الأربعاء 2017/11/22

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

موسكو: الأسد بين زيارتين

الأربعاء 2017/11/22
موسكو: الأسد بين زيارتين
آن أوان التسوية السياسية للنزاع الداخلي السوري (انترنت)
increase حجم الخط decrease
من الصعب فهم ما أغدقه الساسة والمعلقون الروس من أوصاف على زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى سوتشي ولقائه الرئيس بوتين، من دون النظر إلى المقاربتين الروسية والإيرانية المختلفتين للمقتلة السورية في مرحلتها الراهنة. لم يُطنب الروس في مديح الأسد نفسه، بل استرسلوا في تفسير معنى الزيارة وما تعنيه بالنسبة لروسيا، التي يكرر مسؤولوها منذ اسابيع التأكيد على قرب إنجاز القوات الروسية مهمتها في سوريا، وتحديدهم نهاية العام 2017 موعداً مفترضاً لانسحابها من سوريا.

زيارة الأسد السابقة إلى موسكو، في تشرين الأول/أوكتوبر2015، كانت ليشهد حينها على انطلاق العملية العسكرية الروسية في سوريا، ويمنحها "الشرعية" التي تسلحت بها موسكو لاحقاً امام العالم أجمع. وتأتي زيارته الاخيرة ليشهد، وبحضور العسكريين الروس، على نهاية هذه العملية، ويمنح العملية السياسية الروسية في سوريا "الشرعية" التي ستتسلح بها موسكو أمام جميع الفرقاء المنخرطين في المقتلة السورية. ولم يتأخر بوتين في استخدام هذه "الشرعية" في كافة اتصالاته التي أجراها مع عدد من قادة العالم وأطلعهم خلالها على ما توصل إليه مع الأسد.

واعتبر الروس أن موافقة الأسد على الإنتقال إلى العملية السياسية قد شكلت "خرقاً هائلاً" في عملية استقرار الوضع العسكري-السياسي في سوريا، بحسب نائب رئيس لجنة الإتحاد للأمن والدفاع فرانتس كلينتسيفتش، الذي قال بأن عملية التقدم التي يحرزها الأسد "جدية جداً"، وهو يدرك ضرورة التنازلات في التعامل مع مختلف القوى الداخلية في سوريا، وإلا "فقد يخسر كل شيء". ويؤكد كلينتسيفتش لوكالة "نوفوستي"، أن الصراع ضد "الدولة الإسلامية" سينتهي نهاية السنة الحالية، وخلال هذا الوقت ستنسحب القوات الجوية الروسية من سوريا.

وفي تعليق لها على لقاء سوتشي، تُذكّر صحيفة "البرافدا" بما كانت قد كتبته سابقاً من أن الكرملين قد أفهم دمشق والعالم أجمع أكثر من مرة، خلال الشهر الأخير، أن ثمة تغييرات قادمة على السياسة الروسية في سوريا. فقد صرح الرئيس الروسي نفسه، وكذلك وزير الدفاع، أن الأراضي السورية قد تم تحريرها بالكامل، تقريباً، وأن المهمات، التي كانت ملقاة على عاتق القوات الجوية الروسية قد نُفذت، وأن الحرب ضد الإرهابيين هي في طور النهاية.

وتقول "البرافدا" إنه من المنطقي أن نستنتج من كل ما تقدم، أنه قد آن أوان التسوية السياسية للنزاع الداخلي السوري. و"طالما أن جميع الإرهابيين قد تم القضاء عليهم، وبالتالي لم يبق لدى نظام بشار الأسد أي أساس لتأجيل انطلاق هذه العملية وحماية نفسه من أي من المشاركين فيها، فمن بقي على الساحة هي تلك القوى، التي ينبغي إقامة حوار معها".

وتنقل صحيفة الكرملين "vzgliad" عن المستشارة في معهد الأبحاث الإستراتيجية يلينا سابونينا قولها، إنه ليس من العبث ترديد بوتين أكثر من مرة، خلال الحديث مع الأسد، عبارة "العملية السياسية" و"التسوية السياسية". فهذا يشير، برأيها، إلى الحاجة الملحة لتحريك هذه العملية، والحاجة إلى الإصلاحات السياسية في سوريا.

ونقلت الصحيفة عينها، عن عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الإتحاد الروسي أوليغ ماروزوف، قوله، إن اللقاء بين بوتين والأسد قد "ثبّت، مرة جديدة، موافقة الأسد والإتفاق معه على العملية السياسية". ويقول ماروزوف إنه كان قد تردد في السابق، حتى من الجانب السوري، فكرة أن كل شيء سيكون جيداً بإحراز النصر عسكرياً، والقضاء على المعارضة وعلى الإرهابيين. "لكننا نحن"، يقول ماروزوف "من أنصار العملية السياسية، التي ينبغي أن تجري لاحقاً تحت إشراف دولي، على أساس اتفاقات جنيف المعنية". وهذا يعني، أن ثمة انتخابات قادمة بمشاركة الأسد، الذي ينبغي أن يوافق، بالطبع، على هذه العملية السياسية. ويقول ماروزوف إن اللقاء مع الأسد، عشية زيارة كل من إردوغان وروحاني إلى سوتشي، لم يكن صدفة. فالتسوية السورية هي عملية متعددة الجوانب، "ونحن منذ البداية انطلقنا من أن المشكلة مستحيلة الحل، من دون أخذ مواقف تركيا وإيران بالإعتبار".

لكن إيران، التي يعتبرها ماروزوف "حليفنا منذ البداية" في قتال "الدولة الإسلامية"، لا ترى ما تراه روسيا في ضرورة الإنتقال إلى العملية السياسية في سوريا. فقد كتب موقع "IRAN.RU" الناطق بالروسية في 15 تشرين الثاني مقالة بعنوان "المنتصرون يستعدون لتقاسم سوريا". يقول هذا الموقع، إن الأحداث الحالية في سوريا تشير إلى أن "طهران كانت محقة، حين اقترحت القضاء على المجموعات الإرهابية والمتطرفة في سوريا بالوسائل العسكرية، بدل الإنخراط معهم في مفاوضات سلمية". فاللقاءات الأخيرة في أستانة، وقبلها عملية جنيف، لم تفضِ إلى إقامة السلام وبدء إعادة إعمار البلد، بل منحت المعارضة المناهضة للأسد استراحة لإعادة تجميع قواها، وإلى تقسيم البلد في الواقع. كما سمحت أيضاً للأكراد من "اتحاد القوى الديموقراطية"بإحتلال حقول النفط والغاز السورية مع الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى ذلك، تستمر العمليات العسكرية ضد "الدولة الإسلامية"، وليس من المعروف متى ستنتهي الحرب في سوريا، كما يرى الموقع المذكور.

ويقول هذا الموقع إن سوريا مقسّمة، في الواقع، إلى مناطق احتلال، يمكن تقسيمها، افتراضياً، إلى قسمين كبيرين: قسم أميركي في شرق البلاد وجنوبها، وقسم روسي-تركي-إيراني أكثر تفتتاً من القسم الأميركي، ما يجعل الأمور أكثر صعوبة من حيث تسوية العلاقات بين البلدان المحتلة وحلفائها.

ويؤكد الموقع، أن الوضع في سوريا يتطور على نحو تصبح معه مشكلة "الدولة الإسلامية" هي المشكلة الأصغر من بين المشاكل الأخرى. فقد بدأت تطفو على السطح التناقضات بين "المنتصرين"، وكلما تقدم الوقت، كلما بدت هذه التناقضات أشد قساوة. فالأسد بدأ يروج علناً "لأم معارك" أخرى، وهي الرقة هذه المرة، وبالطريق يستعد لاحتلال تشرين والطبقة. والسؤال كله هو فيما إذا كان العسكريون والمرتزقة الروس سيشاركون في هذه الخطة أم لا. وإذا ما اتخذت طهران قراراً بدعم عمليات الأسد، فمن المستبعد، عندئذٍ، أن تقدم الولايات المتحدة على الصراع مع روسيا وإيران معاً.

وبعد أن يؤكد الموقع، أنه لولا وجود إيران على الأرض لكان الأسد قد سقط منذ زمن بعيد، يدخل في تفاصيل محاولات إخراج إيران من سوريا واستبدال رجالاتها بآخرين موالين لموسكو، يقول إنه من المبكر الحديث عن نهاية قريبة للحرب في سوريا. بل هي ستستمر، إنما بشكل آخر وبين مشاركين آخرين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها