العامل الخارجي في الإحتجاجات الإيرانية موجود بالتأكيد، وإن كان ليس العامل الطاغي حتى الآن. وأضاف أنه يعتقد بأن الإحتجاجات سوف تنتهي في القريب العاجل، ولن "تحدث أي ثورة"، بل ما حدث هو "استعراض قوة". وينصح طهران بأن تكون حذرة، لأن ثمة مصلحة لقوى متنفذة جداً في العالم، بأن يستمر "الربيع العربي" ويصبح فارسياً، إن لم يكن اليوم أو غداً، فبعد غدٍ، على قوله.


من جانب آخر، يؤكد بعض الناشطين على وسائل التواصل الإجتماعي من المعارضين الروس، الذين لا يخفون ابتهاجهم بما يجري في إيران، أن الكرملين أصدر توجيهاته لوسائل الإعلام بعدم التوسع في الحديث عن الإحتجاجات الإيرانية. وهذا ما يلاحظه المرء فعلاً، إذ تقتصر التغطية الإعلامية على الأنباء فقط، من دون التوسع في التعليق عليها. ولم يصدر رسمياً عن السلطات الروسية سوى التصريح أعلاه، وتحذير من وزارة الخارجية للمواطنين الروس في إيران بضرورة التزام الحذر وتجنب أماكن تجمعات الإيرانيين.


في تأكيد لوجود "الأيادي الخارجية" في الحدث الإيراني، ركز الإعلام الروسي على "الإتفاقية السرية" بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن المواجهة مع إيران. فقد ذكرت نوفوستي، الجمعة الماضي، أن البيت الأبيض أكد ما كانت التلفزة الإسرائيلية قد كشفت عنه مؤخراً، من أن "مذكرة تفاهم حول الشأن الإيراني" بين إسرائيل والولايات المتحدة قد تم التوقيع عليها في واشنطن في 12 كانون الأول/ديسمبر من قبل وفد إسرائيلي برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شابات، ووفد أميركي برئاسة هربرت ماكماستر. تفترض الوثيقة المذكورة إنشاء أربع مجموعات عمل تركز حول البرنامج النووي الإيراني والصواريخ البالستية وتوريد الأسلحة الإيرانية إلى المنطقة. وتقول نوفوستي، أن مجموعتي العمل الثانية والثالثة سوف تتوليان العمل على الحد من الوجود الإيراني في المنطقة، وخاصة في سوريا ولبنان، وكذلك الحد من محاولات توريد الصواريخ إلى "حزب الله".


في تعليق على "الإتفاقية السرية" المذكورة، يقول مدير مركز الأبحاث العسكرية السياسية ألكسي بادبريوزكين، أن اتفاق إسرائيل والولايات المتحدة بشأن استراتيجية ردع إيران لن يؤثر، بأي شكل، على السياسة التي تنتهجها إيران في المنطقة. ويضيف، أن إيران تقف موقفاً مبدئياً ثابتاً من زعامتها في المنطقة، والإيرانيون يدركون أن "زعامتهم الحضارية" هي في تناقض عميق مع مصالح الأمن الإسرائيلي وقيمه.


ويؤكد بادبريوزكين، أن مثل هذه المشاورات بين إسرائيل والولايات المتحدة، سواء كانت سرية أو علنية، تجري دائماً وسوف تجري في المستقبل، لأن مصالح الدولتين تتطابق حيال إيران، والأخيرة، برأيه، لا تطمح لزعامة المنطقة فحسب، بل ولزعامة أوراسيا ايضاً، مما قد يهدد مصالح الولايات المتحدة، ويهدد بالتأكيد مصالح إسرائيل الآن، لأن الجماعات التي تعادي إسرائيل تجد الدعم من جانب إيران.


ويرى الرجل أن أمام إسرائيل والولايات المتحدة خيارين في سلوكهما حيال إيران: إما أن تحاولا ردع إيران بنفسيهما، أو تحاولا الرهان على أنظمة ما مثل المملكة العربية السعودية. لكن النظام السعودي، على حد تعبير بادبريوزكين، لم يعد يقوم بوظائفه كما تبين أحداث اليمن. ويتبقى أمام الدولتين إما الإتفاق مع إيران، وهو ما لا تستطيعه لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة، وإما الصراع معها.


أمام النظرة الروسية لما يحدث في إيران، يبدو أنه لو تولى النظام الإيراني، بنفسه، الدفاع عن نفسه بوجه التظاهرات التي تجتاح المدن الإيرانية، لما أقدم على وصف نفسه "بالنظام الحضاري" كما يقول الروس عنه، ولما قدّم مرافعات أفضل من المرافعات التي يقدمها الروس لحمايته. ولروسيا خبرة طويلة في الدفاع عن الأنظمة الإستبدادية في المنطقة وخارجها. فهي ما صادقت يوماً شعوباً وساندتها بوجه جلاديها، بل تساند كل طاغية وسفاح على الأرض. وأشد ما يرهب روسيا، عبر كل تاريخها، هو الثورة أينما كانت. وهي قد ارتدت على ثورتها الديموقراطية الكبرى في شباط/فبراير 1917، وتعتبرها في مئويتها كارثة حلت بروسيا، وعادت لتمنح الطاغية القيصر نقولا الثاني مرتبة القداسة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها