الأحد 2017/01/29

آخر تحديث: 16:45 (بيروت)

أبواب جهنّم تفتح في الشمال السوري

الأحد 2017/01/29
أبواب جهنّم تفتح في الشمال السوري
AFP ©
increase حجم الخط decrease

وكأنه مشهد من سلسلة "لعبة العروش"، تلك الجلبة التي يحدثها الاستقطاب الدائر في الشمال السوري، بين حركة "أحرار الشام الإسلامية"، و"جبهة فتح الشام". لوهلة يبدو الأمر اتفاقاً بين التشكيلين الكبيرين لابتلاع الفصائل الصغيرة، بيدَ أن لهاث مقاتلي الفصائل المهرولين لإعلان الانضمام إلى أحدهما يشي بما هو أقسى من ذلك.. ربما حرب طاحنة، أو يوم حساب، فتحت فيه البوابات لمن يرى نفسه من "شعب الأحرار"، أو "شعب الجبهة"، وربما خدعة لإنجاز مشروع اندماج تنازعت عليه قيادة التشكيلين.

وحكاية شعوب الشمال السوري فيها من التلوّث والسوء ما لا يدفع أحداً للدفاع عن صانعيها، إذ لكل بضعة آلاف ممول يرعاهم، وزعيماً يهتفون باسمه؛ على الحدود مع تركيا هناك "سوريو أردوغان" الذين علت صيحاتهم قبل أيام أثناء حصّة تدريبية قبيل توجههم إلى مناطق "درع الفرات": يحيا أردوغان. وهناك "سوريو القاعدة" الذين ما ساءهم يوماً أن جلسوا مع الجولاني ورسموا المخططات معه في طوري تخفيه وظهوره، واختاروا احتضان 300، أو أكثر، من مقاتليه في شرق حلب واستسلموا في النهاية للنظام والمليشيات وروسيا. وهناك "سوريو الأحرار" الذين احتضنوا يوماً كل شعوب السوريين، بمن فيهم الذين اختاروا مبايعة أبوبكر البغدادي عند إعلانه قيام "الدولة الإسلامية"، وتركوا له الرقة بعدما أخذوا ما لذّ لهم وطاب، على ما يقول سكّان ما زالوا على قيد الحياة في "ولاية الرقة".


وبين كل أولئك، هناك عشرات الشيوخ والدعاة الذين يصدرون الفتاوى حسب الطلب، ولعل أكثرهم تأثيراً، أو أعلاهم صوتاً ربما، هم أعضاء المجلس الإسلامي السوري، الذي أصدر بياناً يدين تدخل الدول الغربية في سوريا، في سبتمبر/أيلول 2014، عندما أعلن عن تأسيس التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". ثم أصدر بياناً في سبتمبر/أيلول 2016، يرحب بتدخل تركيا، وهي عضو في التحالف الدولي، وأصدر فتوى تقول إن قتال المعارضة إلى جانب الجيش التركي ضد "داعش"، هو قتال "جائز شرعاً"، وما أغفلت الفتوى، بالطبع، أن تضع اسم "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي مع اسم "داعش"، لأنهما "صائلان معتديان".


أما النشطاء والصحافيون والمثقفون والباحثون في الجماعات الإسلامية، وغير الجماعات الإسلامية، فهم مؤلفٌ مستقلٌ في مجلد حكاية الشمال السوري. أولئك المحاضرون في قبح "فتح الشام" و"الزنكي" اليوم، كانوا يتسابقون لالتقاط الصور مع قياديين في "فتح الشام"، وأوهموا الجميع أن مقاتلي "الجبهة" الذين تسللوا إلى مدينة حلب تحت اسم "جيش الفتح"، هم ترياق المدينة والملائكة المبعوثين لإنقاذ المحاصرين، وعملوا على تلوين وجوه ملثّمي الجولاني على وسائل الإعلام، قبل أن يتبيّن أن كلّ ما فعله أولئك الأتقياء هو تفكيك ما تبقى من فصائل الجيش الحر المرابطة على جبهات المدينة، والهروب عند إنجاز اتفاق إخلاء شرق حلب.


لاشك أن الرئيس الروسي فلاديمر بوتين يشرب مع الأسد نخب هذا المشهد الجديد، الذي يضيق أكثر فأكثر على السوريين، ويفتح أبواب جهنّم على الفصائل التي تكدّست في الشمال نتيجة تسويات محيط العاصمة وحمص، وهو أكثر سعادة بثبوت مقولته عن "إرهاب" حركة "نورالدين زنكي"، يوم قتل عناصر منها فتى جريحاً، قالوا إنه أسر أثناء قتاله الحركة مع إحدى مليشيات النظام. ويومها، لو كان فايسبوك يتيح لرواده حمل السلاح، لكاد "سوريو الزنكي" أن يقتلوا سوريين آخرين اعترضوا على مشهد قتل الطفل. وبالطبع، كلّ ذلك من منطلق أن "الزنكي" يقارعون المليشيات، وهم من الجيش الحر، والأخير لا يمكن أن يقتل بهذه الطريقة.. لكن أين هم الآن؟ يصلّون جماعة مع "فتح الشام" ويؤمّ بهم الجولاني.


سعادة بوتين والأسد مضاعفة، إذ إن الفصائل التي انضمت إلى "أحرار الشام"، هي نفسها التي شاركت في محادثات أستانة. وهذه الفصائل لم يعد لها أثر في الشمال، بعدما ذابت في جسم الأحرار للاحتماء من "بغي الصائل" على رأي كتبة الفتاوى. وحتى لو أن التشكيلات المركزية، مثل "جيش الإسلام"، ما زالت قائمة في كيانات لها قياداتها المستقلة، فإن مشاركة "جيش الإسلام-قاطع الشمال" مرفوضة من قبل مجلس الشورى، وليست ملزمة لقيادة الجيش في الغوطة الشرقية، إذ أصبحت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام محكومة بديناميات خاصة، لا يمكن أن تتقاطع مع فصائل أو مناطق أخرى، وإلا لكانت حالة الاقتتال عمّت كل المناطق التي تنتشر فيها تلك الفصائل وفروعها، من الشمال إلى الجنوب.


كل ذلك لم يترك للمتفرجين على هذا المشهد سوى استعارة مقولة "لعبة العروش" عن الشمال الذي تبدأ منه الحكاية، وترديدها على الواقع السوري: الشمال يتذكّر. إنها عملية سطو علنية، يقوم بها عسكر "فتح الشام"، وعسكر "أحرار الشام" في وضح النهار منذ أيام؛ يسرقون من خلالها شقاء الناس وتعبهم في البحث عن الأمان وعن حقوقهم، ويبتزون الفصائل الصغيرة على حياة مقاتليها، ويشتركون في هدف واحد، هو معاقبة من ذهب إلى أستانة، وعصى قرار حكّام الشمال برفض مصافحة الروس والإيرانيين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها