الأربعاء 2017/11/08

آخر تحديث: 12:06 (بيروت)

"تحرير الشام" و"الزنكي": بداية المواجهة الأخيرة؟

الأربعاء 2017/11/08
"تحرير الشام" و"الزنكي": بداية المواجهة الأخيرة؟
قصفت "الهيئة"، صباح الأربعاء، مواقع "الزنكي" في الشيخ سليمان بالهاون (انترنت)
increase حجم الخط decrease
نشب قتال عنيف، الثلاثاء، بين "حركة نور الدين الزنكي" و"هيئة تحرير الشام" في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة غربي حلب. وتمكنت "الزنكي"، خلال ساعات من الاشتباكات التي تخللها قصف متبادل بالأسلحة الثقيلة، من السيطرة على قرى تقاد وبسرطون وحاجز "تحرير الشام" على طريق تقاد–أبزمو و"الفوج 111" وعدد من المواقع التي كانت تخضع لسيطرة مشتركة بين الطرفين في ريف حلب الغربي.

وانطلقت شرارة الاقتتال من بلدة حيان في ضواحي حلب الشمالية، والتي تتمركز فيها مجموعات عسكرية تابعة للطرفين في مواجهة مليشيات النظام. واتهمت "الزنكي" الكتائب التابعة لـ"تحرير الشام" بالبغي على كتائبها في البلدة والجبهات القريبة في المنطقة، وأصدرت بياناً توضح فيه ملابسات الحادثة. وجاء في البيان أن مجموعات أمنية وعسكرية تابعة لـ"تحرير الشام" هاجمت مجموعة من قرية حيان كانت ترابط على جبهة رتيان، وسلبت سلاحهم وسياراتهم، وطردتهم من نقطة رباطهم. وأضاف البيان: "على إثر هذه الحادثة وقعت مشادات بين الزنكي والهيئة في منطقة القطاع الشمالي في حيان وعندان وما حولهما فقط، ووضعت الحواجز، ووقعت اعتقالات متبادلة. لنتفاجأ بعد ساعات بحشود كبيرة للهيئة، وهجوم مفاجئ على حركة نور الدين الزنكي في القطاع الغربي، في الدانا وأطمة وما حولهما".

"الزنكي" استنكرت في بيانها توقيت الهجوم المتزامن مع  هجوم مليشيات النظام وتنظيم "الدولة" على المعارضة في ريفي حماة وحلب الجنوبي، ودعت إلى "تحكيم صوت الشرع والعقل ومصلحة الساحة"، محذرة من أن تلك التصرفات لا تخدم إلا أعداء الثورة والشعب السوري، ومؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي اتجاه هذه التصرفات "غير المسؤولة".

واتسعت رقعة المواجهات بين "الزنكي" و"تحرير الشام"، بشكل متسارع، بعد منتصف ليل الثلاثاء/الأربعاء، وشهدت قرى وبلدات خان العسل وبسرطون وبشقاتين وعويجل ومواقع قرب كفرناها، في ريف حلب الغربي، اشتباكات وقصفاً بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة. وكان لـ"الزنكي" الغلبة في المواجهات، أو على الأقل ما زالت تحافظ على مقراتها فيها باعتبارها منطقة نفوذ لها.

وكان لـ"تحرير الشام" الغلبة في المناطق البعيدة عن مركز ثقل "الزنكي" غربي حلب، أي في قبتان الجبل وما حولها، وحاصرت "الهيئة" مواقع ومقرات "الحركة" في دير حسان، واستولت عليها لتصبح البلدة والمقرات القريبة منها تحت سيطرتها. كذلك هاجمت "الهيئة" مواقع ومقرات "الزنكي" في الدانا، وأطمة، في ريف إدلب الشمالي المتصلة جغرافياً بريف حلب الغربي.

ورافق التصعيد بين الطرفين في الميدان تبادل للاتهامات في شبكات التواصل الاجتماعي. ونفت "الهيئة" عبر وكالة "إباء" التابعة لها، ما جاء في بيان "الزنكي"، وأشارت إلى بيان أصدره "مجلس شورى حيان" الذي نفى مزاعم "الزنكي" متهماً إياها بافتعال المشكلة. وجاء في بيان "مجلس شورى حيان": "بعدما استقر وضعنا وقمنا بترتيب صفوفنا جاء الزنكي ليزرع مجموعاته بيننا لمكاسب سياسية وهذا الشيء لا نقبله أبداً"، وأضاف: "إننا في مجلس شورى حيان وباسم أهالي حيان نرفض رفضاً قاطعاً أي تدخل لحركة نور الدين الزنكي في مناطقنا، وذلك لأنهم عاملونا معاملة الأعداء عندما كنا بأمس الحاجة لمكان نحفظ فيه أطفالنا ونساءنا عندما لجأنا إلى مناطقهم هرباً من بطش النظام المجرم".

ورداً على بيان "شورى حيان" الذي بدا موالياً لـ"الهيئة"، أصدر "تجمع المجالس المحلية" في ريف حلب الغربي، والذي تشرف "الزنكي" على إدارة معظم مجالسه، بياناً أكد فيه بأن اتهامات "شورى حيان" لـ"الزنكي" بالتقصير بحق المُهجّرين، بأنها غير صحيحة.

"الهيئة" لم تُفوّت فرصة اعتقال "الزنكي" لمدير "تربية حلب الحرة" محمد مصطفى، كي تدعم حملتها الإعلامية ضد "الحركة"، كما اتهمتها بمحاولة تعطيل الجهود العسكرية الرامية لوقف زحف مليشيات النظام في مناطق ريف حماة الشمالي الشرقي وريف حلب الجنوبي. واتهمت "الهيئة" "الحركة" بتجنيد مجموعات تابعة لها في مناطقها لاختلاق المشاكل معها. ووجه تلك الاتهامات قادة وشرعيون في "الهيئة"، من بينهم قائد "قاطع حلب" أبو إبراهيم سلامة، وأبو اليقظان المصري، الذي حاول اللعب على وتر اعتقال "الزنكي" للمُهاجرين في ريف حلب الغربي، لتأليب الجهاديين ضد "الحركة" وتدعيم موقف "الهيئة".

وامتنعت قيادات "حركة الزنكي" عن التصريح عن الاقتتال الدائر مع "الهيئة"، وتولى مهمة الدفاع عن موقفها الشرعي فيها حسام الأطرش، الذي نفى الاتهامات، وأكد أن "الهيئة" هي من بدأت القتال وافتعال المشكلة. وتعليقاً على حادث اعتقال "الزنكي" مدير "تربية حلب الحرة"، قال الأطرش: "الغريب من هيئة تحرير الشام غيرتها وحرقتها على محمد مصطفى، والكل يعلم أنه يتبع للحكومة السورية المؤقتة التي تحكم الهيئة بأنها حكومة علمانية، ما هو السر؟ مع أن الهيئة تُغيّب في سجونها قادة للمجاهدين ومئات إن لم نقل آلاف المجاهدين. السر أن محمد مصطفى كان سيبيع مديرية تربية حلب لحكومة الإنقاذ التي أنشأتها الهيئة، وما من أحد يجهل الجهود التي بذلت في حلب لإقامة صرح التربية، والذي لا دخل لمحمد مصطفى به سوى أن الحكومة المؤقتة قد عينته. فقد كان محمد مصطفى سيتبع معلمه جمال الشحود، الذي أصبح وزيراً للتربية في حكومة الهيئة. أدركتم لماذا تغار الهيئة على محمد مصطفى؟".

المواجهة المتأخرة بين "الزنكي" و"تحرير الشام" في ريف حلب كان لها مجموعة من المقدمات على الأرض، تندرج في إطار الصراع على النفوذ في المناطق، التي جعلها اتفاق "خفض التصعيد" والدخول التركي، مهمة واستراتيجية. ولعل الصدام الذي حصل بين الطرفين، قبل أسابيع في منطقة سمعان، والمواقع المقابلة للمناطق التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية في عفرين، قد ظل حاضراً في العلاقة بينهما. حينها نجحت "الزنكي" بفرض إرادتها وهذا ما أزعج "الهيئة" فعلياً.

ومن الأسباب التي عجّلت في تحول غضب "الهيئة" إلى حرب ضد "الحركة"، هو الاستنزاف الكبير لـ"الهيئة" في معارك ريفي حماة وحلب، وعدم مشاركة "الزنكي". وقد باتت "الهيئة" بحاجة لأن تبتلع فصيلاً جديداً من فصائل المعارضة المسلحة كي تعوّض نقص عتادها وذخائرها. ووقع اختيار "الهيئة" هذه المرة على "الزنكي"، التي تعتبر مصدر قلق لـ"الهيئة"، وقد حان الوقت لتصفية الحسابات القديمة معها.

والسبب الرئيس للمشكلة التي وقعت في حيان، هو أن مجموعات عسكرية انضمت قبل أسبوع تقريباً إلى صفوف "حركة الزنكي" ما أزعج المجموعات الأكبر التابعة لـ"الهيئة" في البلدة، والتي قامت بالفعل بمصادرة سلاح مجموعات "الزنكي" وأمرتهم بالانشقاق عنها. واعتبرت "الهيئة" انضمام مجموعات عسكرية من حيان في الضواحي الشمالية لحلب إلى صفوف "الزنكي" تمدد خطير لها في قلب مناطق نفوذ "الهيئة" التي تُعتبر القوة الأبرز في ضواحي حلب الشمالية؛ حيان وعندان وكفر حمرة وأسيا وحريتان. ورأت "الهيئة" أن تمدد "الزنكي" في هذا المحور أمر خطير للغاية عليها، خاصة في المواقع التي ستصبح في الفترة المقبلة حدود منطقة "خفض التصعيد"، والتي تعتبر امتداداً لمناطق سيطرة "الزنكي" في جبل الشيخ عقيل.

وعلى الرغم من المنطق في مبادرة "الزنكي" الهجوم ضد "الهيئة"، بحيث تستبق المعركة المقبلة لا محالة ضدها بمعركة أقل كلفة في الوقت الذي تنشغل فيه "الهيئة" بالمعارك مع النظام، إلا أن "الزنكي" لم تكذب في تأكيدها أنها لم تكن البادئة في القتال الذي اندلعت شرارته من حيان. مصدر عسكري، أكد لـ"المدن"، أن قراراً صدر بالفعل من "هيئة تحرير الشام" للقضاء على "حركة نور الدين الزنكي"، وستحاول "الهيئة" كسب الوقت خلال الأيام القليلة المقبلة لاستدراج" الزنكي" في الوقت الذي تُجهّزُ فيه قوة لشنّ معركة شاملة ضد "الحركة". وقد بدأت "الهيئة" بقطع الطرق ونصب الحواجز في ريفي ادلب وحلب تحضيراً لهجوم كبير. وقصفت "الهيئة"، صباح الأربعاء، مواقع "الزنكي" في الشيخ سليمان بالهاون.

"الزنكي" أمام مواجهة فاصلة، تبقى فيها أو تنتهي. وتراهن "الحركة" على قدراتها، وتؤكد أن النيل منها لن يكون سهلاً كما حصل مع بقية الفصائل. وهي مستعدة للذهاب حتى النفس الأخير في معركة الوجود هذه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها