الأربعاء 2017/10/18

آخر تحديث: 14:34 (بيروت)

هل بدأت حرب "توحيد البندقية" في "درع الفرات"؟

الأربعاء 2017/10/18
هل بدأت حرب "توحيد البندقية" في "درع الفرات"؟
السبب الظاهر للاقتتال هو الخلاف على العائدات المالية التي تجنيها "الشامية" (انترنت)
increase حجم الخط decrease
يشهد ريف حلب الشمالي الشرقي، منذ السيطرة على مدينة الباب وطرد "داعش" منها في شباط/فبراير، معارك جانبية واقتتالاً داخلياً بين الفصائل المنضوية في "درع الفرات". ولعل أبرز تلك الاشتباكات الداخلية، ما كان يحصل بين مقاتلي العشائر الفارين من محافظة  ديرالزور وبين المقاتلين المحليين من ريف حلب الشمالي الشرقي. فالمقاتلون المحليون من أبناء ريف حلب باتوا يشعرون بحقهم في إدارة مناطقهم، نتيجة إحساسهم العارم بالنصر، ودحر "داعش" بعد نحو ثلاث سنوات من النزوح والتشرد بين تركيا ومنطقة أعزاز.

وعلى الرغم من تكرارها، لم تشكل تلك الصدامات بين "أحرار الشرقية"، وبين الفصائل المحلية في الباب وجرابلس؛ "فرقة الحمزة" و"السلطان مراد"، انقساماً حاداً على المستوى العسكري، وسرعان ما حُلّت تلك الخلافات. ويُسهّلُ ذلك، أن لا طموح للسيطرة، عسكرياً أو مدنياً، لدى أبناء "الشرقية"، في منطقة يقيمون فيها بشكل مؤقت. بل كانوا رأس حربة، إلى جانب رفاق السلاح المحليين في حربهم على "داعش". كذلك، يدرك الجميع أن أبناء ديرالزور ينتظرون منذ شهور أن تتوصل تركيا وأميركا إلى تفاهم يسمح بانتقالهم إلى جبهات ديرالزور. وما زالوا ينتظرون.

المُقلق في التطورات الأخيرة، هو الصراع الخفي بين "الجبهة الشامية" و"فرقة السلطان مراد"؛ فالفصيلان يتلقيان دعماً كبيراً من غرفة تنسيق العمليات "الموم"، وتسيطر "الشامية" على معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، وتحتكر عائداته المالية، منذ سيطرتها عليه بعد قضاء "داعش" على "لواء عاصفة الشمال" في تشرين الأول/أكتوبر 2013. في حين تُعتبر "فرقة السلطان مراد" من أكثر الفصائل نفوذاً، بسبب قربها ودعمها الخاص من تركيا منذ بدء عملية "درع الفرات" ضد "داعش" في أيلول/سبتمبر 2016، بالإضافة لحصولها على الدعم من غرفة "الموم".

والسبب الظاهر للاقتتال هو الخلاف على العائدات المالية التي تجنيها "الشامية" وترفض تقاسمها مع بقية الفصائل، وذلك بحسب الكثيرين، ومنهم قائد "السلطان مراد". وهو السبب عينه، الذي دفع فصائل آخرى للهجوم على "الشامية" في مرات سابقة. وحُلّت تلك الخلافات، بإعطاء تلك الفصائل نصيباً من عائدات المعبر، أو حتى اشراك "أحرار الشام" في المعبر الداخلي بين أعزاز وعفرين، وهو المعبر الرئيس لدخول النفط الخام القادم من شرق سوريا إلى إدلب وحماة وريف حلب الغربي.

"الجبهة الشامية" أدركت أن الصدام قادم لا محالة، ولجأت الى محاولة لنزع فتيل الأزمة، عبر تسليم المعبر إلى "الحكومة السورية المؤقتة"، لكن الحرب بدأت، ولم تقبل "السلطان مراد" بذلك. واندلعت اشتباكات متقطعة بين الفصيلين، وانضمت "فرقة الحمزة" إلى جانب "السلطان مراد"، فيما باغتت "أحرار الشام" "فرقة الحمزة" في قباسين. وعلمت "المدن" أن اكثر من 250 مقاتلاً من "السلطان مراد" و"فرقة الحمزة" وقعوا في الأسر. وتدخل الجانب التركي لحل الخلاف بين الطرفين.

والخلاف، رغم اتخاذه شكل الصراع على تقاسم إيرادات المعبر، إلا أنه كان متوقعاً منذ شهور، وحذّر منه الكثيرون. ففي منطقة "درع الفرات" أكثر من 20 ألف مقاتل، لا يسمح لهم اطلاق النار على قوات النظام المتمركزة جنوبي مدينة الباب، بسبب التفاهم التركي-الروسي على حدود التدخل في المنطقة. عملية استيلاء المعارضة على عربة "بي أم بي" لقوات النظام، تم حلها سريعاً بارجاعها إلى قوات النظام مباشرة. هذا بالإضافة لعدم قدرة تركيا وحلفائها على شنّ أي هجوم ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية في منطقة منبج، المُعززة بـ"قوات فصل" ومدرعات أميركية.

عدم وجود جبهات ساخنة مع النظام، ولّد فائض قوة كبيرة لدى فصائل "درع الفرات"، من دون إمكانيات متاحة للفعل الخارجي، ما قد يتسبب بارتداد عكسي، واقتتال داخلي بين فصائل المعارضة، قد لا تتمكن تركيا من ضبطه والسيطرة عليه.

مكتب رئيس "الحكومة المؤقتة"، أصدر الثلاثاء بياناً، يقول فيه إن الاجتماع "بين فصائل كتلة الشامية، والقيادة المشتركة: (السلطان مراد، كتلة النصر، الجيش الوطني)، لمعالجة الخلافات الناشئة في الأحداث الأخيرة، بحضور رئيس الحكومة ووزارة الدفاع وهيئة الأركان ولجنة المجلس الإسلامي السوري وعدد من الشخصيات الثورية، تم خلاله الاتفاق على ما يلي: أولاً، تثبيت وقف إطلاق النار، وسحب المظاهر المُسلّحة. ثانياً، تسليم إدارة كافة المعابر الحالية وأي معبر يتم إنشاؤه لاحقاً إلى الحكومة السورية المؤقتة. ثالثاً، تشكيل لجنة قضائية للبت في قضايا الحقوق بين الطرفين. كما تعهدت الفصائل بالتزام القرارات الصادرة عن وزارة الدفاع وهيئة الأركان".

ورغم ذلك، فقد أشار البعض، إلى أن الانجرار إلى اقتتال عربي-تركماني، بسبب الصدام بين "الشامية" و"السلطان مراد"، هو مجرد تهويل؛ فـ"فرقة السلطان مراد"، ورغم أن أغلب قيادات الصف الأولى فيها من التركمان إلا أن أكثر من نصف مقاتليها من العرب السنّة. والتركمان السوريون أكثر التصاقاً بالعرب السنّة، ويتواجدون في مناطق مختلطة، إذ يتوزع التركمان على أرياف حمص واللاذقية وحلب.

إلى ذلك، يبرز السؤال عن  مصير فصائل "درع الفرات" وأعداد المقاتلين الهائلة، ومدى حاجة تركيا لوجودهم، أو على الأقل وجودهم كفصائل غير منضبطة في منطقة تتخذ شيئاً فشيئاً شكل السيطرة التركية المباشرة، ابتداءً من الشرطة الحرة، والقوة الأمنية "الكوماندوس" وصولاً إلى النظام التعليمي والمدارس التي تشرف عليها تركيا، وتقدم رواتب لأكثر من 2000 معلمٍ فيها.

لذا، يمكن قراءة الصدام المسلح على أنه يهدف إلى كسر شوكة "الجبهة الشامية"، وتحجيم دورها، عبر اشراك "السلطان مراد" في معبر باب السلامة، بشكل أولي، تمهيداً لاخراج "الشامية" منه لاحقاً. ويبدو أن التواجد العسكري لفصائل المعارضة في منطقة "درع الفرات" بات يتطلب رضى "السلطان مراد" وادارتها.

ويعزز مشروع "الجيش الوطني" في منطقة "درع الفرات" من تلك الفرضية، فهو مع تأخره، كان مطلباً شعبياً، إلا أن دمج الفصائل اليوم وتنظيم فوضاها، يأتي في سياقات عرفتها بلدان سبق وعاشت حروباً أهلية، في ما يعرف بعملية "نزع السلاح"، سيخضع رافضها إلى معركة "توحيد البندقية". وإذا اعتبرنا منطقة "درع الفرات" ذات خصوصية مختلفة عن بقية المناطق السورية، بسبب التفاهم الروسي-التركي، فهذا يُفسّرُ تحركات "الجبهة الشامية" في الهروب إلى الأمام، من أجل شراكة استراتيجية مع "الحكومة المؤقتة" ووزارة دفاعها، ما قد يُعيق تنفيذ مشروع "توحيد البندقية".

ومع مؤشرات وقف الدعم الأميركي لغرفة "تنسيق دعم المعارضة/الموم"، فإن تركيا لا تُفضّلُ تحمّل عبء الانفاق العسكري، وحيدة، على تلك الفصائل، خصوصاً مع تراجع الحاجة الاستراتيجية لها. دخول تركيا إلى إدلب، من دون قتال، ورغم نقل آلاف المقاتلين من "درع الفرات" إلى الحدود السورية التركية، إلا أنه لم يستدع دخول المقاتلين إلى إدلب. مصادر "المدن" أشارت إلى احتمال إعادة تلك القوات إلى منطقة "درع الفرات" قريباً.

لذا، تركيا ماضية في ضبط سلاح الفصائل في المنطقة، وعدم تدخلها حتى اللحظة، بحزم، يُشبه الطبخ على نار هادئة. إذ ستكسب "السلطان مراد" من أي صلح مع "الشامية"، طالما يكفل وجودها في معبر باب السلامة. وكذلك تركيا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها