الإثنين 2016/06/27

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

لم تعد أوروبا تسحر الأتراك

الإثنين 2016/06/27
لم تعد أوروبا تسحر الأتراك
صرح 68 في المئة من المستطلعة آراؤهم أنهم مع إنهاء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
وُضعت أسس الجمهورية التركية لتكون جزءاً من الغرب. بُدئ بوضع هذه الأسس في أواسط القرن التاسع عشر مع الفترة التي سُميَّت التنظيمات، ودخلت بهذا الاسم إلى العربية، وهي تعني "الإصلاحات"، وشملت تلك الإصلاحات مناحي الحياة كلها، وإن كان أبرزها تجلى على الصعيد العسكري والقانوني والثقافي. بعد ذلك جاءت الجمهورية لتسرّع تلك الخطوات، وتبدأ رحلة الاندماج مع العالم الغربي.

لعل النقاش حول تلك المرحلة يشغل المؤرخين العرب أكثر مما يشغل الأتراك، إذ أن الأتراك بغالبيتهم المطلقة مسرورين من هذا التوجه، وليسوا نادمين عليه.

عند تأسيس "حلف شمال الأطلسي" في العام 1949، تقدمت تركيا بطلب الانضمام إلى هذا الحلف، ولكن غالبية أعضاء الحلف رفضوا انضمامها، فانتهزت تركيا فرصة الحرب الكورية، وشاركت فيها إلى جانب الولايات المتحدة لتحظى بهذه العضوية. وفي عام 1952 تم قبولها رسمياً في "الأطلسي".

عندما تقدمت تركيا بطلب الانضمام إلى "الناتو" كان حزب "الشعب الجمهوري" في الحكم، ولكن عند انضمامها كان "الحزب الديموقراطي" في الحكم، والذي يعتبر من يمين الوسط، ويعتبره الإسلام السياسي العربي جزءاً من الإسلام السياسي، ويعتبر حزب "العدالة والتنمية" نفسه امتداداً لذلك الحزب. وكان الانضمام إلى "الأطلسي" بتوافق يمين الوسط مع يسار الوسط في تركيا، بمعنى آخر لم يعارض هذا الأمر سوى الحركة الشيوعية فقط.

لا يختلف الأمر بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. بعد تأسيس لبنة هذا الاتحاد الأولى التي كانت تسمى "المجموعة/ المؤسسة الاقتصادية الأوروبية" في العام 1958، تقدمت تركيا بطلب الانضمام إلى هذه المجموعة بعد عام واحد. وبعد تأسيس المجموعة الأوروبية وقعت تركيا اتفاقية الشراكة معها عام 1963.

من دون الدخول في التفاصيل، فتركيا اليوم عضو في المؤسسات الأوروبية كافة بدءاً من الاتحاد الجمركي وصولاً إلى البرلمان الأوروبي.

 كان طموح الغالبية المطلقة من مواطني الجمهورية التركية الانضمام إلى أوروبا، ونجد الطروحات الحزبية للأحزاب كافة بالسعي لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ولعلها المرة الأولى التي يصرح فيها مسؤول تركي رفيع، هو رئيس الجمهورية قائلاً: "سنجري استفتاء على وقف أو استمرار مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

الغريب أن المعارضة التركية حتى الآن تجهل طريقة عمل حزب "العدالة والتنمية". فهذا الحزب عندما يقول إنه سيجري استفتاء ما، فهو قبل أن يطرح الأمر يكلِّف أهم شركات استطلاع الرأي التركية بإجراء أكثر من استطلاع، ويقارنها، ويدرسها، ثم يدلي بتصريحاته. وهو ما باح به كثيرون من مسؤولي الحزب السابقين.

عندما صرّح رئيس الجمهورية بهذا التصريح، رد رئيس حزب المعارضة الرئيس كمال قلتشدار أوغلو رئيس حزب "الشعب الجمهوري" بأنه لا يأخذ هذا الكلام على محمل الجد. 
ولكن شركات استطلاع الرأي بدأت تنشر نتائج استطلاعاتها حول موضوع مفاوضات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، وكانت النتائج مذهلة. فقد صرح 68 في المئة من المستطلعة آراؤهم أنهم مع إنهاء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل 23 في المئة يرفضون إنهاء المفاوضات، و9 في المئة غير مهتمين.

في الحقيقة أن هذا الاستطلاع لو أُجري في مطلع العقد الأول من هذا القرن، لكانت نسبة الثلاث وعشرين هي ثلاث وتسعون، فالأتراك كانوا لا يرون لأنفسهم مستقبلاً خارج الاتحاد الأوروبي.

ولكي لا يقع التباس بالفهم، فإن الناس ليسوا ضد القيم الأوروبية، أي أن الأمر ليس صحوة إسلامية وعداء للغرب، لأن الاستطلاع نفسه سأل المستطلعة آراءهم حول ما إذا كانوا يرغبون باستمرار تركيا بشكل منفرد بإجراء الإصلاحات القانونية والدستورية بحيث تتواءم مع القوانين الأوروبية فكانت النتيجة صاعقة. هناك 88 في المئة من المستطلعة آراؤهم يؤيدون استمرار تركيا بالإصلاحات القانونية والدستورية للوصول إلى مستوى الحقوق والحريات المعمول بها في الدول الأوروبية.

لقد استخدمت أوروبا قضية عضوية تركيا أداة ضغط على هذا البلد، ما جعل الأتراك لا يثقون بالزعماء الأوروبيين المتعاقبين، وهذا أيضاً كان أحد أسئلة المستطلعة آراؤهم ما إذا كانوا يرون الزعماء الأوروبيين صادقين مع تركيا في موضوع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فأدلى 82 في المئة بأنهم لا يثقون بهم.

إذا نظرنا إلى المشاكل بين تركيا وأوروبا نجد أن القضية الكردية تحتل المركز الأول، وقضية مؤسسات فتح الله غولان في المركز الثاني، وتشكّل هاتان القضيتان أكبر عثرة في طريق تركيا نحو الاتحاد الأوروبي. وإذا اعتبرنا أن قضية فتح الله غولان عابرةً، وحتى إنها غير مهمة جداً بالنسبة إلى الأوروبيين، فهو بالنتيجة جزء من الإسلام السياسي، وأوروبا تستخدم هذا النوع من التيارات كورقة فقط، ولا يمكن أن تكمل معها حتى النهاية، فتبقى القضية الكردية هي العثرة الأكبر على هذا الصعيد.

قبل أيام لم تسمح السلطات التركية لمجموعة برلمانية ألمانية بزيارة الجنود الألمان الموجودين في قاعدة إنجيرليك، وكان هذا تطوراً لافتاً. الذريعة التركية هي قبول البرلمان الألماني "بالإبادة الأرمنية"، ودعم حزب "العمال الكردستاني". في الحقيقة أن قبول البرلمان الألماني بالإبادة الأرمنية لا يؤثر كثيراً على الدولة التركية، ولكن دعم حزب "العمال الكردستاني" هو الذي تراه السلطات التركية عموماً خطراً وجودياً.

قانون "مكافحة الإرهاب" التركي إحدى العقد بين أوروبا وتركيا، ولعل خروج تركيا يعفيها من إعادة النظر بهذا القانون، وإقناع أوروبا به. وفي هذه الحالة سيكون المتضرر الوحيد من إنهاء تركيا مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي هو حزب "العمال الكردستاني".

الوضع الاقتصادي والأكاديمي والتقني في تركيا اليوم يتقدم بأشواط على دول أوروبا الشرقية وبعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ويبقى السؤال المهم، هل تهدد تركيا دول أوروبا بالانسحاب من أجل انتزاع موقف أكثر ليونة؟ أم أنها في حلٍّ من هذا الاتحاد الذي لا تأمل تركيا بدخوله في أي يوم من الأيام؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها