الإثنين 2016/08/29

آخر تحديث: 10:56 (بيروت)

الوعر الحمصي على خطى داريا

الإثنين 2016/08/29
الوعر الحمصي على خطى داريا
شنّت طائرات النظام الحربية، خلال اليومين الماضيين، 41 غارة جوية (تويتر)
increase حجم الخط decrease
أصدرت "لجنة المفاوضات" و"إدارة حي الوعر" المحاصر غربي مدينة حمص، الأحد، بياناً، دعت فيه المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، و"لجنة حقوق الإنسان" في "الأمم المتحدة"، للضغط على "نظام الأسد ووقف عملياته العسكرية التي تهدف لتغيير التركيبة السكانية (الديموغرافية) لمدينة حمص عبر عمليات التهجير القسري".

وأوضح البيان أن التصعيد العسكري الكبير لقوات النظام "يصاحبه رسائل تهديد تطالب بخروج المقاتلين وذويهم من حي الوعر". ما يدفع إلى إخراج جميع أهالي الحي هرباً من عمليات انتقامية من قبل مليشيات النظام، على غرار ما حصل في أحياء حمص الأخرى ما بين عامي 2013 و2014 وقرية قزحل في ريف حمص الشمالي في تموز/يونيو بعد إعدام عدد من سكان القرية من الذين فضلوا البقاء على النزوح القسري، على يد عناصر مليشيات "الدفاع الوطني" و"لواء الرضا الشيعي".

وشنّت طائرات النظام الحربية، خلال اليومين الماضيين، 41 غارة جوية، 27 منها نفذت الأحد، ما أدى إلى سقوط 7 قتلى وأكثر من 32 جريح. وهذه هي الغارات الجوية الأولى على حي الوعر منذ نهاية العام 2014.

وتزامن قصف الطيران الحربي لحي الوعر، مع استكمال خروج المحاصرين من داريا في غوطة دمشق الغربية، ما لا يدع مجالاً للصدفة. فالنظام أراد توضيح غايته في أن مصير الوعر سيكون كمدينة داريا وغيرها من المناطق المحاصرة. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد أشار إلى أن ما حدث في داريا، سيتكرر في أماكن أخرى.

عودة الطيران الحربي بعد قرابة العامين إلى أجواء الوعر، يعد مؤشراً قوياً على تبدل سياسة النظام تجاه الحي؛ من المفاوضات وتطبيق "هدنة" إلى خيار "الحسم العسكري" الذي كان يلوّح به منذ شهور، وذلك بعدما كانت "الهدنة" في الوعر، التي كثر الحديث عنها قبل شهور بالتزامن مع جولة مفاوضات "جنيف-3"، قد اعتبرت من قبل البعض "نموذجاً ناجحاً" قد يُطبق في عموم سوريا، وهو ما ثبت فشله الآن.

واستخدمت قوات النظام في قصفها لحي الوعر، السبت، قذائف تحوي مادة النابالم الحارق والمحرم دولياً، ما أدى إلى مقتل طفلين وإصابة 15 مدنياً بينهم أطفال بحروق متعددة، ولم يجد الأطباء والمسعفون سوى الطين لعلاجهم وسط عجز طبي يشهده الحي منذ شهور. وقد دأب أطباء الحي على مناشدة "الأمم المتحدة" والمنظمات الدولية إدخال مواد طبية إلى الحي المحاصر، لكن من دون جدوى.

عضو "لجنة المفاوضات" في الوعر أبو وليد، قال لـ"المدن" الأحد، إن النظام يسعى فعلياً إلى تكرار سيناريو حمص القديمة وإفراغ الحي من سكانه. وأشار أبو وليد إلى الاجتماع الذي عُقدَ بين "لجنة المفاوضات" وممثلين عن النظام، في 24 آب/أغسطس، والذي قال فيه ممثلو النظام بكل وضوح: "يجب أن يخرج المسلحون وكل من يرتبط بهم وأن ننسى ملف المعتقلين لأنه لم يعد قابلاً للنقاش".

وأضاف أبو الوليد: "قدمنا مقترحاً للنظام بتسليم جزء أخر بسيط من الأسلحة، وخروج 200 مقاتل من الوعر على غرار ما حدث في بداية الاتفاق مقابل تهدئة القصف. إلا أن النظام رفض وأصر على خروج جميع الثوار". وتابع أبو الوليد بالقول: "لقد تأكدنا أن النظام يسعى لإفراغ الحي منذ أن اعتقل 4 أعضاء من لجنة المفاوضات في 30 أيار/مايو، في حين يُعتبر أن انسحاب قوات النظام المتواجدة في مشفى البر داخل حي الوعر إلى نقاط في أطراف الحي، هو تمهيد لعمل عسكري كبير".

ووصل اتفاق "الهدنة" الذي أعلن في نهاية العام 2015 إلى طريق مسدود، في منتصف آذار/مارس 2016، بعدما تهرّبَ النظام من تبيان مصير آلاف المعتقلين من الحي وإطلاق سراحهم. وهو أحد البنود المتفق عليها بين الطرفين، في المرحلة الثالثة، مقابل خروج من يشاء من مسلحي الوعر، إضافة إلى تسليم المعارضة للسلاح الثقيل.

وبدأت قوات النظام، بتطبيق حصار خانق، على أكثر من 80 ألف نسمة داخل الحي الوعر، منذ آذار/مارس حتى اللحظة. وذلك عقب أكثر من عامين من الحصار المتقطع على الحي، سمح خلالهما بدخول بعض المواد الغذائية وخروج الموظفين على فترات متقطعة. كما أقدم النظام على تنفيذ عدد من العمليات العسكرية التصعيدية خلال الشهور الخمسة الماضية، للضغط على المدنيين و"لجنة المفاوضات" للتنازل عن بند إطلاق المعتقلين.

وينتهج النظام في كثير من المدن والبلدات سياسة الحصار والتجويع واستخدام القصف اليومي لاخضاع المعارضة والمدنيين، وسط غياب لـ"الأمم المتحدة"، التي اقتصر دورها على إدخال مساعدات محددة يوافق عليها النظام، وبشكل متقطع. ويعود دور "الأمم المتحدة" للظهور في مراحل لاحقة، في رعاية اتفاقات إخلاء الناس من مناطق الحصار، في عمليات التغيير الديموغرافي التي يقوم بها النظام.

النظام، مدفوعاً بانجاز "التطهير العرقي" في داريا، يبدو أكثر حماسة لتطبيق النموذج في المناطق الخارجة عن سلطته. والتصعيد الحالي في حي الوعر الحمصي، هو مقدمة لتنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي، وطرد العرب السنة من مناطق سيطرة النظام المعروفة بـ"سوريا المفيدة". وإذا ما تحقق للنظام ذلك، فالمخطط سيستكمل فصوله في "ريف حمص الشمالي" وغيره من المناطق الثائرة على النظام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها