الإثنين 2017/11/06

آخر تحديث: 17:08 (بيروت)

"الراشدات" تتنصت على اتصالات دمشق

الإثنين 2017/11/06
"الراشدات" تتنصت على اتصالات دمشق
عادت مؤخراً الحملات الأمنية الممنهجة إلى أحياء مدينة دمشق (المدن)
increase حجم الخط decrease
عادت مؤخراً الحملات الأمنية الممنهجة إلى أحياء مدينة دمشق، الخاضعة لسيطرة النظام. ويتم إغلاق الحي المستهدف، بالكامل، من قبل "دوريات مشتركة" من فروع الأجهزة الأمنية، ووضع نقاط أمنية في محيطه، ومنع الخروج منه. ويستمر التفتيش لساعات طويلة، لجميع المنازل.

ومع انخفاض عدد الشباب في دمشق، بسبب "التجنيد الاجباري" أو الهجرة أو الاعتقال، لم تعد السلطات الأمنية بحاجة فعلية لهذه العمليات. واقتصرت عمليات الدهم، خلال العامين الماضيين، على حالات فردية، ولكنها عادت بقوة منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر، بعد عمليتين انغماسيتين تبنى تنفيذهما تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ استهدفت الأولى قسم شرطة حي الميدان، والثانية قيادة الشرطة في شارع خالد بن الوليد، في قلب دمشق. وخلّفت العمليتان عشرات القتلى من قوات النظام، وتمت بتسهيلات من جهات "موالية" في دمشق.

وفي أقل من عشرين يوماً، شهدت أحياء في مدينة دمشق حملات دهم كبيرة، كانت آخرها ليل الجمعة/السبت، عندما شنّت قوى أمنية تابعة لـ"فرع فلسطين" و"فرع الدوريات" و"إدارة الأمن الجنائي" ومليشيا "الدفاع الوطني" و"قيادة الشرطة"، حملة كبيرة استهدفت حي القنوات ومحيطه، للمرة الثانية خلال أقل من شهر. وتم تطويق الحي بشكل كامل، والبدء بعمليات تفتيش طالت مئات المنازل، برفقة عناصر "الدفاع الوطني" من أبناء وسكان الحي. عمليات الدهم طالت حتى منازل أولئك العناصر، وبعض الضباط في قوات النظام ومليشياته، من دون استثناء، على خلاف ما كان يجري سابقاً.

وشهدت المنطقة، أثناء عملية الدهم، تواجداً لسيارتي "راشدة"، مجهزة بمعدات تنصت لمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية في نطاق جغرافي معين وتحديد مكان أي جهاز اتصالات مطلوب، بدقة كبيرة.

مصدر مقرّب من "قيادة الشرطة" في دمشق، قال لـ"المدن"، إن "اتصالات مشبوهة خرجت من منطقة القنوات، ليلة عملية الدهم"، وأشار المصدر إلى اعتقال 18 شخصاً في عملية الدهم، بعضهم كان متوارياً من "التجنيد الإجباري"، في حين تم تحويل البعض إلى "الأمن الجنائي" و"فرع فلسطين" للتحقيق بسبب "شكوك" بتورطهم وصلاتهم بشبكات "إرهابية"، مُشيراً إلى ارتباطهم بمنفذي أو مقدمي التسهيلات للعمليات التي استهدفت مدينة دمشق.

وكان حي ركن الدين الشرقي، قد شهد حملات دهم ممثالة، قبل أسبوعين تقريباً، حدثت خلالها عمليات تفتيش دقيقة للمنازل، بحجة وجود خلايا نائمة تنوي تفجير "فرع الهجرة والجوازات" في ريف دمشق، والكائن في ركن الدين. كما شهدت أحياء نهر عيشة والدحاديل وبيادر نادر، عمليات مماثلة أيضاً، خلّفت عشرات المعتقلين لأسباب أمنية وأخرى لـ"التجنيد الإجباري".

مراقبة الاتصالات في العاصمة دمشق باتت خطراً على كثير من الناس، خاصة الذين هُجّر أولادهم نحو الشمال وسيطر النظام على مناطقهم. وكثير من المكالمات التي ترد من إدلب إلى دمشق، تأتي من خطوط لأشخاص "مطلوبين أمنياً" للنظام، وأرقامهم تحت لوائح "الطلب الأمني". وما أن يأتي اتصال منها إلى ذوي الشخص في دمشق، حتى ولو عبر وسائل التواصل المُفعّلة على ذلك الرقم، يتم تعميم رقم المُتَصَلِ به في مناطق سيطرة النظام، واعتقاله، إما عن طريق مداهمة منزله أو بعد تعميم اسمه على الحواجز العسكرية.

وسُجّل في مدينة التل، وفقاً لمصادر في العاصمة دمشق، أكثر من 500 ملف لأشخاص مطلوبين، بسبب مكالمات هاتفية من وإلى ادلب. فيما اعتقل "الأمن السياسي" أكثر من عشر نسوة في محيط مدينة التل على خلفية مراقبة اتصالاتهن، وتم تسليمهن إلى فرع "الأمن الداخلي" التابع لجهاز "أمن الدولة" المعروف باسم "فرع الخطيب".

"فرع الخطيب" كان قد قال لـ"لجنة مصالحة مدينة التل" إن ملف مطلوبي "المكالمات الأمنية" خارج نطاق "المصالحات الوطنية"، وهو أمر يتعلق بـ"أمن الدولة" ولا تهاون فيه.

وتعتقل أجهزة النظام الأمنية، شهرياً، العشرات بتهم متعددة منها التواصل مع أشخاص في تركيا، أو العمل في السوق السوداء لتحويل العملة من وإلى خارج سوريا، أو التعامل بالدولار.

وتتمركز "الراشدات"، بشكل دوري، في الأسواق التجارية، خاصة في محيط الحريقة والحميدية والجسر الأبيض وزقاق الجن، وهي أسواق تملك ثقلاً اقتصادياً في مدينة دمشق، ويعتمد أغلب تجارها على التعامل بالعملة الصعبة، وإجراء تحويلات ضمن السوق السوداء، نتيجة القيود المُعقدة المفروضة على الاستيراد والتصدير، ومنع التداول بالعملة الصعبة.

ولا تتم عملية مراقبة الاتصالات، بشكل عشوائي، إذ تعجز أجهزة النظام الأمنية عن مراقبة 6 ملايين شخص في مدينة دمشق، في الوقت ذاته، ولكن ورود مكالمات محلية أو خارجية من خطوط على لوائح "الطلب الأمني"، تكفي لاخضاع المتلقي في مناطق النظام إلى المراقبة، ويتم ذلك عبر مراقبة هاتف شخص محدد، واعتقاله فور ورود كلمات تُثبِتُ "إدانته".

واستخدمت هذه الطريقة مع تجار دمشقيين كبار لهم صلة مع ضباط النظام، إذ تم اعتقالهم مع "دلائل"، لتجنب "إطلاق سراحهم" بسبب الواسطة، خاصة إن تعلّق الأمر باستلام أو تحويل أموال من الخليج أو تركيا، قد تستخدم لتمويل "الإرهاب"، بحسب تفسير النظام له.

ويمكن لـ"الراشدات" التوقف في مكان ما، والتنصت على مجمل المكالمات الصادرة والواردة إلى المنطقة، لالتقاط كلمات معينة: "تنفيذ، تحويل، حوالة، أمانة، تركيا، السعودية، سلاح.."، ليتم الانتقال فورياً إلى مصدر المكالمة، والاستماع إليها، وتحديد مكان إشارة الهاتف.

ويُعتبر "فرع 215" المسمى بـ"سرية المداهمة" والتابع لـ"شعبة الاستخبارات العسكرية"، المسؤول الأول عن مراقبة الاتصالات الخاصة بالحوالات المالية والتجار والسوق السوداء. بينما يسيطر "فرع فلسطين" التابع لـ"شعبة الاستخبارات العسكرية" على مراقبة الاتصالات الخاصة بالأوضاع الأمنية. ويتم ذلك بالتنسيق الكامل بين تلك الأجهزة و"فرع الاتصالات" و"فرع المعلومات" و"فرع مكافحة الجرائم الالكترونية" الذي يتولى بشكل رئيس مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم تقارير للأجهزة الأمنية عن أشخاص معينين واتصالاتهم.

وفضلاً عن المداهمات والحملات الأمنية ومراقبة الاتصالات، كثفت مخابرات النظام في الآونة الأخيرة من الحواجز "المؤقتة" المشتركة بين أكثر من جهاز أمني. وهي عبارة عن دورية مؤلفة من سيارتين أو اكثر، تتوقف في شارع أو ساحة، لمدة معينة، وتقوم بإيقاف المارة والسيارات، بشكل عشوائي، وإجراء "الفيش الأمني" لهم، قبل أن تنتقل الدورية إلى مكان آخر. كما لوحظت زيادة أعداد العناصر على الحواجز العسكرية الثابتة، ونشرهم في محيط الحواجز، لاصطياد المارة الذين يحاولون تجنب المرور من تلك الحواجز.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها