الثلاثاء 2016/06/28

آخر تحديث: 16:23 (بيروت)

كيف سرقت اسلحة المعارضة السورية في الاردن؟

الثلاثاء 2016/06/28
كيف سرقت اسلحة المعارضة السورية في الاردن؟
نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في مركز تدريب عسكري أدرني-أميركي في الزرقاء (Getty)
increase حجم الخط decrease

وفقاً لمسؤولين أميركيين وأردنيين، تعرّضت الأسلحة التي كانت ترسل إلى الأردن، من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي اي ايه"، والمملكة العربية السعودية، لدعم مقاتلي المعارضة السورية، إلى السرقة من قبل عناصر المخابرات الأردنية، حيث تم بيعها إلى تجار الأسلحة في السوق السوداء. ويعتقد مسؤولون من مكتب التحقيقات الفدرالي "اف بي اي"، بعد أشهر من التحقيق، أن بعض تلك الأسلحة قد استخدم في حادث إطلاق نار في نوفمبر/تشرين الثاني، داخل منشأة تدريب للشرطة في عمّان، وقد قتل حينها أميركيان وثلاثة آخرين، وفقاً لأشخاص مطلعين على مجريات التحقيق.

حالة سرقة الأسلحة انتهت قبل أشهر فقط، بعد شكاوى من قبل الحكومتين الأميركية والسعودية. وتم الإبلاغ عنها للمرة الأولى بعد تحقيق مشترك، أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، وقناة "الجزيرة" الإنجليزية.


السرقات شملت ملايين الدولارات من الأسلحة، وتسلط الضوء على مخطط فوضوي لبرنامج تسليح وتدريب المقاتلين السوريين. وقال مسؤولون أردنيون، إن الضباط الأردنيين الذين كانوا جزءاً من مخطط حصد إيرادات استثنائية من مبيعات الأسلحة المسروقة، استخدموا تلك الأموال لشراء سيارات الدفع الرباعي باهظة الثمن وأجهزة آيفون، إضافة إلى سلع كمالية أخرى.


عمليات السرقة وإعادة بيع الأسلحة، أدت إلى حدوث طوفان من الأسلحة الجديدة المتوفرة في سوق السلاح السوداء، بما في ذلك بنادق كلاشنيكوف، ومدافع هاون، وقذائف صاروخية. ويقول المحققون إنهم لا يعرفون أين أصبحت تلك الأسلحة، ولكن مجموعات متباينة من الجماعات، بما في ذلك الشبكات الإجرامية والعشائر الأردنية في الريف، استخدمت سوق الأسلحة لبناء تراسنتها والحصول على الأسلحة، فضلاً عن قيام المهربين بشراء قطع منها وشحنها خارج البلاد.


يواصل مكتب التحقيقات الفيدرالي التحقيقات في حادث إطلاق النار في عمان عبر مكتب واشنطن الميداني. لكن مسؤولين أميركيين وأردنيين قالوا إن المحققين يعتقدون بأن الأسلحة التي استخدمها نقيب الشرطة الأردني أنور أبو زيد، في إطلاق النار على متعهدين أميركيين إثنين وأردنيين إثنين وجنوب أفريقي، كانت قد وصلت بالأصل إلى الأردن من أجل برنامج تدريب المعارضة السورية. وقال المسؤولون إن النتائج التي توصلوا إليها، تأتي من تتبع الأرقام التسلسلية للأسلحة.


وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام في الأردن محمد المومني، إن الادعاءات بأن ضباط المخابرات الأردنية شاركوا بعمليات سرقة أسلحة "غير صحيحة على الإطلاق". "يتم تعقب الأسلحة من قبل مؤسساتنا الأمنية بشكل ملموس، ووفقاً لأعلى درجات الانضباط"، يقول المومني. ودعا قوى المخابرات الأردنية، المعروفة باسم مديرية المخابرات العامة، أو دائرة المخابرات العامة، وهي مؤسسة ذات سمعة معروفة، و"من الطراز العالمي، لسلوكها المهني، إلى درجة عالية من التعاون بين الأجهزة الأمنية". ويعتبر رئيس دائرة المخابرات العامة في الأردن، الرجل الثاني في الأهمية بعد الملك.


ممثلو وكالة الاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي رفضوا التعليق. ورغم ذلك، فإن وزارة الخارجية الأميركية لم تعالج هذه الادعاءات بشكل مباشر، إلا أن المتحدث باسم الوزارة جون كيربي، قال إن العلاقات مع الأردن بقيت صلبة. وأضاف أن "الولايات المتحدة تقدر بعمق، تاريخاً طويلاً من التعاون والصداقة مع الأردن. نحن ملتزمون بأمن الأردن، وصولاً إلى الشراكة عن كثب، مع الأردن، لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة".


برنامج التسليح الذي أطلق في العام 2013 تحت اسم "خشب الجميز"، يدار من قبل وكالة الاستخبارات المركزية وعدد من أجهزة الاستخبارات العربية، وهو يهدف إلى بناء قوات معارضة للرئيس السوري بشار الأسد. وتعد الولايات المتحدة والسعودية أكبر المساهمين في تقديم الأسلحة والأموال لهذا البرنامج، فالسعودية تساهم بتقديم الأسلحة ومبالغ كبيرة من الأموال، فيما يقوم عناصر من القوات شبه العسكرية الأميركية، بتدريب الثوار على استخدام بنادق الكلاشينكوف وقذائف الهاون، والصواريخ الموجهة، المضادة للدبابات، إضافة إلى أسلحة أخرى.


مسؤولون أميركيون يقولون إنه بفضل تدريب الآلاف من الثوار السوريين في السنوات الثلاثة الماضية، حققت المعارضة تقدماً ملموساً على أرض المعركة ضد القوات الحكومية السورية، لكن تمكّنت القوات العسكرية الروسية من إجبارهم على التراجع.


ويستند البرنامج التدريبي على الأردن بسبب قربها إلى ساحات القتال السورية. منذ البداية، اعتمدت وكالة الاستخبارت المركزية ووكالات الاستخبارات العربية على الأجهزة الأمنية الأردنية لنقل الأسلحة، التي تمت عمليات شراء الكثير منها في منطقة البلقان وأماكن أخرى في جميع أنحاء أوروبا الشرقية.


برنامج التدريب الذي استهدفت الأسلحة المخصصة له في الأردن، منفصل عن البرنامج الذي أعدته وزارة الدفاع الأميركية لتدريب الثوار على محاربة تنظيم "الدولة لإسلامية"، بدلاً من محاربة القوات الحكومية. لكن برنامج وزارة الدفاع أغلق بعدما تمكّنت من تدريب حفنة قليلة من الثوار السوريين.


الأنباء عن سرقة الأسلحة، تم تداولها داخل الحكومة الأردنية لأشهر عديدة.  أحد كبار مساعدي العديد من رؤساء الوزراء الأردنيين في السابق حسام العبداللات، قال إنه لم يسمع عن هذا المخطط من المسؤولين الاردنيين الحاليين، لكنه أكد أن دائرة المخابرات العامة فيها بعض الضباط الفاسدين، واعتبر أن المؤسسة ككل ليست فاسدة. وأضاف أن "غالبية موظفيها هم أردنيون وطنيون وأوفياء وهم خط الدفاع الأول في البلاد".


وقال مسؤولون أردنيون، واصفين عملية السرقة بأن إدارتها، لوجستياً، تمت من قبل مجموعة من ضباط دائرة المخابرات العامة، الذين كان لهم إمكانية الوصول المباشر إلى أسلحة أخرى بمجرد تسليمها إلى الأردن. الضباط، وبشكل منتظم، كانوا يختلسون الأسلحة من الشاحنات أثناء تحميلها، قبل تسليمها إلى نقطة الإنزال المعينة. ولاحقأ، باع الضباط الأسلحة في عدد من الأسواق الكبيرة للأسلحة في الأردن. والبازارات المقامة للأسلحة في الأردن، تقع في معان جنوبي البلاد، وفي وادي الأردن، وفي منطقة سحاب خارج عمّان.


ومن غير الواضح ما إذا كان الرئيس الحالي لدائرة المخابرات العامة اللواء فيصل الشوبكي، على علم بسرقة الأسلحة، لكن العديد من المسؤولين في المخابرات الأردنية، أكدوا أن كبار الضباط داخل هذا الجهاز، على خدمة معرفة بعملية السرقة، وساهموا بتوفير غطاء لضباط من ذوي الرتب الدنيا.


الأنباء عن أن الأسلحة المخصصة للثوار يجري شراؤها وبيعها في السوق السوداء، تسربت إلى دوائر الحكومة الأردنية في العام الماضي، وتحديداً عندما بدأ تجار الأسلحة بالمفاخرة أمام زبائنهم بالمخزون الكبير الذي يملكونه من الأسلحة الأميركية والسعودية. وهنا بدأ عناصر المخابرات الأردنية، من غير المشتركين في عمليات السرقة، والموكل إليهم مهمة مراقبة أسواق السلاح، بإرسال تقارير بشأن انتشار تلك الأسلحة في الأسواق.


وفق ما يقول مسؤولون أردنيون، فإن الأميركيين والسعوديين، بعدما قدموا شكاوى حول عمليات السرقة، قام محققون من دائرة المخابرات العامة بالقبض على العشرات من الضباط المتورطين في المخطط، وبينهم ضابط برتبة مقدم، كان يدير العملية. ولاحقاً، أفرجت السلطات الأردنية عن المتورطين، وقامت بتسريحهم من الخدمة، لكنها استمرت بصرف رواتب تقاعدية لهم، ولم تفعل شيئاً حيال الأموال التي جنوها من مخطط السرقة.


قرار الأردن باستضافة برنامج وكالة الاستخبارت المركزية التدريبي، هو الحلقة الأحدث في شراكة طويلة الأمد بين عمّان وواشنطن، إذ إنه بدءاً من إدارة آيزنهاور، قدمت وكالة الاستخبارات المركزية مبالغ كبيرة إلى الملك حسين، الذي حكم الأردن من عام 1952 حتى وفاته في عام 1999، مقابل حصول الولايات المتحدة على إذن لتشغيل العديد من العمليات الاستخباراتية على الأراضي الأردنية.


وقد ساعدت الأموال الأميركية، وخبرة وكالة الاستخبارت المركزية، في تأسيس دائرة المخابرات العامة، وإخماد عدد من التهديدات الداخلية والخارجية لحكومة الملك حسين. فمنذ تعرض الولايات المتحدة إلى هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، أغرق الأردن بأموال الولايات المتحدة، بهدف دعم برامج عديدة لمكافحة الإرهاب. وافتتح جواسيس أميركيون وأردنيون، مركزاً مشتركاً لمكافحة الإرهاب خارج عمّان، وسجناً سرياً وضع به سجناء ألقي القبض عليهم من قبل وكالة الاستخبارت المركزية الأميركية في المنطقة.


في كتابه الصادر عام 2006 "حالة من الإنكار"، روى الصحافي بوب ودورد، محادثة جرت في العام 2003، أطلع خلالها مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت، مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس على عمل الوكالة في الأردن، وقال: "لقد أسسنا المخابرات الأردنية، والآن نحن نملكها".


العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة تقوم على الاعتماد المتبادل، لكن الأردن لديه قوة معينة بسبب موقعه في قلب الشرق الأوسط، وتسامحه مع الولايات المتحدة باستخدام أراضيه كقاعدة للعمليات الاستخباراتية الأميركية، وللجيش الأميركي. كما أن أجهزة الأمن الأردنية لها تاريخ طويل من محاولات اختراق الجماعات الإسلامية، وهي جهود أسفرت عن النجاح والفشل.


في العام 2009، أحضر ضابط من المخابرات العامة الأردنية، طبيباً أردنياً إلى وكالة الاستخبارات المركزية، وقالوا إنه تمكّن من اختراق صف القيادات في تنظيم القاعدة. ما تبيّن لاحقاً، أن هذا الطبيب كان عميلاً مزدوجاً، وقام بتفجير نفسه في قاعدة أميركية نائية في أفغانستان، ما أدى إلى مقتل 7 من موظفي وكالة الاستخبارت المركزية، فضلاً عن ضابط المخابرات العامة.

في الآونة الأخيرة، أرسل اثنان من رؤساء جهاز المخابرات العامة، إلى السجن بتهم الاختلاس وغسل الأمول والاحتيال على أحد البنوك. أحد المسجونين هو الجنرال سميح البطيخي، وكان يترأس دائرة المخابرات العامة بين 1995-2000، وقد أدين بأنه كان جزءاً من مخطط للحصول على قروض بنكية قيمتها حوالى 600 مليون دولار أميركي، من خلال إبرام عقود حكومية وهمية، واختلاس حوالى 25 مليون دولار. وقد حكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات، ولكن تم تخفيض الحكم في نهاية المطاف إلى أربع سنوات قضاها في قصره في مدينة العقبة الساحلية.


في وقت لاحق، أدين الجنرال محمد الذهبي، الذي كان يدير مركز المخابرات العامة بين 2005-2008، بسرقة الملايين من الدولارات التي صادرها ضباط دائرة المخابرات العامة المواطنين العراقيين، الذين كانوا يعبرون إلى الأردن في السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. وقد كشفت محاكمته، أنه رتب لتهريب الأموال في سيارة خاصة من العراق إلى الأردن، وكان متورطاً ببيع الجنسية الأردنية إلى رجال الاعمال العراقيين. وحكم عليه بالسجن 13 عاماً، ودفع غرامة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.


أعطى الرئيس الأميركي باراك أوباما الإذن لإطلاق برنامج تسليح سري في أبريل/نيسان 2013، بعد أكثر من عام من النقاش داخل الادارة الاميركية، حول صوابية استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لتدريب الثوار الذين يحاولون الاطاحة بالأسد.


وقد اتخذ هذا القرار في محاولة من قبل الولايات المتحدة لضبط فوضى ضخّ السلاح من الدول العربية إلى الجماعات المتمردة في سوريا. وكان القطريون قد دفعوا تكاليف تهريب شحنات أسلحة صينية تطلق من الكتف "FN-6"، عبر الحدود من تركيا، كما قامت السعودية بإرسال آلاف من بنادق كلاشنيكوف، وملايين من طلقات الذخيرة التي اشترتها، وأحيانا بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية.


في أواخر العام 2013، كانت وكالة الاستخبارت المركزية تعمل مباشرة مع المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى لتسليح وتدريب مجموعات صغيرة من المتمردين السوريين، وإرسالهم إلى سوريا عبر الحدود.


ولا تزال الدوافع الكامنة وراء اطلاق النار في مركز تدريب الشرطة عمان غير مؤكدة، كما أنه من غير الواضح، متى سيعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي اختتام تلك التحقيقات رسمياً.


هذا العام، أقامت أرملتا الأميركيين اللذين قتلا في الهجوم، دعوى قضائية ضد موقع "تويتر"،  بزعم أنه يسمح لتنظيم "الدولة الإسلامية" باستخدام منصة لنشر رسالة الجماعة العنيفة، وتجنيد الأشخاص وجمع الأموال.


مطلق النار، الكابتن المسلح أبو زيد، قتل على الفور تقريباً. وقال شقيقه فادي أبو زيد، في مقابلة، إنه لا يزال يعتقد أن أخاه بريء وأنه لم يلحظ أي مؤشرات على أنه كان يخطط لإطلاق النار في ذلك اليوم. وقال إن الحكومة الأردنية، نفت بأن شقيقه أدلى بأي تصريحات حول إطلاق النار قبيل الإقدام على فعلته، وأكد أنها رفضت تزويده بتقرير جثة أخيه.

| نُشر هذا التحقيق أولاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، وترجمته "المدن" إلى العربية

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها