الأربعاء 2016/09/28

آخر تحديث: 12:48 (بيروت)

حلب:عمليات برية محدودة للإستنزاف والإستكشاف

الأربعاء 2016/09/28
حلب:عمليات برية محدودة للإستنزاف والإستكشاف
المعارضة تبذل قصارى جهدها لحشد كل الفصائل المسلحة في خندق واحد في معركة حلب المقبلة (خالد الخطيب)
increase حجم الخط decrease
بعد حملة القصف الجوي الروسي على أحياء حلب الشرقية المحاصرة، بدأت قوات النظام والمليشيات، عمليات برية محدودة من محاور مختلفة، بغرض استنزاف المعارضة واكتشاف مناطق ضعفها. الضغط الجوي والبري للقوات المهاجمة، يرافقه ضغط انساني هائل على فصائل المعارضة المسلحة مع ارتفاع نسبة المصابين والجرحى والقتلى بين المدنيين، وانعدام وسائل حمايتهم أو علاجهم. والمعارضة إذ تخطط لفك الحصار من جديد، يبدو أنها ستواجه تحديات متعددة، ليس أقلها ضعف التسليح والتنسيق، وتراخي "الأصدقاء" الإقليميين والدوليين في دعمها.

قوات النظام وسّعت عملياتها البرية باتجاه أحياء حلب الشرقية المحاصرة، لتشمل الجبهات الغربية في "مشروع 1070 شقة" وسوق الجبس ومنطقة عقرب خارج المدينة. وشنت القوات المُهاجمة سلسلة هجمات متزامنة، الثلاثاء، في جبهات العامرية والشيخ سعيد وجبهات حلب القديمة في أحياء؛ الفرافرة والحرابلة وساحة الحطب والحميدية وباب النصر وباب الحديد. وأحرزت قوات النظام والمليشيات تقدماً في حي الفرافرة وسيطرت على عدد من المباني فيه، لكنها قوبلت بمقاومة عنيفة من قبل المعارضة في الجبهات الأخرى وقُتل 10 عناصر من المليشيات في حي الحرابلة الذي شهد أعنف المعارك.

واستخدمت قوات النظام والمليشيات الشيعية والقوات الخاصة الروسية، تمهيداً لهجماتها، قذائف المدفعية والهاون بكثافة، مستهدفة مواقع المعارضة الأمامية وخطوط دفاعاتها، في الوقت الذي لا تستطيع فيه الضربات الجوية الروسية تحقيق إصابات محققة للأهداف ذاتها نظراً لقرب خطوط المعارضة والنظام من بعضها، بحيث لا تفصلهما سوى أمتار قليلة كما في أحياء حلب القديمة.

وحاولت قوات النظام والمليشيات خلال هجومها الأخير تدمير دفاعات المعارضة وتحصيناتها المتقدمة، وكسر الخطوط الأولى لجبهات القتال التي ظلت ثابتة نسبياً منذ منتصف العام 2012 وحتى الآن من دون أي تغير جوهري، وبالتحديد في قلب المدينة التاريخي، والذي شهد العديد من محاولات تقدم فاشلة من قبل الطرفين.

وباشرت قوات النظام والمليشيات فعلياً بالضغط على المعارضة في حلب المحاصرة برياً، بالتزامن مع القصف الجوي الروسي المستمر منذ 19 أيلول/سبتمبر عند إعلان النظام وقف العمل بـ"وقف اطلاق النار". وتحقق قوات النظام والمليشيات، من خلال هجماتها المتفرقة، على مختلف الجبهات الشمالية والشرقية والغربية لحلب المحاصرة، إنهاكاً للمعارضة وتشتيتاً لجهدها الحربي المحدود غير المتجدد في ظل الحصار، ليسهل عليها خلال فترة وجيزة من الضغط الناري الانقضاض عليها بضربة قاضية.

ويبدو أن النظام وحلفاءه مطمئنون إلى الأداء الضعيف للمعارضة وعدم قدرتها على تنظيم صفوفها بالشكل المطلوب لإحداث تفوق عسكري، أو على الأقل تحقيق اصطفاف مواجه يعرقل تنفيذ المخططات على المدى القريب. والوضع المتردي الذي تعيشه المعارضة في حلب، يقع جزء كبير منه، على عاتق أصدقائها الإقليميين والدوليين، العاجزين عن فعل شيء لتغيير الموازين الحالية. كما أن وضع المعارضة، ميدانياً، في جزء كبير منه، هو انعكاس لغياب الرؤية الواضحة والتردد في دعمها حتى الآن بالشكل المطلوب، وهو ما يعرفه النظام وحلفاؤه تمام المعرفة.

وفشلت المعارضة حتى الآن في خلق كيان عسكري جامع في الشمال السوري، يكون هدفه الاستراتيجي إنقاذ حلب، رغم جهدها الحثيث خلال آب/أغسطس، وأيلول/سبتمبر، تحت ضغط المرحلة والشارع المعارض. التغير الوحيد الذي حدث كان انضمام "حركة نور الدين زنكي" و"ألوية صقور الشام" التي فكت ارتباطها مؤخراً بـ"حركة أحرار الشام الإسلامية" إلى غرفة عمليات "جيش الفتح".

ولا تُفوّتُ المعارضة أي فرصة لتقول إنها تُحضّرُ لمعركة كبيرة في حلب، على الرغم من عدم جاهزيتها الكاملة حتى اللحظة، وتجد نفسها في حرج كبير تجاه شارعها، أمام التوحش الروسي الكبير في حلب، وتسلم النظام والمليشيات زمام المبادرة كاملة في كامل الجبهات ريفاً ومدينة، وإحكام الحصار، الأمر الذي دفع المعارضة في الآونة الأخيرة للعمل على حشد طاقاتها البشرية والحربية والتفكير جدياً بالاعتماد على ذاتها، بدل الانتظار طويلاً على باب الداعمين الأصدقاء الذين يتحكمون برصاص المعركة وإشارة البدء فيها غالباً. فالدعم العسكري القادم إليها حتى الآن لا يكفي خوض نصف معركة مثل تلك المتوقعة في حلب في مواجهة هذا الحشد الهائل من القوى المعادية.

المتحدث الرسمي باسم "حركة نور الدين زنكي" النقيب عبدالسلام عبدالرزاق، قال لـ"المدن"، إن لا توجه لدى الأصدقاء لدعم معركة كبيرة في حلب. وحتى الآن كل ما هنالك هو مجرد تصريحات "لم نجد لها صدى على الأرض، ولكن نحن و بغض النظر عن الدعم سوف نخوض معركة كبرى لفك الحصار عن شعبنا الصامد في حلب ومواجهة الهجمة الهمجية للنظام وروسيا وحلفائهما من المليشيات". وأضاف أن المعركة قريبة جداً وهناك تنسيق عالٍ بين كافة الفصائل، إذ تعتبر معركة حلب هي معركة الثورة، "نكون أو لا نكون"، و"لن ننتظر طويلاً فالوضع الميداني يزداد سوءاً يوماً بعد يوم".

وأشار النقيب عبدالسلام إلى أن فصائل المعارضة بدأت بالفعل تعمل على توحيد جهدها العسكري لتكون على قدر المسؤولية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها حلب "فلم يعد هناك خيار أمام المعارضة وهي تحاول الاستفادة من الأخطاء التي وقعت في آخر معركة لها وستنجح بالتأكيد".

على أي حال، لن يكف الحلبيون عن السؤال حول مجريات معركة فك الحصار "ملحمة حلب الكبرى" في مرحلتيها الرابعة والخامسة اللتان كان من المفترض أن تستمرا لتثبيت مكتسبات فك الحصار قبل عودة النظام لفرضه. وبرغم التبريرات التي بدت منطقية والتي تمحورت حول الحشد الهائل للمليشيات والضغط الناري الجوي والبري الذي تعرضت له المعارضة على مدى شهر تقريباً ما حال دون استمرار معركتها، لا بل أدى لخسارتها كامل مواقعها التي سيطرت عليها، إلا أنه ما تزال هناك حلقات مفقودة، يمكننا أن نجملها في جملة واحدة "هناك خطأ ما في التنسيق والعمل المشترك بين الفصائل"، أي بين "جيش الفتح" و"فتح حلب".

من جهته، المتحدث العسكري باسم "حركة أحرار الشام الإسلامية" أبو يوسف المهاجر، بدا متفائلاً في حديثه لـ"المدن"، حول المعركة التي تُحضّرُ لها المعارضة في حلب، لكنه أكد في الوقت ذاته أن ما قُدّمَ من دعم للمعركة حتى الآن لا يكفي، ولم يصل إلى الحد الأدنى المطلوب من الذخائر والدعم اللوجستي.

المهاجر أشار إلى أن المعارضة تبذل قصارى جهدها لحشد كل الفصائل المسلحة في خندق واحد في معركة حلب المقبلة، والتزام جميع الفصائلً بمخططات غرفة العمليات، والتنسيق فيما بينها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفاعلية القتالية في الميدان. المهاجر قال إن المعركة قريبة ولكنها بالتأكيد ليست خلال الساعات القادمة.

من جانب آخر، واصلت المقاتلات الحربية الروسية ومروحيات البراميل تنفيذ غاراتها الجوية بالقنابل العنقودية والارتجاجية والفوسفورية والصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة على حلب المحاصرة وضواحيها القريبة، وشنت الثلاثاء والاربعاء، أكثر من 200 غارة جوية، توزعت على أحياء الصاخور والسكري والأنصاري وباب الحديد وقرلق والهلك وبعيدين والجندول والإنذارات والشعار ومساكن هنانو والحيدرية، والمعادي التي استهدف فيها الطيران الروسي طابوراً للمدنيين ينتظرون دورهم لأخذ الخبز، صباح الأربعاء. وامتد القصف إلى ريفي حلب الغربي والشمالي، واستهدفت الطائرات الروسية كلاً من المنصورة وجمعية الهادي وخان العسل وياقد العدس وعندان وكفر حمرة.

وتسبب القصف الجوي والمدفعي في مقتل ثلاثين مدنياً على الأقل، وجرح العشرات، وبقاء عدد كبير من الضحايا عالقين تحت أنقاض منازلهم أغلبهم أطفال ونساء. وكانت فرق "الدفاع المدني" قد أخرجت عائلات بأكملها من تحت الأنقاض في حي الشعار الذي تهدم فيه بناء من خمسة طوابق نتيجة القصف الروسي.

ويزداد الوضع الإنساني في حلب المحاصرة سوءاً يوماً بعد يوم، في ظل استمرار القصف والحصار، ووثقت "المدن" خلال عشرة أيام تقريباً من الحملة الجوية الروسية على حلب، من 19 وحتى 28 أيلول/سبتمبر، 1900 غارة جوية تقريباً ضربت في معظمها أهدافاً مدنية، واستخدمت فيها قنابل فوسفورية وعنقودية وارتجاجية وبراميل متفجرة، وقتل نتيجتها 400 مدني على الأقل، وجُرحَ 1300 شخص ثلثهم تقريباً قد يموتون بسبب أوضاعهم الطبية الحرجة، نظراً للإمكانات الطبية المتواضعة في حلب المحاصرة، واستحالة اجراء عمليات جراحية معقدة وعدم توافر الكثير من أنواع الأدوية الضرورية لعلاج الجروح ومضاعفاتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها