الأحد 2016/09/25

آخر تحديث: 17:28 (بيروت)

"أحرار الشام" لن تبتاع ربطات العنق

الأحد 2016/09/25
"أحرار الشام" لن تبتاع ربطات العنق
"أحرار الشام" هم الطرف الذي سيحصد أكبر الخسائر من الاتفاق الروسي-الأميركي (انترنت)
increase حجم الخط decrease

حجزت حركة "أحرار الشام الإسلامية" لنفسها مكانة كبيرة بين السوريين، وذلك كان نتيجة لعوامل كثيرة، يأتي في مقدمتها إخلاص داعمي الحركة لها، وإخلاص أعضائها للنهج الذي تشكّلت عليه، إذ لم يُسمع يوماً أن الدعم انقطع عن "أحرار الشام"، أو أنها ستستبدل رايتها وشعاراتها الإسلامية بعلم الاستقلال السوري وشعارات الثورة السورية.

وجاء الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا في العاشر من أيلول/سبتمبر، ليضع الجميع في سوريا على المحك، ومن بينهم حركة "أحرار الشام"، الفصيل الأكثر تماسكاً وقوة وهيمنة في شمال سوريا، وأحد أعمدة تحالف "جيش الفتح"، بالشراكة مع "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي لم يشفع لها انفصالها عن تنظيم القاعدة لدى واشنطن وموسكو من أجل إزالة اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية في سوريا.


في الآونة الأخيرة، راح الحديث يكثر بين الناس عن تغييرات كبرى تتطلع الحركة إلى إجرائها، من بينها الشروع في التخلي عن نهجها وخطابها المتشدد، وانخراطها في التحالفات الإقليمية والمحلية لتصبح ضمن قائمة الجماعات التي يمكن مخاطبتها علناً من قبل الدول، وذلك في مسعى لإنقاذها من هاجس التصنيف على لوائح الإرهاب، لكن ما يتم إغفاله في كل مرة يتم فيها الحديث عن هذا الأمر، أن الحركة رفضت ذلك التحوّل عندما كان متاحاً وسهلاً للغاية. وعندما بدأت الاستعدادات لإجراء تغيير حقيقي تمّت عملية تصفية بحق الجناح القائد لذلك التحول في أيلول/سبتمبر 2014، ولو قيّض النجاح لتلك المساعي لكان المشهد الميداني غير ما هو عليه الآن حتماً.


مما لا شكّ فيه، أن "أحرار الشام" هم الطرف الذي سيحصد أكبر الخسائر من الاتفاق الروسي-الأميركي، فقبولهم بالاتفاق كان سيخلّف استنزافاً وتسرّباً في صفوفهم من الجناح الرافض للاتفاق، وله الغلبة بما لا يقارن مع الجناح المنفتح على مثل تلك الاتفاقات. أما رفضهم للاتفاق فهو اختيار بكامل الرضى للاصطفاف مع "جبهة فتح الشام"، المستبعدة من الاتفاق الأميركي-الروسي، وبالتالي يشكّل هذا اعترافاً من "أحرار الشام" أمام حشد من الدول بصلاح المنفصلين حديثاً عن تنظيم القاعدة.


فوق كلّ ذلك، اتّخذت الحركة لنفسها موقع محور "العالَم السوري" الذي يجب أن يدور حوله الجميع، فاتّفقت مع فصائل المعارضة الأخرى على إصدار بيان حول الاتفاق وقّعت عليه فصائل "الجيش السوري الحر"، وأصدرته الحركة لاحقاً بشكل منفرد، لعدم ارتضائها اقتران اسمها تحت مسمّى "الجيش  السوري الحر" أو علم الاستقلال. وكان البيان مناسبة جديدة أكّدت فيها الحركة أنها لا تتنازل تحت أي ظرف، أو أمام أي دماء يسفكها معسكر النظام يومياً بحجّة قتال "جبهة النصرة"، وأنها أقرب إلى صهر الآخرين في صفوفها، على أن تتخلى عن علاقتها الملتبسة بالتشدد.

ولا بد من الإشارة إلى أن حركة "أحرار الشام" ليست الطرف الوحيد الذي يغذّي للنظام وحلفاءه بأسباب قتل السوريين، فهناك على سبيل المثال "المجلس الإسلامي السوري"، الذي أريد له أن يكون دلّال الإسلاميين السوريين الواقعيين في أسواق السياسة، لكنّه لم يجد بضاعة يعرضها إلا خطابات استحضرها من عصور مندثرة، يروّج للرجوع إليها مستغلاً أحدث وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات من تركيا، الدولة التي لا تتلاقى وأفكار هذا التيار. وفي كثير من المرات، كان المجلس متأخراً عن أحداث كبرى، آخرها عملية "درع الفرات" على الحدود التركية-السورية، إذ أصدر فتوى تشرّع القتال إلى جانب القوات التركية في هذه العملية، وفتوى المجلس صدرت بعد يومين من فتوى مماثلة أصدرها المجلس الشرعي لـ"أحرار الشام"، ما أدى إلى انشقاق كتيبة "أشداء" عن الحركة، والقياديين المصريين في "الأحرار" أبو شعيب، وأبو اليقظان.

بيد أن المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق "أحرار الشام"، تكمنُ في أنها البيت الأغنى في "قرية" التيار الإسلامي السوري الذي يتلقى دعماً إقليمياً ودولياً، وهذا البيت يمتلك السلاح ومناطق الاستقرار والنفوذ، التي يحلّل فيها شرعي "جيش الفتح" الداعية عبدالله المحيسني ما يشتهي، ويحرّم مجلس الشورى في الحركة ما يمقت، وتلك العناصر تمثّل شكلاً من أشكال الحكم والسيطرة التي تمتلكها دولٌ، أو جماعات تهيمن على دول، وهذا النوع من الجماعات آخر ما قد تفكّر به أن تبتاع ربطات العنق، أو أن تتنازل وتستمع إلى نصائح الآخرين لحفظ كيانها، متناسية أن الاستمرار في الصعود إلى أعلى يزيد من خطر السقوط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها