الإثنين 2016/07/18

آخر تحديث: 10:58 (بيروت)

هل دعمت واشنطن انقلاب تركيا؟

الإثنين 2016/07/18
هل دعمت واشنطن انقلاب تركيا؟
الطائرة التي زودت مقاتلات الانقلابيين بالوقود لإبقائهم في الجو أقلعت من قاعدة أنجرليك (ا ف ب)
increase حجم الخط decrease
لأن قائد انقلاب تركيا من القوة الجوية في الجيش، ولأن الوحدات التي خاضت المواجهات كانت مقاتلات أو مروحيات متمردة، فضلاً عن بعض كتائب الدبابات، ولأن الطائرة التي زودت مقاتلات الانقلابيين بالوقود لإبقائهم في الجو كانت أقلعت من قاعدة أنجرليك التي تستضيف مقاتلات تابعة للجيش الاميركي، غلب انطباع لدى كثيرين من الاتراك والعرب أن الولايات المتحدة متورطة في الانقلاب العسكري ضد الحكومة التركية.


والمرارة بدت في إعلان تركيا إغلاقها لقاعدة أنجرليك امام حركة الملاحة الجوية العسكرية الاميركية، كما في تصريحات بعض المسؤولين الاتراك، وهي تصريحات دفعت وزير خارجية اميركا جون كيري الى حد التهديد بأن اتهام انقرة لواشنطن بالضلوع في الانقلاب من شأنه ان يوتر العلاقة بين البلدين الحليفين.


ولرسم تصور حول امكان تورط الولايات المتحدة مع الانقلابيين، لا بد من الاشارة الى أنه صار معلوماً الآن ان الانقلاب لم يكن مفاجئاً الى الحد الذي يتصوره البعض، فالحكومة التركية كانت تراقب بعض الضباط المتورطين، وكذلك بعض الحكومات الغربية.


على ان توقيت الانقلاب جاء أبكر مما كان متوقعاً، والارجح ان الانقلابيين خشوا أن أمرهم قارب أن ينكشف، فتحركوا حتى قبل ان ينتهوا من حشد التأييد في صفوف الجيش، وهو ما يفسر قلة عددهم، إذ تشير الارقام الى أن عدد الضباط المتورطين بلغ ٧٠، حتى الآن، من بين ٣٥٨ جنرالاً وادميرالاً، ما يعني أن عدد الانقلابيين يساوي ٢٠ في المئة من مجموع الضباط، وهي نسبة متدنية للقيام بانقلاب.


وانقرة ليست غريبة عن الانقلابات ومحاولات الانقلاب، وكذلك أميركا، التي حذّرت الحكومة التركية في آذار/مارس الماضي من امكان حصول انقلاب، وقام بعض المسؤولين الاميركيين بتسريب التحذيرات الى تركيا من خلال وسائل اعلام اميركية. ويعتقد البعض أن فرنسا أيضاً كانت تتوقع انقلاباً، وهو ما دفعها الى سحب بعثاتها الديبلوماسية قبل أيام من وقوعه.


لكن الارجح ان واشنطن لم تكن على علم بتفاصيل العملية الاتقلابية ولا توقيتها، ولا هي كانت على اتصال مع الانقلابيين، ولا مع الحكومة التركية في الساعات الاولى من إعلان الانقلاب، فالقيادة العسكرية الاميركية رفعت تأهب قواتها البالغ عددها ٢٢٠٠، منهم ١٥٠٠ في انجرليك، الى "وضع دلتا"، وهو تأهب دفاعي يفرض على الجنود التزام قاعدتهم وعدم السماح للمدنيين بالزيارة، ما يشي بأن أميركا كانت — مثل الحكومة التركية — في وضع استيعاب الصدمة.


وتكمن المصادفة في ان أرفع عسكري تركي في القاعدة، الجنرال بكر ارجان فان، شارك في الانقلاب مع ١١ عسكرياً آخرين.


وبسبب اعتماد الانقلابيين على القوة الجوية، عمدت الحكومة التركية الى فرض حظر جوي بهدف اسقاط كل ما يتحرك في السماء (وهو تكتيك اعتمدته واشنطن اثناء هجمات ١١ سبتمبر). كما قطعت الحكومة التركية التيار الكهربائي عن انجرليك، فاضطر الاميركيون الى الاعتماد على قدراتهم الذاتية ومولداتهم.


لكن مصادفة مشاركة قائد انجرليك التركي هي أقرب ما بلغه الاميركيون من الانقلابيين، بفعل الزمالة العسكرية في القاعدة الجوية نفسها.


ربما تمنت ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما نجاح الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بسبب العلاقة المتدهورة بين الرئيسين، وهو تدهور بلغ ذروته يوم اصدر البيت الابيض بيانا امتنع فيه عن التضامن مع تركيا بعد اسقاطها مقاتلة روسية دخلت اجواءها العام الماضي. واكتفى البيان بالتعبير عن تأييد "حق تركيا بالدفاع عن نفسها".


لكن أمنيات أوباما شيء، وسياسات الولايات المتحدة شيء آخر، فلواشنطن تجربة مريرة مع تدخلاتها في تغيير الحكم والحكومات في دول العالم، منذ دعمها الانقلاب ضد رئيس حكومة ايران المنتخب محمد مصدق في ١٩٥٣، إلى خلعها للرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ٢٠٠٣. 


والتحريض الاميركي ضد إمكان تحول اردوغان الى "ديكتاتور اسلامي" متواصل، على الرغم من ان اردوغان خسر استفتاء شعبياً لتوسيع صلاحيات الرئيس، فيما تعذر تشكيل حكومة تركية من دون دورتي انتخاب، وهي مؤشرات لا تشي بديكتاتورية كالتي تتحدث عنها غالبية المعنيين الاميركيين.


لكن على الرغم من الود المفقود بين واشنطن وانقرة، من شبه المستحيل ان تشارك أميركا في انقلاب ضد حكومة تصنفها في مصاف الحليفة مثل في تركيا، ولأن الاتراك يعلمون ذلك، فهم اعادوا السماح للاميركيين باستخدام انجرليك، على الرغم من ان الكهرباء ماتزال منقطعة في القاعدة المذكورة، كما في العلاقات بين قيادتي الدولتين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها