الإثنين 2016/07/11

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

السعودية و"مجاهدو خلق": أكثر من رسالة

الإثنين 2016/07/11
السعودية و"مجاهدو خلق": أكثر من رسالة
ربما تكون الخطوة السعودية موجهة إلى الخارج الإيراني أكثر من الداخل (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
هي المرّة الأولى، التي تشارك فيها المملكة العربية السعودية في مؤتمر للمعارضة الإيرانية، على الأقل علنياً. وفي الدعم السعودي لمؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس، دلالة على أن أبواب الصراع السعودي-الإيراني مازالت تتوسع، في ظل نظرة سعودية تفيد بضرورة الرقص مع طهران على ذات النغم.

وإن لم تكن الخطوة تتمتّع بفعالية أو مدى عملاني على الأرض، إلا أنها تهدف لإيصال رسالة مباشرة إلى النظام الإيراني، بأن السعودية قادرة على تحريك أوراق لم تستخدمها من قبل، لا لإسقاط النظام بالضرورة، بل بهدف الضغط على إيران لدفعها نحو مفاوضات بغير شروطها، والتلويح لها بأنه لا بد من مراجعة بعض الحسابات في المنطقة.

لكن السؤال الأساس يبقى، عن مدى تأثير هذا التحرك وهذا الدعم، في الداخل الإيراني، لا سيما أن منظمة "مجاهدي خلق" (الأكثر حضوراً في المؤتمر) ليست مقبولة في إيران، ولا يمكن وصفها بالمعارضة، لأنها كانت التوأم السياسي للإمام الخميني في سياق الثورة الإيرانية في العام 1979. وذلك قبل أن يشنّ الخميني حرباً مفتوحة ضدها، ويُجبرها على الخروج من إيران، في إطار استفراده بنتائج الثورة على نظام الشاه، وسعيه لحصر الثورة بوصاية الولي الفقيه وحاكميته. الأمر الذي دفع "مجاهدي خلق" للارتباط بنظام صدام حسين، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وتشكيل معسكراتها هناك.

ربما تكون الخطوة السعودية موجهة إلى الخارج الإيراني أكثر من الداخل، وتستند على علاقات الإيرانيين المعارضين لنظام ولاية الفقيه مع الشركات واللوبيات الدولية، بغية إحداث تغيير في إيران. كما أن الحضور السعودي اللافت يُمثّل إعلاناً صريحاً، بانتهاج سياسة دعم لمنظمات المعارضة الإيرانية الرسمية، لا الحركات الجهادية-السلفية.

ولا شك أن العناوين التي أخرجت من هذا المؤتمر، كبيرة جداً، حول المقاومة الإيرانية لنظام ولاية الفقيه، والعمل على إسقاطه، لا سيما إذا ما قورن بالحجم التمثيلي أو مدى القبول الشعبي الإيراني بمنظمة "مجاهدي خلق". فجمهور النظام السابق، أي نظام الشاه، يتمتّع بتمثيل أوسع من "مجاهدي خلق"، ومع ذلك لم يتم تمثيله بشكل واسع في المؤتمر. ما يجعل التساؤل عن المعنى الحقيقي للرسالة السعودية، بدعم منظمة لا ثقل داخلياً لها في إيران، وتحييد السلفية-الجهادية من جهة، والمجتمع المدني المناهض لنظام الحكم الإسلامي من جهة أخرى. دعم يرسم خطاً ملتبساً بين أقطاب المعارضة الإيرانية، ويوحي بتوجيه رسالة للنظام الإيراني، أكثر من محاولة التصعيد على الأرض.

لا شك أن النزعة القومية الإيرانية أعلى بكثير من أي نزعة تغييرية أخرى. بمعنى أن نشاط "مجاهدي خلق"، لا يلقى قبولاً داخل إيران، وهي لديها بعض التمثيل في الخارج. أما في الداخل وبمجرّد ربط أي تحرّك للمعارضة الإيرانية، بأي جهة دولية أو عربية، فهذا من شأنه انتاج نفور داخلي تجاه هذه الحركة الاعتراضية ونشاطها، لأن النزعة القومية ستتغلب على أي نزعة إعتراضية، والاتهام بالعمالة والتبعية سيكون جاهزاً فوراً.

صحيح، أن التحليل الإجتماعي للشرائح المكونة للمجتمع الإيراني، سيرتكز على نقاط عديدة لاعتبار أن لدى هذا المجتمع نقاط ضعف كثيرة، يمكن استثماره لإظهار مدى هشاشته، وإمكانية التلاعب به، على طريقة الزعزعة المذهبية التي تعيشها دول الشرق الأوسط. ولدى خصوم إيران منافذ عديدة لتحريك داخلها وإلهائها بشكل نسبي عن معاركها الخارجية. وإلى جانب "مجاهدي خلق"، هناك عرب الأحواز، وهم عرب إيران الذين يطالبون بالإستقلال، ويصرّون على الحصول على دعم من الدول العربية، كما أن هناك الأكراد، والبلوش، الاتراك، الكازاخيين. من خلال تغذية الاعتراض لدى هؤلاء، بإمكان أي جهة محاربة إيران بسلاحها. أي نسج تحالفات مع قوى وفرق وشرائح مجتمعية مهمشة في الداخل الإيراني وترغب في اسقاط نظام ولاية الفقيه.

لكن، من الناحية الزمنية، قد يكون هذا الدعم متأخراً. إذ أنه وبعد الإتفاقات الدولية التي حققتها إيران، واستعدادها للإنفتاح على المجتمع الدولي، بالإضافة إلى جودة لعب النظام على الوتر القومي، واستعادة امجاد الماضي عبر بسط النفوذ "الفارسي" على أكثر من دولة في المشرق العربي، فلن يكون تحقيق اختراق داخلي بالأمر السهل.

التركيز الأساسي على الداخل الإيراني، أو الرهان على التغيير، يجب أن ينطلق من سياق منطقي مبسّط، تبدأ شرارته من الداخل، لا على طريقة ثورة أو إنقلاب أو عمل مسلّح، لأن ذلك قد يعزز اللُّحمة حول "ولاية الفقيه". وبالتالي فإن أي رهان تغييري، سينجح لدى تركيزه على حراك داخلي، قائم على أساس إجتماعي إقتصادي معيشي، يتماشى مع التغييرات السياسية التي سعت إلى تحقيقها طهران بفعل الإتفاق النووي، والعلاقة المستجدة مع الغرب. كما أن فتح الأسواق الإيرانية أمام الشركات الدولية، سيكون له تأثير في هذا المضمار، وهنا الرهان يكون على إنتظار شيء ما يشبه استنساخ تجربة البريسترويكا الروسية والتي مهّدت لانهيار الإتحاد السوفييتي. فانتصار الإصلاحيين والمعتدلين الأخير في الانتخابات البرلمانية الإيرانية، يُعطي الفرصة لتقوية العلاقات معهم في مواجهة المتشددين. والصراع بين المتشددين والمعتدلين في الداخل الإيراني، بات يُظلل النقاش حول تكاليف التورط في النزاعات الخارجية ومردودها على الاقتصاد الإيراني.

والبارز مؤخراً في هذا السياق، هو حجم الإعتراض الذي سجّله الرأي العام الإيراني، بعد كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، عن الأموال التي يتلقاها الحزب من إيران، هذه الإعتراضات جاءت من قبل شرائح محسوبة على النظام ومؤيدة له، وهذه ما قد يُشكل رأياً عاماً ضاغطاً في المدى الطويل والتراكمي، أكثر من أي تحرك خارجي غير محسوب. في المدى القريب، ليس كلّ ما يجري سوى تأكيد على أن المعركة مستمرّة وطويلة، ووقودها سيكون في الدول الأربع التي تعتبر إيران خاضعة لسيطرتها، العراق وسوريا ولبنان واليمن، كما أن شظاياها ستتوسع أكثر بإتجاه دول أخرى، قد لا يكون الخليج -ولا إيران- بمنأى عنها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها