الأحد 2016/07/31

آخر تحديث: 16:31 (بيروت)

"النصرة" وصراع التيارات داخلها

الأحد 2016/07/31
"النصرة" وصراع التيارات داخلها
اتهامات شعبية لـ"النصرة" بالتجبّر والاستعلاء (انترنت)
increase حجم الخط decrease
جاء قرار فك الارتباط بين "النصرة" و"القاعدة" بعد تقلبات فكرية عاشتها قيادة "النصرة"؛ من سيادة تيار براغماتي "معتدل" منذ بداية تشكيلها مطلع العام 2012 وحتى منتصف العام 2014، ثم سيطرة تيار متشدد يمثل المحافظين. تلك التقلبات عكست صراعاً داخلياً وخارجياً بين تيارين؛ "مجدد معتدل" يرى ضرورة العمل بشكل براغماتي والانخراط في صفوف الثورة السورية، ومتشدد محافظ يريد نهج التنظيم الأم "القاعدة".

الأمر حُسِم أخيراً بفك الارتباط بين "النصرة" و"القاعدة"، في سابقة جديدة لم تُسجل من قبل بين فرع للتنظيم وقيادته المركزية، في انتصار للتيار "المعتدل" ضمن "النصرة"، وأبرز رموزه الشرعي السابق أبو ماريا القحطاني.

براغماتية "النصرة" التي صبغت مرحلتها الأولى، ساعدتها على الاندماج واستمالة بعض أطياف المعارضة السورية، كما أن دور "النصرة" في قتال "الدولة الإسلامية" مطلع العام 2014 أعطاها صفة الجماعة التي تحارب التطرف، على الرغم من بعض الأصوات التي أشارت إلى أن حربها مع "الدولة" شرقي سوريا ما كانت سوى خلاف على مصادر الثروة.

صورة "النصرة" كقوة موحدة في الداخل السوري، بدأت بالتلاشي مطلع العام 2014، بعدما بدأت تعاني من صراع داخلي لتحديد هويتها الفكرية الخاصة. وأسباب كثيرة كانت خلف هذا الصراع، ومنها المكاسب التي تحققها "الدولة الإسلامية" وإعلانها "الخلافة"، والهزيمة التي منيت بها "النصرة" على يد "الدولة" في ديرالزور والرقة والحسكة، الغنية بالنفط.

حينها تمّ تغيير القيادة الداخلية لـ"النصرة" كنتيجة مباشرة للصراع الداخلي، فتم عزل الشرعي العام ميّسر بن علي الجبوري "أبي ماريا القحطاني"، ليحل محله رجل الدين الأردني سامي العريدي، المعروف بتشدده، ولتبرز بعدها سمات "القاعدة" أشد وضوحاً على "النصرة".

وصول العريدي إلى مكانته المرموقة داخل "النصرة"، تزامن مع صعود نجم شخصيات سورية أخرى، مثل أبو فراس السوري الناطق الرسمي باسم "جبهة النصرة"، والذي قتل لاحقاً في غارة جوية لطيران "التحالف الدولي"، والقائد العسكري لـ"النصرة" أبو همام السوري. والسوريان يحتفظان، مثل العريدي، بروابط قوية مع قيادة "القاعدة". ومع ارتقاء هؤلاء انتهت مرحلة "الإعتدال" والبراغماتية التي امتدت منذ التشكيل حتى أواخر العام 2014.

تولي التيار المحافظ المتشدد دفة القيادة، أخرج "النصرة" من موقفها البراغماتي لتصبح أكثر ميلاً للتحدي الجهادي. هذا التحول بدا أكثر وضوحاً في إدلب، حيث استقر عدد كبير من قيادات "النصرة" وعقولها. وخلال شهري أيلول وتشرين أول 2014، قام "التحالف الدولي" بشنّ غارات جوية متقطعة، استهدفت جماعة "خرسان" ما تسبب بمقتل عدد من قيادات "النصرة". لترد الجبهة بتجهيز حملة عسكرية تمكنت من القضاء على "جبهة ثوار سوريا" بقيادة جمال معروف، وهي جهة مدعومة أميركياً. "النصرة" وجهت وقتها لـ"ثوار سوريا" تهماً بالفساد. واستمرت سياسة "النصرة" في "مكافحة الفساد"، بقيادة حملات استهدفت فصائل الجيش الحر في إدلب وحلب وحمص وحماة، كان آخرها الهجوم على مقرات "الفرقة 13" في معرة النعمان في ريف إدلب، ومصادرة سلاحها واعتقال وقتل عدد من منتسبيها.

الهجوم على "الفرقة 13" فجّر رفضاً شعبياً في معرة النعمان لـ"النصرة" مطالباً إياها بإعادة سلاح الفرقة وإطلاق سراح المعتقلين.

"النصرة" وبعدما أزاحت الكثير من خصومها، خاصة في إدلب، نفّذت إجراءات شرعية قاسية من جانب واحد، كرجم النساء والرجال حتى الموت، وتقييد لباس المرأة، وتقييد الحريات العامة. واستمر هذا الوجه المحافظ لـ"النصرة" حتى مطلع العام 2016، وسط خلافات لا مع "أحرار الشام" فقط، بل بين شرعيي التيارين المحافظ و"المعتدل" داخل "النصرة".

القلق داخل صفوف المعارضة السورية حول حقيقة نوايا "النصرة" على المدى الطويل في الداخل السوري، تصاعدت مع الوقت بعدما تجاوزت تصرفاتها حدود التسامح مع استعدائها لمعظم فصائل المعارضة، وتكبيلها المجتمعات المحلية بقوانين متشددة تعكس فهماً ضيّقا للشريعة.

تلك المخاوف وتنامي الحراك السلمي المناهض لـ"النصرة" وفكرها "القاعدي" في معرة النعمان وكفر نبل في ريف إدلب، والاتارب في ريف حلب، قد تكون أحد الدوافع لمراجعة "النصرة" سياساتها المحلية، وسط اتهامات شعبية لها بالتجبّر والاستعلاء. إلا أن الدافع الأكثر بروزاً كان اقتراب أميركا وروسيا من التوافق للقضاء على "النصرة".

وتشير معلومات "المدن" إلى أن زعيم "القاعدة" الظواهري أرسل مطلع العام 2016 رسالة إلى قيادة "النصرة" لرسم خطوط عريضة لاستراتيجية جديدة وشاملة في سوريا، من بينها حرية اتخاذ القرار بفك الارتباط بـ"القاعدة"، تجنباً لضربات "التحالف الدولي"، وللاندماج أكثر لحماية "الجهاد الشامي"، وإيجاد قواعد مستدامة للتنظيم وإن كانت تحت مسمى آخر.

إلا أن قرار فك الارتباط وبحسب مصادر مقربة من "النصرة" تم اتخاذه قبل شهور داخل الدائرة الضيقة لـ"النصرة"، بعد مشاورات مع القيادة العامة لـ"القاعدة"، وتم تأخير إعلانه ريثما يتم اقناع جميع القيادات في "النصرة" التي تمثل التيارات المختلفة. وذلك لضمان عدم حدوث تصدع وانشقاقات في صفوف "النصرة" على قاعدة الأنصار والمهاجرين. وتوقع كثير من المراقبين حدوث انشقاقات وسط "المهاجرين" وتوجههم، فور اعلان فك الارتباط، إلى "الدولة الإسلامية".

إلا أن فك الارتباط أكسب "النصرة" دعم شخصيات "معتدلة" فيها، كانت تُشكّلُ تياراً معارضاً لنهجها المحافظ الذي يريد استنساخ فكر وتجربة "القاعدة". ويُذكر هنا أبو ماريا القحطاني وعلي العرجاني وأبو الحسن الكويتي، كما انتشرت أنباء عن دعم فك الارتباط من قبل أهم قادة "النصرة" كأبو فرج المصري والاسترالي أبو سليمان المهاجر.

فك الارتباط، لم يتسبب حتى اللحظة في حدوث انشقاقات وانقسامات في صفوف "النصرة" ما يؤكد أن الإعلان قد سبقه تحضيرات كبيرة، وتحركات على كافة الأصعدة داخل "النصرة" و"القاعدة" لكسب ثقة جميع التيارات.

وفي حين يُشكك كثير من المراقبين، بأهمية الخطوة، وينظرون إليها كاستمرار لـ"النصرة" تحت اسم "فتح الشام"، يرى آخرون أن فك الارتباط يجب أن يُستكمل بخطوات نحو الإعتدال والتكامل مع أطياف المعارضة السورية كي تبرهن "فتح الشام" أنها نسخة مختلفة عن "النصرة". فاستمرار التيار المتشدد في قيادة "فتح الشام" سيؤدي حتماً إلى تفاقم الأزمة مع المجتمعات المحلية، وسط استعداء مسبق من قبل "المجتمع الدولي" للتشكيل الجديد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها