الجمعة 2017/01/27

آخر تحديث: 15:31 (بيروت)

الهجوم على خناصر: هل يتدخل "داعش" لصالح "جند الأقصى"؟

الجمعة 2017/01/27
الهجوم على خناصر: هل يتدخل "داعش" لصالح "جند الأقصى"؟
محاولات تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" في بادية حلب، وقطع طريق امداد النظام، ربما تهدف للوصول إلى إدلب (انترنت)
increase حجم الخط decrease
تواصل جبهة "فتح الشام" حملتها العسكرية والأمنية، ضد فصائل المعارضة المسلحة في ضواحي حلب الشمالية والغربية والجنوبية، وتنفذ حملات دهم واعتقال تطال عناصر الفصائل المسلحة، الذين يتحصنون في مقارهم رافضين تسليم أنفسهم وأسلحتهم امتثالاً لطلب الجبهة التي تعدهم بإخلاء سبيلهم إن فعلوا ذلك.

وتصاعد التوتر في ضواحي حلب الغربية، بعدما نشرت "فتح الشام" عشرات الحواجز الأمنية في المناطق التي سيطرت عليها، في أورم وكفرناها وخان العسل والراشدين وريف المهندسين، بعدما أنهت بشكل كامل تواجد "جيش المجاهدين" و"كتائب ثوار الشام" و"لواء بيارق الشام"، وسيطرت على مقارهم ومستودعات أسلحتهم، وجبهات القتال التي كان ينتشر فيها مقاتلوهم ضد مليشيات النظام غربي المدينة.

وفي منطقة الضواحي الشمالية، توسعت "فتح الشام" في عندان وكفرحمرة ومنطقة أسيا، على حساب "الجبهة الشامية" التي حوصرت مواقعها ومقارها، وسيطرت على  مستودعات أسلحة تابعة لـ"الشامية" في منطقة أسيا، وسيطرت على "مقر 86" أكبر مقار "الشامية"، وأكثرها تحصيناً شمالي حلب.

وكانت "الجبهة الشامية" قد أكدت في بيان لها في وقت سابق، أن نقاط رباط مقاتليها في الضواحي الشمالية تعرضت لهجوم من قبل "فتح الشام" التي قطعت الإمداد عنها، مؤكدة أن مقاتليها كانوا يتمركزون في أكثر من 40 نقطة في مواجهة النظام والمليشيات المساندة له.

في المقابل، شككت "فتح الشام"، في بيان لها، بأعداد نقاط الرباط التي تحدثت عنهم "الشامية"، مشيرة إلى أنها مزاعم تشبه تلك التي كانت تتحدث عنها "الشامية" في مدينة حلب قبل سقوطها لحساب النظام.

اعتداءات "فتح الشام" طالت أيضاً مواقع ومقار "فيلق الشام" في الضواحي الشمالية، بعدما سيطرت على بعض مقاره في كفر حمرة. وخسر "الفيلق" اثنان من قادته، وجدا مقتولين قرب عندان، بعد فقدانهم لأيام في ظل التوتر الحاصل في المنطقة. وتشير أصابع الاتهام إلى أن "فتح الشام" هي من تقف وراء عملية الاغتيال.

الحملة العسكرية لـ"فتح الشام" لم تقضِ على تواجد "فيلق الشام" و"الجبهة الشامية" شمالي حلب بالكامل، إذ ما زال مقاتلو "الشامية" و"الفيلق"، متواجدين في بلدات حيان وبيانون، ومواقع ومناطق قرب بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في مواجهة مليشيات النظام. ولا صحة للأنباء التي تتحدث عن حصار "فتح الشام" بلدة حيان، وجبهات القتال التي يتمركز فيها مقاتلو فصائل المعارضة شمالي حلب.

وهاجمت "فتح الشام" مواقع ومقار للمعارضة المسلحة في ريف حلب الجنوبي قرب بلدة الزربة، وسيطرت على بعض المواقع التابعة لها، واستولت على أسلحة، واعتقلت عدداً من مقاتلي المعارضة ومن ثم أخلت سبيلهم بعد ساعات.

اعتداءات "فتح الشام" ضد عدد من فصائل المعارضة المسلحة في ضواحي حلب، لم تتسبب بإحداث فراغ في جبهات القتال، الغربية والشمالية والجنوبية. فـ"حركة نور الدين زنكي" التي التزمت الحياد الكامل، بقيت متواجدة في جبهات قتالها ضد مليشيات النظام، وكذلك بقيت كتائب ومجموعات مسلحة تابعة لـ"الجبهة الشامية" و"فيلق الشام"، في مواقعها التي لم تمتد إليها المواجهات. وانتشر مقاتلو "فتح الشام" في المواقع التي سيطروا عليها من "جيش المجاهدين" و"ثوار الشام" و"بيارق الشام".

وعلى العكس من إدلب وريفها، كانت المواجهات بين "فتح الشام" وفصائل المعارضة المسلحة في ريف حلب أقل حدة، ولم تؤدِ إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف الطرفين، رغم أن الحملة العسكرية التي بدأتها "فتح الشام" كانت من ريف حلب الغربي ضد "جيش المجاهدين" و"كتائب ثوار الشام".

واعتمدت "فتح الشام" في حملتها العسكرية في ريف حلب ضد فصائل المعارضة بشكل كبير على عناصرها من أبناء المناطق نفسها، كما كان للمدنيين من أبناء المدن والبلدات التي شهدت مواجهات دور كبير في التهدئة، والحؤول دون وقوع اشتباكات ومعارك داخل البلدات حفاظاً على سلامة المدنيين. كما لعبت المجالس المحلية والعسكرية في قرى وبلدات ريف حلب، بالإضافة لوجهاء تلك البلدات دوراً في التقليل من المواجهات المباشرة كما جرى في الأتارب، التي شكلت فيها "قوة طوارئ" من مختلف الفصائل العاملة في المدينة والتي تنضوي ضمن "المجلس العسكري".

وقتل طفل، وجرح آخرين في بلدة الحلزون في ريف حلب الغربي، الخميس، بعدما استهدف عناصر من "فتح الشام" تظاهرة لأبناء البلدة للاحتجاج على مداهمة منازلهم، واعتقال "فتح الشام" لأشخاص من أبناء البلدة بتهمة انتمائهم لفصائل المعارضة. المواجهات مع المدنيين الغاضبين أجبرت "فتح الشام" على مغادرة البلدة، بعد عقد اتفاق مع الأهالي.

ولم يشفع لمقاتلي الفصائل الحلبية في "جيش المجاهدين" و"ثوار الشام" و"بيارق الشام" و"تجمع فاستقم كما أمرت" و"القاطع الغربي" في "الجبهة الشامية"، انضمامها إلى صفوف "حركة أحرار الشام". ولم يبعد ذلك خطر "فتح الشام"، بشكل كلي، عن مناطق تواجد مقاتلي تلك الفصائل، الذين ما زالوا يتعرضون للتضييق، والاعتقال. "أحرار الشام" ظلّت تهدد في بيانات متتالية، من أن أي اعتداء على الفصائل العسكرية في ريف حلب، والمنضمة إلى صفوفها حديثاً هو اعتداء على الحركة ككل.

إلا أن التصعيد ضد "فتح الشام" في حلب، عبر البيانات والحرب الكلامية، لا يشبه الواقع الميداني. على الأرض الأمر مختلف تماماً، فبينما تبدو المواجهة ضد "فتح الشام" حاسمة في خطابات الفصائل وعلى لسان منظريها، لا تبدو كذلك على الأرض، حيث الانسحابات بالجملة لمقاتلي المعارضة من مواقعهم وتسليم مقارهم لـ"فتح الشام" وتجنب معظمهم لقتالها. كل فصيل يبحث عن مخرج لنفسه، وكان اللجوء إلى أحضان حركة "أحرار الشام الإسلامية" خيارهم جميعاً في النهاية، وفي الغالب فانضمامهم إلى "الحركة"، هو شكلي، لا يرقى إلى الاندماج الكامل، وما أن يزول الخطر حتى يرجع الجميع إلى اقطاعاته ومناطق نفوذه. وذلك بحسب تجارب الاندماج السابقة بين فصائل المعارضة، إلا إذا أخذت المواجهات منحى تصعيدي، قد يجبر الجميع على المواجهة.

وبالتزامن مع الحملة العسكرية التي تشنها "فتح الشام" و"جند الأقصى"، ضد فصائل المعارضة المسلحة في إدلب وحلب، حاول تنظيم "الدولة الإسلامية" قطع طريق إثريا- خناصر الذي يصل النظام في حلب بمحافظات وسط وغرب سوريا. وهو طريق الامداد الوحيد للنظام في حلب، والذي يمر من منطقة البادية جنوبي حلب.

هجوم التنظيم الواسع شمل قرى وبلدات تقع إلى الشمال من بلدة خناصر، وتمكن خلاله من السيطرة على قرى وبلدات الشلالة والراهب والرويهب والهواز والمزرعة ورسم النقل. واشتبك مقاتلو "داعش" مع مليشيات النظام قرب خناصر، في محاولة للسيطرة على البلدة، إلا أن الأخيرة شنت هجوماً برياً معاكساً بمساندة المقاتلات الحربية الروسية التي قصفت بأكثر من 40 غارة جوية مواقع التنظيم التي تقدم فيها، وخطوط امداده. وأسفرت المواجهات بين الطرفين عن مقتل العشرات من العناصر، وأعاد النظام تأمين الطريق الذي ظل مقطوعاً لساعات بعد تقدم التنظيم في البلدات المحيطة جنوب شرقي حلب.

محاولات تقدم تنظيم "داعش" في بادية حلب، وقطع طريق امداد النظام، ربما تهدف في جانب منها الوصول إلى إدلب، والعمل على فتح طريق آمن منها نحو مناطق سيطرة التنظيم في الرقة. فالتنظيم يريد أن يقول إنه يراقب عن قرب التطورات التي تحصل هناك، وهو مستعد لاحتضان من يرغب في الالتحاق به من المقربين منه من "جند الأقصى" الذي أعلنت "فتح الشام" فك ارتباطها معه مرة أخرى على خلفية القتال الجديد الذي جرى بينه وبين "حركة أحرار الشام الإسلامية" في إدلب، قبل أسبوع تقريباً.

النظام بدوره يساعد تنظيم "الدولة الإسلامية" في الوصول إلى مناطق المعارضة في ريف حماة وادلب وحلب، بين الحين والآخر، من خلال فتح ممرات لهم. وعناصر التنظيم وخلاياه تمكنوا أكثر من مرة، من قطع الطريق الذي تسيطر عليه مليشيات النظام في منطقة البادية، وتمكنوا في كثير من الأحيان من اختطاف قادة وعناصر للمعارضة في إدلب وإيصالهم إلى معقل التنظيم في الرقة. وللنظام مصلحة كبيرة في دخول التنظيم كطرف في القتال الحاصل في إدلب بين "فتح الشام" وفصائل المعارضة، أو على الأقل العمل على تأجيج الصراع أكثر.

المواجهات ما تزال متواصلة في إدلب وريف حلب، بين "فتح الشام" و"جند الأقصى" من جهة، و فصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية، وإلى الآن لم تدخل المواجهات مرحلة دموية، وما تزال الأطراف جميعاً بما فيها "فتح الشام" تبحث عن تهدئة.

"فتح الشام" تقول إن "جند الأقصى" لا تقاتل في صفوفها، وإنها ليست مسؤولة عن التنظيم الذي تم عزله. فإن توقف التصعيد العسكري، وإذا ما نجحت المساعي في وقف الاقتتال بين الأطراف، لن يكون هناك بالتأكيد مكان لتنظيم "جند الأقصى" في المنطقة. فالمعارضة حسمت أمرها بضرورة إنهاء وجود "جند الأقصى"، الأمر الذي دفع "داعش" إلى المبادرة وتوجيه إشارات علنية إلى امكان فتح الطريق للمقربين منه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها