الأحد 2016/07/24

آخر تحديث: 09:04 (بيروت)

ديرالزور: عامان في ظل "داعش"

الأحد 2016/07/24
ديرالزور: عامان في ظل "داعش"
بعد سيطرة التنظيم على المناطق المحررة في ديرالزور، قام بطمس معالمها (انترنت)
increase حجم الخط decrease
مرّ عامان كاملان على سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على محافظة ديرالزور شرقي سوريا. سنتان كانتا كافيتين ليفرض التنظيم نمط حياته وقوانينه الخاصة، وتغليف المحافظة بالسواد، وتفريغها من ناشطيها وجميع ثوارها. سنتان من القتل والتهجير في مناطق سيطرة التنظيم، وجوع وعطش في القسم المتبقي من المدينة الخاضع لسيطرة قوات النظام، والمحاصر من قبل التنظيم منذ مطلع العام 2015.

ديرالزور التي كانت تسير بخطوات ثابتة نحو طرد قوات النظام من الأجزاء المتبقية تحت سيطرتها، إلى أن بدأ الاحتقان يتصاعد بين عناصر "داعش" من جهة، وأحرار الشام و"جبهة النصرة" والجيش الحر من جهة أخرى. وكان وجود التنظيم قبل العام 2014، قد اقتصر في ديرالزور على منجم الملح وقرية جديد عكيدات في الريف الشرقي، وبعض النقاط داخل المدينة، من دون أي دور يذكر في جبهات القتال. ولم يكن التنظيم قادراً على التدخل في شؤون الحياة اليومية للأهالي. الفعل الوحيد الذي سُجّل لـ"داعش" في تلك المرحلة، كان هجوماً لعناصره بمساندة "جبهة النصرة" وفصائل أخرى على "تجمع أحفاد الرسول" نهاية العام 2013، بحجة فساده، واعتقال عدد من عناصره ومصادرة كميات من سلاحه.

اندلعت الاشتباكات بين "الدولة الإسلامية" والفصائل الأخرى في ديرالزور، كباقي المحافظات السورية الأخرى،على خلفية قتل التنظيم للطبيب وعضو "حركة أحرار الشام" حسين السليمان "أبو الريان"، مطلع العام 2014. فاندلعت ثورة في المناطق التي يتواجد فيها التنظيم في أرياف اللاذقية وإدلب وحلب والرقة وديرالزور. وتركزت الاشتباكات في ديرالزور في منجم الملح غربي المدينة ومعمل غاز كونيكو ومنطقة المعامل وصوامع الحبوب شمالاً. وتمكنت فصائل الجيش الحر و"جبهة النصرة" و"أحرار الشام"، من طرد التنظيم بشكل كامل من ديرالزور، وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة غرباً ومدينة الشدادي شمالاً.

لكن "الدولة الإسلامية" ما لبثت أن استجمعت قواها، وشنّت هجوماً كبيراً على ديرالزور من أربعة محاور؛ الرقة غرباً والشدادي شمالاً والشولا جنوباً والبوكمال شرقاً، لتتمكن في 20 تموز/يوليو 2014، بعد سبعة شهور من القتال، من السيطرة على ديرالزور، وطرد الفصائل العسكرية منها. التنظيم خسر في عملية الاستيلاء على ديرالزور المئات من خيرة مقاتليه وعدداً كبيراً من الآليات.

بعد سيطرة التنظيم على المناطق المحررة في ديرالزور، قام بطمس معالمها، محطماً تكايا المدينة الدينية وهادماً المزارات، وعلّق عمل المجالس المحلية مشترطاً العمل تحت إشرافه، كما منع العمل الإغاثي والإعلامي خارج سلطته، مهدداً المخالفين بالقتل والسجن.

ممارسات التنظيم الوحشية وسياسة القتل الممنهج، دفعت إلى اشتعال ثورات محلية ضده، فبعد سيطرته على ديرالزور بتسعة أيام، ثار أبناء عشيرة الشعيطات بعد اعتقال التنظيم عدداً من أفراد العشيرة مخالفاً الاتفاقية التي عقدت بينه وبين وجهائها. وتمكن أبناء الشعيطات من طرد التنظيم من قراهم، لكنه سارع إلى قمع ثورتهم بكل وحشية، وتفجير أكثر من 12 سيارة مفخخة بين المدنيين. وبعد 17 يوماً من القتال، تمكن عناصر التنظيم من دخول قرى الشعيطات، وقتلوا أكثر من 1000 مدني من الرجال والنساء ذبحاً بالسكاكين، واعتقلوا المئات منهم ممن وجدت جثثهم لاحقاً في مقابر جماعية. التنظيم طرد المتبقين من الشعيطات من قراهم لأكثر من سنة.

عمليات القتل والإرهاب الممنهج، دفعت نشطاء ديرالزور الإعلاميين، لإنشاء شبكات إعلامية لفضح ممارسات التنظيم وقوات النظام في ديرالزور، ومنها "حملة ديرالزور 24" و"حملة ديرالزور تذبح بصمت" و"مرصد العدالة من أجل الحياة" وغيرها، لكن التنظيم سرعان ما بدأ البحث عن هؤلاء النشطاء في الداخل والخارج، ورصد المكافآت لمن يقتل أو يشي بأحد منهم. وخسرت ديرالزور، أكثر من 15 إعلامياً منذ سيطرة التنظيم عليها، وكان آخرهم 5 من إعلاميي المدينة، قتلوا بطريقة بشعة، وبث عملية قتلهم في شريط مصور حمل اسم "وحي الشيطان".

بعد عامين من احتلال "الدولة الإسلامية" لديرالزور، مازال المدنيون في مناطق سيطرته تحت رحمة قرارات جائرة يفرضها التنظيم، كمنع المغادرة إلا بموجب إذن سفر من "ديوان الحسبة". كما غابت الكهرباء ومياه الشرب عن الأهالي رغم تربع المدينة على الفرات. كما منع التنظيم فتح صالات الانترنت، وأمر بإزالة أجهزة الإستقبال الفضائي "الستلايت"، ما جعل المدينة أشبه بسجن كبير معزول عن العالم الخارجي.

أما في مناطق الجورة والقصور وهرابش، الخاضعة لسيطرة قوات النظام، فقد قام التنظيم بفرض حصار خانق عليها منذ العام 2015، ومنع دخول الطعام والدواء إليها، ما تسبب في موت العشرات بسبب الجوع ونقص الدواء، أو بقذائف الهاون والمدفعية، وقناصة التنظيم الذين يحاصرون ذالك الجزء من المدينة.

وجود "الدولة الإسلامية" في ديرالزور وما تبعه من انعدام مقومات الحياة، لمدة عامين، كان كافياً لتهجير الآلاف من أبنائها، باتجاه مناطق سيطرة الجيش الحر وقوات النظام ودول الجوار، وبحثاً عن الخلاص من نمط الحياة التي فرضها التنظيم والتي لم يعتاد عليها الأهالي.

عامان من احتلال "الدولة الإسلامية"، شهدت فيها ديرالزور تراجعاً كبيراً في المجال الصحي وعدم توافر الأدوية، وانتشار الكثير من الأوبئة والأمراض، ومنع التعليم المدرسي بكافة مراحله، الأمر الذي ينذر بكارثة تحمل دماراً لجيل كامل يرزح تحت الجهل، وينمو في ربوع تطرف ديني، لم يوفر التنظيم جهداً لزرع أفكاره فيه.

بعد عامين، لا يزال من تبقى من أبناء ديرالزور ينتظرون عودة أبناءهم الذين غادروا بعد سيطرة التنظيم، لتحريرها. وتتوجد فصائل عسكرية "ديرية" في الشمال السوري كـ"أحرار الشرقية" و"جبهة النصرة قاطع الشرقية" و"أحرار الشام" و"جيش أسود الشرقية". كما أن "جيش سوريا الجديد" هو أول فصيل عسكري من الجيش الحر، من ديرالزور، يشتبك مع التنظيم في ريف الدير، في معركة أطلق عليها "يوم الأرض".

عامان ولاتزال ديرالزور مباحة جواً من طيران "التحالف الدولي" الذي يستهدف بنيتها التحتية ومنشآتها النفطية من جهة، وطيران النظام والطيران الروسي اللذين يستهدفان المدنيين. عامان ولازالت ديرالزور مستباحة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها